هل يمكن أن يصمد الفلسطينيون فترة أطول؟
تستعد لبنان لاحتضان "المنتدى العربي الدولي لإعادة التأهيل والتنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة" خلال شهر سبتمبر القادم.
هذه المبادرة التي تقف وراءها الأمم المتحدة، ثمنتها القمة العربية الأخيرة بتونس، وأصدرت في شأنها قرارا حثت فيه المؤسسات الاقتصادية والصناديق العربية على دعمها لأنها تساعد بذلك على صمود الفلسطينيين
لقد أصبح مستقبل الشعب الفلسطيني “على كف عفريت”. يقول وزير التخطيط الفلسطيني نبيل قسيس إن بلاده تواجه اليوم ثلاث أزمات كبرى: “الأزمةالسياسية بتعثر عملية السلام واستمرار الصراع بأشكاله المختلفة، والأزمة الاقتصادية بسبب تواصل التدمير الكبير للصناعة والزراعة والبيئة والبنية، حيث يواجه الاقتصاد الفلسطيني خطر الانهيار، والأزمة الاجتماعية الناتجة عن ارنفاع نسبة البطالة”.
وفي هذا السياق التاريخي الصعب، لاحظ ممثل “شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية” بورشة عمل عقدت مؤخرا ببيروت حدوث تراجع كبير لمستوى دعم الشعوب العربية للفلسطينيين.
حصل ذلك ويحصل في ظرف يشهد تصاعد عمليات القمع وتفكيك بنية الوجود الجماعي للشعب الفلسطيني بدرجة وأشكال غير مسبوقة، مما جعل الكثير من المراقبين والنشطاء الميدانيين في الحقل الاجتماعي لا يقف تشاؤمهم عند حدود استبعاد إمكانية قيام دولة فلسطينية مهما كان شكلها ولونها، ولكنهم يتساءلون أيضا حول مدى قدرة الفلسطينيين على الاحتفاظ بما تبقى لهم من أرض ومؤسسات.
فقر وحصار وعزلة
الورشة التي احتضنتها منظمة “اسكوا” التابعة للأمم المتحدة حول “شراكة المجتمع المدني الفلسطيني والعربي” يومي 9 و10 جوان 2004، وبالتعاون مع جامعة الدول العربية، تميزت بغزارة المعطيات التي كشفت عن حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها شعب أصبح مقطع الأوصال، غير قادر بمفرده أن يوقف نسق التدهور ومخططات التدمير..
أما المعطيات بالأرقام فهي كثيرة ومتععدة منها.. 3500 قتيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية .. تجاوزت نسبة الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم 75 بالمائة من إجمالي عدد السكان .. كما تعدت البطالة بين القوى العاملة نسبة الخمسين المائة، وتصل في بعض المناطق إلى حدود 100% .. 2700 حالة إجهاض بسبب الأحداث العاصفة.. 13,4 بالمائة من الفلسطينيين يعانون من سوء التغذية.. مياه 85 بالمائة من آبار القطاع لا تصلح للشرب.. 470755 شجرة تم قطعها معظمها من شجر الزيتون .. و174402 دونم من الأراضي جرفتها الجرافات الإسرائيلية.
ويؤكد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أن أكثر من نصف مليون فلسطيني يعتمدون حاليا على برامج المساعدات الغذائية. يضاف إلى ذلك أن 600 ألف فلسطيني سيحاصرون بين الجدار الذي تبنيه الحكومة الإسرائيلية الحالية والذي يطلق عليه الفلسطينيون صفة جدار الفصل العنصري وبين الخط الأخضر. وتقدر بعض المصادر أن من بين هؤلاء سيجد 46 ألف فلسطيني أنفسهم معزولين بالكامل عن العالم، خاصة سكان قلقيلية وحتة ورأس عطية وزيتا.
تهور مدروس
وبقطع النظر عن التقييمات المختلفة والمتباينة لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، إلا أنه نجح إلى حد كبير في القضاء على كل إمكانية حصول تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، مستفيدا إلى الحد الأقصى من الوضع الدولي الذي ترتب عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لقد لجأ إلى كل الوسائل من إغلاق متواصل للمعابر، واغتيال كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية وقتل المدنيين وتجريف الأراضي وتحطيم البنية التحتية وتخريب المؤسسات، وصولا إلى هدم مئات المنازل وتهجير أصحابها. فلم تترك الحكومة الإسرائيلية الحالية بابا قد يفتح على تسوية محتملة إلا وأغلقته.
لهذا يعتقد عزت عبد الهادي من “مركز بيسان للبحوث والإنماء” بأنه “لا توجد حاليا إمكانيات واقعية لإعادة إحياء عملية السلام، حيث تبدو جميع السيناريوهات السياسية المقترحة بما فيها خطة خارطة الطريق غير واقعية بسبب السياسات الإسرائليلية المتهورة “.
إنه تهور مدروس، حيث ينطلق أصحابه من التبعية المطلقة للفلسطينيين للاقتصاد الإسرائيلي، سواء بالنسبة للعمالة، أو لتصدير المنتوج الزراعي والصناعي، أو المياه والطاقة وغير ذلك من الخدمات الرئيسية. فقوات الاحتلال تعمل بشكل منهجي للحيلولة دون قيام اقتصاد فلسطيني قابل للنمو والاستقلال. وهو اختيار متكامل مع هدف القضاء على الأسس العملية التي من شأنها أن تسمح بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة.
وتكفي الإشارة إلى حشر الفلسطينيين حاليا في مساحة من الأرض لا تتجاوز 18 بالمائة من فلسطين التاريخية، ويحاول شارون حاليا في مقايضة أصحاب الأرض بغزة مفصولة عن الضفة، مع اعتبار أن القدس قد حسمت نهائيا من طرف واحد.
شراكة لا مفر منها
لم يعد خافيا على أحد الضعف الشديد الذي تعاني منه أجهزة السلطة الفلسطينية التي باتت غير قادرة على الحد من قوة الضربات التي يوجهها يوميا جيش الاحتلال، كما أن أداءها السياسي والدبلوماسي تراجع كثيرا، بسبب تأخر الإصلاحات وعدم توفر إرادة قوية لمواجهة الفساد وترهل الكوادر وعدم توفر عقلية وآليات العمل المؤسساتي.
في المقابل، أصيب النشاط الأهلي الفلسطيني بعدة نكسات خطيرة، وذلك خلال المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاقية أوسلو حين توهمت السلطة بأنها انتقلت فعلا إلى مرحلة قيام الدولة. فخلال عشرية التسعينيات عملت السلطة على السيطرة على المجتمع الأهلي وإخضاع المنظمات غير الحكومية لنفوذها. لكن بعد انقلاب الإسرائيليين على تعهداتهم السابقة، وشل المؤسسات الرسمية وتصاعد حدة القمع، اعترفت القيادة السياسية بأهمية دور المجتمع الأهلي الذي بقي يواصل توفير جانب هام من الخدمات الأساسية للمواطنين في أحلك الظروف.
فالسلطة الفلسطينية أصبحت تتحدث الآن عن ضرورة قيام شراكة بينها وبين القطاع الخاص والمجتمع المدني في مجال التنمية. كما عادت لتؤكد من جديد بأنه لا مستقبل للفلسطينيين إلا بوضع استراتيجية عملية لربط الاقتصاد الفلسطيني بالدول العربية، بدءا بتلك المجاورة لفلسطين، وصولا إلى دول شمال إفريقيا التي يمكن أن تلعب دورا في إيصال البضائع الفلسطينية إلى الأسواق الأوربية.
باختصار: الفلسطينيون مهددون في وجودهم كشعب. صحيح هم صامدون ببسالة في مرحلة يتراجع العرب فيها بسرعة قياسية. لكن السؤال المطروح حاليا: إلى أي حد يقدر الفلسطينيون على الاستمرار في صمودهم؟. لهذا قال سليم الحص رئيس الحكومة اللبنانية سابقا “لا صمود بدون دعم”.
صلاح الدين الجورشي – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.