هل يتحدد مصير سوريا في 2005؟
كانت سوريا بالنسبة لأمريكا "الثمرة دانية القطاف" في عام 2004، على حد تعبير جوشوا لانديس، الباحث الإستراتيجي الأمريكي.
فهل تسقط هذه الثمرة في العام الجديد؟
ستعتمد الإجابة على هذا السؤال على عاملين اثنين يبدوان على القدر نفسه من الأهمية: التطورات الداخلية في سوريا (وامتداداتها في لبنان)، وطبيعة توجهات إدارة بوش – 2 في ولايتها الجديدة.
على الصعيد الاقتصادي، كان التطور الأهم العام الماضي هو بالطبع توقيع سوريا لـ “اتفاقية الارتباط” مع الاتحاد الأوروبي كجزء من اتفاقات منطقة التجارة الحرة الأوروبية – المتوسطية المقررة عام 2010.
واعتبر النظام السوري هذا الاتفاق إنجازاً كبيراً يُـفترض أن يمكـّنه من فك العزلة الإستراتيجية التي يعيشها، وأيضاً من بدء استقبال القروض والاستثمارات الأوروبية التي يحتاجها بشدة للخروج من المأزق الاقتصادي- الاجتماعي الراهن.
معروف أن هذه الأزمة وصلت عام 2004 إلى مفترق طرق خطر. فقد تدهور الدخل الفردي إلى أقل من ألف دولار سنوياً، وارتفعت البطالة إلى أكثر من 23% من إجمالي اليد العاملة، وواصل الاقتصاد نموه السلبي (نحو 1،7 تحت الصفر)، هذا في حين سجّـلت سوريا واحدة من أعلى نسب زيادة السكان في المنطقة (2،7%)، وباتت الدولة في حاجة إلى توفير 400 ألف فرصة عمل جديدة كل سنة.
مهّـدت الحكومة السورية للاتفاق مع الأوروبيين بسلسلة إصلاحات اقتصادية شملت:
– مسودة خطة إصلاح اقتصادي لتحرير الاقتصاد (أعلن عنها في مايو الماضي).
– خطة إصلاح مالي ونقدي مدتها ثلاث سنوات.
– افتتاح أول مصارف تجارية سورية خاصة منذ أكثر من أربعين عاما، وصرف مئات ملايين الدولارات لجعل السياحة ركيزة رئيسية من ركائز الاقتصاد، خاصة في منطقتي اللاذقية وطرطوس الساحلتين، والمناطق الجبلية المحيطة بهما.
– إضافة إلى إصدار مئات القوانين والترتيبات الهادفة إلى بدء تحديث الاقتصاد.
النفق
بيد أن كل هذه التوجهات، على أهميتها، لم تستطع تمكين السوريين من رؤية النور في نهاية هذا النفق الاقتصادي. لماذا؟ لأن العقبات الرئيسية أمام الإصلاحات الاقتصادية لم تكن اقتصادية، بل سياسية.
فقد اكتشف نظام بشار الأسد، كما اكتشف قبله العديد من قادة الأنظمة الشمولية، أن الانتقال إلى الليبرالية الاقتصادية يحتاج إلى قدر من الليبرالية السياسية.
واجه أنور السادات هذه الحقيقة في مصر، فسارع إلى التحالف مع فئات رأسمالية وكومبرادورية جديدة. وفتح دنغ سياو بنغ في الصين المجال واسعاً أمام تحالفات اقتصادية شملت (كما يقول المحللان جورج غيلبوي، وإريك هيغنبوثام) توسيع الحريات السياسية والمنظمات الاجتماعية المستقلة، بيد أن هذا لم يحدُث في سوريا حتى الآن على الأقل.
ويعتقد الباحث الاقتصادي غاري غامبل، رئيس دورية “ميدل إيست إنتليجنس بوليتين” أن السبب يكمُـن في أن: “النظام السوري يعتمد في بقائه على أربعة ركائز اجتماعية وهي: تحالف كبار ضباط الأمن والجيش العلويين مع كبار التجار السُـنة، والطائفة العلوية وباقي الآقليات، والعمال والمهنيين الذين يعمل 1،2 مليوناً منهم في مؤسسات الدولة، و80% من الفلاحين الذين يعتمدون على تعاونيات الدولة، وأي خلل في التحالف مع هؤلاء بفعل تغييرات اقتصادية وسياسية، سيدفع النظام إلى الانهيار”.
يُـدرك النظام ذلك. ولهذا، تجنّب كل وصفات صندوق النقد الدولي حول “اللبرلة”، واختار النموذج الصيني كأسلوب للاندماج في العولمة. لكن، حتى النموذج الصيني في حاجة إلى قدر من الليبرالية السياسية، وما لم يتمكن النظام من تحقيق هذه “اللبرلة” وأيضاً من العثور على حلفاء اجتماعيين وسياسيين جُـدد، فإن الأزمة الاقتصادية ستواصل المراوحة بشكل خطر في عام 2005.
“الخندقة”
هذا على الصعيدين، الاقتصادي والسياسي. ماذا الآن على صعيد “الامتداد السوري في لبنان، ومعه مواقف القوى الدولية؟
تعتبر دمشق، وعن حق، أن خط الدفاع الحقيقي عن نظامها يكمُـن في لبنان. لذا، حاولت طيلة عام 2004 احتواء العاصفة الأمريكية – الفرنسية ضد وجودها في لبنان (والتي تمثلت في قرار مجلس الأمن رقم 1559) عبر توجهين اثنين:
– التخفيف من وجودها العسكري الظاهر في لبنان (وهذا يُـمكن أن يشمل قريباً سحب كل أو معظم القوات إلى الداخل السوري)، والإكثار من وجودها السياسي عبر تعزيز سلطة الرئيس اللبناني إميل لحود التنفيذية المهتزة بسلطة تشريعية ثابتة في الانتخابات النيابية المقبلة.
– الانفتاح على مصر وتركيا وأوروبا لموازنة، أو على الأقل، التخفيف من حجم الضغوط الأمريكية عليها، وهي ضغوط لا يزال من غير المستبعد أن تصل في مرحلة ما إلى مستوى تغيير النظام أو تعديل بنيته بشكل جذري.
أطلق مركز الأبحاث الإستراتيجي الروسي “بينر” على هذه التوجهات السورية إسم “سياسة الخندقة” (retrenchment)، وحدّد شروطاً عدة لاحتمال نجاحها، أهمها:
– طبيعة الإرادة السياسية للقوى الخارجية الضاغطة.
– مستوى ألاّ إستقرار في السياسات الداخلية اللبنانية في الأشهر المقبلة.
– وضعية الاقتصاد اللبناني في عام 2005 .
– وأخيرا، مدى نجاح نظام الأسد في التوصل إلى اتفاق مُـتفاوض عليه بين أطراف النخبة السورية الحاكمة حول مسألة الإصلاحات.
العاصفة
وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه “الخندقة” ستمكّـن دمشق من احتواء الجهود الأمريكية الراهنة لإخراجها، عسكرياً وسياسياً، من لبنان، وبالتالي، تغيير موازين القوى في الهلال الخصيب.
إن دمشق تنتظر تراجع حدّة العاصفة، وتراهن على عدم استعداد أمريكا لتغيير النظام البعثي السوري بالقوة العسكرية، خاصة بعد تعثر المحافظين الجدد الأمريكيين في العراق. وإذا ما استقر لبنان بعد انتخابات عام 2005 البرلمانية، فإن فرص نفاذها بريشها ستتقدم، وتهديدات واشنطن لها ستتراجع، أو هذا على الأقل ما تعتقده النخبة السورية الحاكمة. لكن، هل تقديراتها في محلها؟
ستنجلي الأمور برمتها خلال النصف الأول من 2005. ففي هذه الفترة، سيتبين الخيط الأبيض من الأسود حيال مصير المشروع الأمريكي في العراق وباقي أنحاء المنطقة.
وإذا ما تبيّـن أن هذا المشروع يزداد تعثراً، سيكون في وُسع دمشق النوم على حرير في لبنان وغير لبنان، والاستسلام لأحلام لذيذة يتمدد بموجبها عمر النظام الحالي كما هو بدون أي تغيير. (هذا برغم أن البعض لا يستبعد أن يؤدي تأزم الأمريكيين في العراق إلى دفعهم لتصدير أزماتهم إلى سوريا ولبنان وإيران).
أما إذا ما ارتاح الأمريكيون، ولو نسبيا في بلاد العباسيين، فإنهم سيقفزون مباشرة إلى بلاد الأمويين “لإتمام المهمة”، بصفتها خطوة أكثر من ضرورية لاستكمال برنامج الشرق الأوسط الكبير، وإذا ما تحقق الاحتمال الثاني، ستسقط الثمرة السورية دانية القطاف سريعاً في الحضن الأمريكي.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.