هل هي المعركة الأخيرة في نزاع الصحراء؟
أسرع المسؤولون المغاربة لإبراز مكسب جزئي حقّـقته الدبلوماسية المغربية في معركة تسوية نزاع الصحراء الغربية، التي كادت تنتهي بتكبيد المغرب خسارة فادحة.
وحرص الإعلام الرسمي وتصريحات المسؤولين على تثبيت أن أي قرار لمجلس الأمن حول النزاع يفقد قوة الإلزامية، ما دامت أطراف النزاع لم تُـؤيّـده.
المعركة الأخيرة لتسوية النزاع الصحراوي، التي شهدها مجلس الأمن الدولي طوال شهر يوليو الماضي، تمحورت حول إقرار المجلس لمشروع تسوية أعده جيمس بيكر، مبعوث الأمم المتحدة المكلّـف بمتابعة ملف التسوية الذي تبنّـاه كوفي أنان، الأمين العام للمنظمة في تقريره لمجلس الأمن الدولي.
ويتضمّـن المشروع منح المناطق الصحراوية المُـتنازع عليها حُـكما ذاتيا مُؤقّـتا تحت السيادة المغربية، تتمتّـع فيه هيئات الحكم الذاتي المُـنتخَـبة بسلطات واسعة في تدبير الشأن المحلي للمنطقة ومستقبلها، على أن يستفتى الصحراويون بعد 5 سنوات لتقرير مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج مع المغرب.
وكان المغرب، منذ أن طُـرِحَـت أفكار حول الحُـكم الذاتي، يسعى لتكون هذه الصيغة دائمة وليست مؤقتة، وفي إطار الجهوية (اللامركزية) التي يعمل على تنظيم البلاد إداريا على أساسها، بدون أن يكون لهذا التنظيم أي بُـعد سياسي.
وتقدّم جيمس بيكر في نهاية 2000 بأفكار حول الحُـكم الذاتي في إطار المملكة المغربية بعد أن أدرك، ومعه الأمين العام للأمم المتحدة، أن تطبيق مُـخطط السلام الذي كان مُـتّـفقا عليه منذ 1988، مسألة غير ممكنة في ظل التبايُـن الواضح والكامل في تعاطي أطراف النزاع مع كل إجراء من الإجراءات المُـمهّـدة لاستفتاء تقرير المصير الذي يُـتوّج إجراءات التسوية التي نصّ عليها المخطط.
ولقيت أفكار بيكر في حينه ترحيبا مغربيا ورفضا حادا من الجزائر والبوليزاريو، التي اعتبرتها ممهدة لإدماج المنطقة بالمغرب وحرمان الصحراويين من حقّـهم في تقرير المصير. وتمّ خلال السنوات الثلاث الماضية طرح أفكار إضافية أو توضيحية للوصول مع أطراف النزاع إلى صيغة مقبولة من الجميع.
وكان بيكر يأمل أن تكون أفكاره ومقترحاته الأخيرة هي هذه الصيغة ضمن المشروع الذي قدمت في إطاره فقرة تلزم أطراف النزاع بتنفيذه بعد إقرار مجلس الأمن له.
وتتم معالجة نزاع الصحراء الغربية في الأمم المتحدة في اللجنة الرابعة (لجنة تصفية الاستعمار)، ومنذ بدء مجلس الأمن التعاطي معه في منتصف الثمانينات، يعالج في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، أي الفصل الذي لا يلزم الأطراف بتنفيذ القرارات الصادرة بشأنه إلا في حال الموافقة عليها. ووجد المغرب في إدخال فقرة الإلزام، محاولة لفرض حل لا يوافق عليه.
نزاع الصحراء بين واشنطن ونيويورك
وإذا كان المغرب قد أبلغ جيمس بيكر في بداية شهر مارس الماضي، عندما تلقى نسخة أولية من المشروع، اعتراضاته ورفضه لما تضمّـنه هذا المشروع من أفكار وإجراءات، فإنه فوجئ في يوليو، ليس فقط بإصرار جيمس بيكر على التمسّـك بما قدم، لكن أيضا بتبني الولايات المتحدة للمشروع وتقديمه لمجلس الأمن، وطلبها من أعضائه دعمه وتبنّـيه وإقراره.
المسؤولون المغاربة الذين حرِصوا طوال الأشهر الماضية على مسايرة المواقف والسياسات الأمريكية الإقليمية والدولية، على أمل نيل دعم واشنطن في النزاع الصحراوي، لم يجدوا ما يقولوه عن الموقف الأمريكي الجديد للرأي العام المغربي، سوى أن واشنطن تريد دعم جيمس بيكر، أحد أركان إدارة الرئيس بوش الأب، ورئيس الحملة الانتخابية للرئيس بوش الإبن، ولا تريد له أن يفشل.
وتحدّث بعض المسؤولين عن مصالح أمريكية في الجزائر، خاصة في ميدان النفط والغاز بعد حديث عن خوصصة شركة سونطراك الجزائرية، كما تحدّث آخرون عن حرص أمريكي على بقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قصر المرادية بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر عام 2004.
ومهما كانت أسباب ودواعي الموقف الأمريكي (المعادي للمغرب)، فإن المسؤول المغربي شعر بإرباك تجاه الرأي العام المغربي، وبدأت وسائل الإعلام المغربية حملة ضد الولايات المتحدة وسياسة الجحود تُـجاه المغرب تطالب المسؤول المغربي بنهج جديد في التعاطي مع الولايات المتحدة والعلاقات معها بغـضّ النظر عن اتفاقية منطقة التبادل الحر التي تسعى واشنطن إلى إقامتها مع المغرب، ويبرز المسؤول المغربي أنها الاتفاقية الأولى التي توقعها الولايات المتحدة مع دولة إفريقية.
الحلقة المُـفرغَـة
اتـّخذ مجلس الأمن، وبعد اتصالات مكثفة ومداولات ليست ساخنة، قرارا بالإجماع يتبنّـى فيه مشروع جيمس بيكر دون أي تعديل باستثناء إلغاء الفقرة المتعلقة بإلزام الأطراف بالتنفيذ، إلا انه دعا الأمين العام وممثله لإجراء اتصالات مع الأطراف للوصول معها إلى كيفية تطبيق القرار، ودعا الأطراف إلى التعاون مع الأمم المتحدة لإنهاء النزاع، كما قرر تمديد ولاية قوات الأمم المتحدة (المينورسو) المنتشرة في الصحراء الغربية لمدة ثلاثة أشهر.
المسؤول المغربي الذي عبّـر عن ارتياحه للصيغة النهائية لقرار مجلس الأمن، لم يتحدّث عن ما ورد في مشروع بيكر من أفكار يرفضها أو يتحفّـظ عليها، واكتفى بإبراز إلغاء فقرة الإلزام، ليقدم للرأي العام المغربي “انتصارا دبلوماسيا” كان بأمـسّ الحاجة إليه بعد لحظات القلق التي عاشها طوال يوليو الماضي، وأيضا على أمل أن تأتي الأيام القادمة بجديد يُـشجّـع المُـؤثرين في النزاع ومساره، تسوية أو مواجهة على الوصول إلى تفاهم بعيد عن مجلس الأمن وقراراته، يُـبعد عن المنطقة شبح توتر قد لا يقتصر على الحملات الإعلامية.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.