هل هو رجل المرحلة المقبلة؟
يعود مروان البرغوثي، امين سر حركة فتح في الضفة الغربية، المعتقل في اسرائيل، الى الواجهة مجددا، هذه المرة في اطار سعي حكومة شارون لمحاكمته.
الحديث عن هذا الناشط السياسي الفلسطيني اللامع، يحمل معه ايضا تذكيرا بالفراغ الكبير الذي تركه اعتقاله على الساحة الفلسطينية وايضا الترويج بان يصل البرغوثي يوما ما الى قمة الهرم السياسي الفلسطيني.
لقد ادى اعتقال البرغوثي في منتصف شهر ابريل الماضي داخل احد منازل مدينة رام الله، الى تغييب اقوى الاصوات المتحدثة باسم الانتفاضة. ولم تشهد الساحة الفلسطينية، حتى اللحظة، بروز شخصية اخرى من داخل حركة فتح او من خارجها تملأ الفراغ الذي تركه غيابه.
وبالرغم من ان حملات اعادة الاحتلال التي نفذها الجيش الاسرائيلي في مدن الضفة الغربية الرئيسية، احدثت تغييرا كبيرا في بنية الانتفاضة وشكلها وحدّت من قدرتها على التطور، الا ان المراقبين يتفقون على ان غياب صوت البرغوثي شكّل احد قوى نتائج الضربات الاسرائيلية.
الخطاب الوطني
عمل البرغوثي على مدى ثمانية عشر شهرا من عمر الانتفاضة، على صياغة شكل واطار الخطاب السياسي الفلسطيني، الذي ذهب كثيرون الى وصفه بانه استعادة قوية لاساس الخطاب الوطني الذي غيبته سنوات الحكم الذاتي.
وساهم البرغوثي بشخصيته الشعبية، وهو يتقدم تظاهرات الاحتجاح وبتصريحاته اليومية وصوته وصورته اللذين لازما شاشات الفضائيات المحلية والعربية والدولية وحتى الاسرائيلية في رسم خارطة واضحة للمطالب الوطنية الفلسطينية بانهاء الاحتلال والدعوة الى الاستقلال.
ولم يكن خافيا ان هذا الشاب، ابن عائلة بسيطة من قرية كوبر المجاورة لمدينة رام الله، قد راح يتقدم بعيدا في الشوط وينافس ماكنة الاعلام الاسرائيلية الهائلة والتي راحت في نفس الوقت تؤلب وتعمل ضده بشراسة منقطعة النظير.
فقد ذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الى فرض حظر على ظهوره في وسائل الاعلام الاسرائيلية اسوة بالحظر الذي فرضه على الرئيس ياسر عرفات، بل ان مقربين نقلوا عن شارون قوله عندما بلغه نبأ اعتقال البرغوثي انه تمنى لو “انهم احضروا له ترابا في زجاجة”.
وعشية اعتقاله، كان البرغوثي يردد ان شارون سيعمد الى اعادة احتلال جميع الاراضي الفلسطينية لفترة غير محدودة مضيفا الى ذلك ان الامر سيكون بداية نهاية سياية شارون.
وقبل ايام فقط، اوقفت المخابرات الاسرائيلية عملية استجواب البرغوثي التي تواصلت اكثر من 80 يوما وهو يقبع في زنزانة انفرادية لاترى النور. واكد محاموه انه ظل يرفض التعاون مع المحققين الاسرائيليين وقدم دفاعا مكتوبا ينفي كل التهم “بالقتل والارهاب” التي تنوي النيابة الاسرائيلية اعلانها امام محكمة مدنيّة يوم الاربعاء المقبل.
تركيبة نضالية مختلفة
ولكن كيف كان لهذا الناشط الشاب ان يحظى بكل هذا التاثير الذي ترك المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية منقمسة حول ما تفعله بشانه مع بدء العد التنازلي لمحكامته؟
للمسالة جذورها وظروفها التي ساهمت في اخراجها على هذه الطريقة، وتتعلق بتربية البرغوثي الوطنية والثقاقية والتجربة الفريدة التي صبغت حياته السياسية الشابة واعطتها الدفع المتين اللازم للبقاء في محيط سياسي قاسي ومضطرب.
للبداية المبكرة تاثيرها عندما اعتقل الفتى البرغوثي الذي لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وأُودع السجن في اوائل السبعينات ليشكل ذلك اول اتصال له مع حركة فتح التي ظلت تؤثر في مستقبله ويؤثر فيها لاحقا.
وتلى ذلك نشاط لم ينقطع من خلال مجالس واتحادات الطلبة في الجامعات والمعاهد، لا سميا جامعة بيرزيت التي كانت في حينه تشكل المنتدى الوطني الاول، اضافة الى انخراطة في العمل التنطيمي لحركة فتح.
وكان من شان تلك التجربة ان توسع اتصالات وعلاقات البرغوثي “الفتحاوي” العلماني مع الحركة الاسلامية التي كانت تحيا بدايات نشاطها في مطلع الثمانينات بينما شغل البرغوثي منصب رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت.
بدأت اولى تجارب البرغوثي الحقيقية مع القيادة مع اندلاع الانتفاضة الاولى اواخر عام 1987، لكن ذلك لم يدم طويلا، حيث اعتقلته سلطات الاحتلال وابعدته الى جنوب لبنان بصحبة رفاق آخرين، ابرزهم العقيد جبريل الرجوب الرئيس السابق لجهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية.
لكن إبعاده الى الخارج لم يثنه عن مواصلة القيادة ليمارسها عن بعد من خلال ما كان يعرف بالقطاع الغربي، الذي كان يقوده الراحل خليل الوزير (ابو جهاد) المنسق العام للانتفاضة الاولى.
ويحمل سجل البرغوثي نزعات من التمرد، تمثلت في البدايات في مواقع الطلبة والعمل السري في الاراضي المحتلة، ثم في تونس عندما كان مبعدا خلال الانتفاضة الاولى، حيث اكد مقربون انه طلب في حينه من قيادة الانتفاضة في الداخل، الخروج والاعلان عن تشكيل حكومة فلسطينية.
العودة والصعود مجددا
وبعد عودته الى الضفة الغربية مع بدابة تطبيق الحكم الذاتي اواخر عالم 1994، فضل البرغوثي عدم الانضمام الى صفوف السلطة الرسمية، وآثر الاستمرار في نشاطه داخل حركة فتح التي راح يؤكد ان دورها لم ينته بعد، بل ان عليها تجديد نفسها لمرحلة قادمة.
والى جانب عمله نائبا في المجلس التشريعي عن منطقة رام الله، اخذ البرغوثي باعداد حركة فتح لانتخابات جديدة لم تشهدها من قبل وراح يعد لها ذارعا في الضفة الغربية وقطاع غزة معززا اتصالاته وعلاقاته مع جميع كوادر الحركة.
كان كل ذلك يتم بالتوازي مع بناء علاقات وثيقة مع معسكر السلام في اسرائيل ومع منظمات وهيئات ومسؤولين ونواب عرب ومسلمين واجانب، صبّت في تشكيل دائرة علاقات عامة عالمية.
وبالرغم من معارضة اقوياء ومخضرمين في الحركة، كان له ما اراد. واصبح عن طريق الانتخابات التي اعد لها، اول امين سر منتخب للحركة في الضفة الغربية، وهي خطوة اكد مقربون، انها كانت ستاخذه لاحقا الى عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، احد المداخل الشرعية “الفتحاوية” لتولي القيادة الفلسطينية.
لكن شارون اراد غير ذلك. فقد تحدى صباح يوم 28 سبتمبر 2000 مشاعر الفلسطينيين عندما دخل باحة المسجد الاقصى حيث كان البرغوثي يقود مظاهرة صاخبة، تحولت خلال ايام قليلة الى الانتفاضة الثانية.
وعلى الرغم من وجود مروان البرغوثي رهن الاعتقال واحتمال صدور حكم بالاعدام ضده، فان شخصيات فلسطينية واسرائيلية تعتقد ان البرغوثي قد يكون رجل المرحلة المقبلة على الساحة الفلسطينية.
فقد سالت مجلة Jeune Afrique في عددها الاخير السفير الاسرائيلي في فرنسا، ايلي برنافي، ماذا ستفعلون بمروان البرغوثي؟ اجاب السيد برنافي بالقول، “اننا سنحاكمه دون شك، وقد يظل في السجن فترة وجيزة، ومن يعلم، قد يصبح البرغوثي يوما ما رئيسا لوزراء بلاده”.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.