هل ينتظر العرب أن ترسم أمريكا مستقبلهم؟
ما هو المطلوب لبناء مستقبل عربي في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جامدة ومتخلّـفة؟
هذا واحد من بين أسئلة عديدة تتردّد هذه الأيام بشدّة في العواصم العربية طرحته سويس انفو على عدد من المثقفين العرب الأمريكيين.
ما هو المطلوب لبناء مستقبل عربي أفضل يتجاوز تحديات الخارج ومشاريع القوى الأجنبية لرسم خريطة المنطقة ليسمو فوق حالة الجمود السياسي القائم في الوطن العربي منذ عقود؟ وكيف تنشُـط حركة المعارضة العربية لتخرج من ضعفها وعجزها دون أن تلجأ للعنف أو الانقلابات؟
طرحت سويس إنفو السؤال على أربعة من المثقفين العرب الأمريكيين، وكان أول من حاول الإجابة على ذلك التساؤل الدكتور لؤي صافي، الأستاذ بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في ولاية فيرجينيا فقال، إنه وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نشخص الوضع في العالم العربي، وهو وضع ينطوي على عدد من المعوقات السياسية والاجتماعية والثقافية، التي تحُـول دون النهوض الحضاري، ولخّـصها فيما يلي:
1- تضخم دور الدولة وغياب الدور الأساسي لمؤسسات المجتمع المدني والتي تتعرض لقيود تعوق حركتها في تطوير الممارسة الديمقراطية بسبب إحكام قبضة الأنظمة السياسية على تلك المؤسسات من خلال مرحلتين، سيطرة العسكريين أو الأسر الحاكمة على مقاليد البلاد بعد الخلاص من مرحلة الاستعمار، ثم تنامي نفوذ المؤسسات الأمنية بشكل تضخمت معه أجهزة الدولة وتوارت مؤسسات المجتمع المدني وانحسر دور النقابات والجمعيات الأهلية، إما بسبب القيود التنظيمية أو التدخل الحكومي في انتخاباتها وتوجّـهاتها.
2- ضعف الالتزام باحترام القانون في كل المجتمعات العربية بشكل عام، والافتقار إلى سيادة القانون، وتساوي كل المواطنين حكاما ومحكومين أمام القانون، مما جعل معظم الناس يعيشون ثقافة تولد أجيالا عربية لا تحترم القانون وتنظر إليه على أنه تنظيم لردع الأقلية غير المنضبطة، وليس نظاما لضبط المجتمع وتوفير أساس لضوابط الحريات والواجبات وتحديد المسؤوليات.
3- ثنائية التوجهات الفكرية بين ما هو إسلامي وما هو علماني بشكل استغلته بعض الأنظمة السياسية العربية في فرض إرادتها على المجتمع بأسره بحجة حماية كل جانب من الجانب الآخر، وهي أزمة حديثة في التاريخ العربي والإسلامي، حيث لم تكن الدولة تاريخيا في المجتمعات الإسلامية نظاما دينيا، ولم يكن الحاكم يحكم باسم الإله. كما تُـوفّـر لغير المسلمين فرصة التشريع لأنفسهم، وعندما تخلصت الدول العربية من مرحلة الاستعمار لجأت معظمها إلى تطوير مؤسسات وقوانين مركزية سرعان ما جعلت الدولة تتدخل في كل شؤون المجتمع على حساب التعددية وباستغلال الخلافات بين ما هو إسلامي وما هو علماني.
وخلص الدكتور لؤي صافي إلى أن الطريق إلى بناء مستقبل عربي أفضل يمر من خلال تعديل صلاحيات الدولة المركزية العربية لتتكفّـل بالمهام السيادية، مثل الأمن والدفاع وتنفيذ القانون والسياسة الخارجية على أن تترك لمنظمات المجتمع المدني الحرية في بناء الممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية، وكذلك إحياء مؤسسة الوقف الإسلامي لتنمية ثروات المجتمع من خلال صناديق ومؤسسات لحل المشكلات الاجتماعية والتثقيفية وتقديم الخدمات إلى المجتمع.
وأعرب الدكتور لؤي صافي عن اعتقاده بأنه بوسع النخبة العربية المثقفة في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة، المساهمة في تطوير نموذج مستقبلي للعالم العربي يستند إلى المزج بين إيجابيات الماضي وتجارب التطور الغربية الملائمة للتطبيق والتطوير في المجتمعات العربية
“إعادة صياغة الإنسان العربي بعيدا عن الغلـوّ”
أما الكاتب السياسي اليمني، الأستاذ قاسم الوزير فقال، إنه يجب للوصول إلى مستقبل عربي أفضل أن نتخلص من الانقسام الذي يصاحب التفكير عند الحديث عن المستقبل، وهما إما إنكار المرض والإصرار على أننا بخير وعافية ونغوص في الاستنجاد بالتاريخ وبإنجازات الماضي في ظل الحضارة الإسلامية، ونبتعد عن تحديد وفهم المشكلة التي يعاني منها العالم العربي، أو اليأس والقنوط من واقعنا، والدعوة إلى استيراد كامل لتجارب الآخرين باعتبار أن كل تجاربنا كانت سلبية. واقترح المفكر اليمني الكبير ثلاثة محاور للتحرك نحو آفاق مستقبل عربي أفضل:
أولا، عقيدة صحيحة وراسخة ترتب المفاهيم والقيم.
ثانيا، علم يقدم الوسائل المطلوبة للنهضة العربية يزدهر في مناخ من حرية البحث العلمي وتوافر إمكانياته بلا حدود.
ثالثا، بناء قاعدة إنتاجية تلبي الحاجات وتقوى على المنافسة في عالم تسوده العولمة وفتح التجارة بلا قيود.
ولتحقيق الشروط اللازمة للتحرك على تلك المحاور، قال الأستاذ قاسم الوزير، إنه يجب أن يتوفر الإنسان العربي الواعي والقادر الذي يمكنه التنفيذ، ولا يتوفر مثل ذلك الإنسان إلا في وسط ثقافي محدد المعالم. لذلك، يجب إعادة صياغة الإنسان العربي بعيدا عن الغلو في استرجاع التاريخ أو تقليد الآخرين.
وأوضح المفكر اليمني أن انعدام الحرية وتقييدها هي المشكلة الأساسية التي تحول دون إعادة تركيب البناء النفسي للإنسان العربي ليخوض تجربة النهضة التي تجمع المسلم والمسيحي والعلماني في مناخ من الحرية السياسية، ويتم تداول السلطة بشكل سلمي ومن خلال الممارسة الديمقراطية، وتتم عملية عادلة لتوزيع الثروة القومية، بحيث لا يفقد المواطن انتماءه ويعمل الجميع لينعم الجميع.
من المهانة إلى الاستكانة
وركزت الدكتورة عزيزة الهبري، أستاذة القانون بجامعة ريتشموند ورئيسة مؤسسة “كرامة” لحقوق المرأة في الولايات المتحدة في إجابتها على السؤال الخاص بكيفية صياغة مستقبل أفضل للعالم العربي على سبب التخلف في العالم العربي، ونسبت سبب ما يشهده العالم العربي من تخلف، إلى انتقال الإنسان العربي من مهانة التعامل مع المستعمر الأجنبي إلى استكانة المواطن العربي لممارسات الحكم الفردي توخيا للسلامة، مما انطوى على الكثير من النقائص في الشخصية العربية من حيث القيم والأخلاق واتباع منظومة من القيم الانهزامية، فاختفت الأمانة والصدق والإخلاص وحل محلها النفاق وممالأة ذوي النفوذ والسلطان والانتهازية لتحقيق المصلحة الشخصية بأي ثمن.
وعلى صعيد الأمة الإسلامية، تم تمزيق أوصالها بعد انهيار الدولة العثمانية إلى أقطار ودويلات سرعان ما أصبح لكل منها استراتيجياتها وبرامجها الخاصة بها، مما جعلها تتصارع وتصبح فريسة للتدخل الخارجي، وأصبح مواطنوها عرضة للتبني من الغرب خصوصا ومن الخارج عموما.
وخلصت الدكتورة عزيزة الهبري إلى أن نقطة الانطلاق نحو مستقبل عربي أفضل يجب أن تمر باستعادة المواطن والمجتمع العربي لحرياته والتخلص من ظاهرة استبداد الحاكم الفرد أو الأسر الحاكمة التي تساوت في الانفراد بالسلطة، سواء أكانت إمارات أو ملكيات أو حتى أنظمة جمهورية، وكذلك إطلاق حرية الفكر والاجتهاد والتوزيع العادل للثروات القومية، والجمع بين الإيجابي من تراثنا التاريخي ومن خلاصة تجارب الماضي وبين الاستفادة من تجارب الآخرين.
دور المثقّـفـين
ونبه المفكر العراقي، الدكتور جمال برزنجي إلى أن الأمة التي لا يفكر لها أبناؤها، تفتح الباب ليفكر لها الأجانب وتنفتح أمام التدخل الأجنبي. ولذلك، فإن العبء الأكبر في تحقيق مستقبل عربي أفضل يقع على المثقفين العرب في الداخل والخارج ومن مختلف الفصائل وعبر عدة محاور:
أولا، حل أزمة تقبل الآخر في الداخل العربي، سواء كان إسلاميا، قوميا، عرقيا، طائفيا أو دينيا ضمن خطة واضحة المعالم والأهداف.
ثانيا، الحوار مع الآخر في الخارج لعلاج مشكلة فشل المثقفين العرب في تفهم المثقف الروسي والياباني والغربي مما أفقده احترام العالم الخارجي.
ثالثا، تفهم أسباب فشل حركات الإصلاح في القرن الماضي رغم عبقرية وتضحيات جمال الدين الأفغاني، وحسن البنا، ومحمد عبده وغيرهم.
رابعا، دراسة ظاهرة تمكن التخلف من الفرد العربي والمسلم، وهي ظاهرة درسها الغرب بشكل أفضل منا.
خامسا، الطرح الصريح لمشكلة التطرف الإسلامي وانغلاق بعض المجتمعات العربية، مما فتح أبواب التدخل الغربي لتغيير المناهج في الدول العربية، خاصة دول الخليج باعتبارها متشددة إسلاميا.
سادسا، منح حوار الحضارات البعد الكافي لضمان احترام الغرب لخصوصية العالم العربي والحضارة الإسلامية على أن يتم التعامل بندية عند تلاقي الطرح العربي وخصوصياته بالطرح الغربي الذي يجب ألا يتصور احتكاره المطلق للحق والحقيقة.
واشنطن ستفرض التّـغيير!
وأجمع المثقفون العرب الأمريكيون الأربعة على أنه إذا لم يتحرك العالم العربي ويخطو بسرعة نحو التغيير المطلوب للخروج من حالة الجمود السياسي والتخلف الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتكنولوجي، فستفرض واشنطن التغيير على الدول العربية دولة بعد دولة بعد أن ساد الاعتقاد في الولايات المتحدة بعد هجمات 11سبتمبر الإرهابية بأن التخلف الاقتصادي والانغلاق في المجتمعات العربية ينطوي على خطر استراتيجي يهدد الأمن الأمريكي من خلال تفريخ جيل من الإرهابيين الذين تمكّـن بعضهم من شن هجمات على الأرض الأمريكية.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.