هل ينجح أبو علاء فيما أخفق فيه أبو مازن؟
يُـعاود الفلسطينيون، وللمرة الثانية خلال أشهر، الانشغال بتعيين رئيس وزراء جديد وحكومة هي الثامنة في تسع سنوات.
لكن عمر هذه السلطة التنفيذية واحتمالات نجاحها وقدرتها على التغيير، يظل رهنا بعوامل لا تطيقها قدرة الفلسطينيين على الاحتمال والاستمرار
لعل في تجربة حكومة محمود عباس المستقيلة، والتي لم تُـعمّـر أكثر من أربعة اشهر، ما يكفي للدلالة على أن انتزاع الألغام المُـنتشرة في درب المؤسسة الفلسطينية الرسمية، لم يعُـد حكرا على قرار داخلي، بل إنه قد دخل مرحلة حرجة تدفع بأولي الأمر المحليين إلى اتخاذ كل الاحتياطات الواجبة لتجنب أي تداعيات من شأنها أن تصُـبّ في إضعاف القيادة الفلسطينية الآخذة في الوهن شيئا فشيئا.
ويشير المراقبون والمسؤولون أن شعور الوحدة والقوة الذي تـرافق مع حملة الالتفاف الشعبي والتأييد للرئيس ياسر عرفات ضد محاولات إسرائيل لطرده وعزله، سرعان ما سيخبو ويضمحل ليكشف عن حقيقة الواقع الفلسطيني الصعب الغارق تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي تشكيل حكومة رئيس الوزراء المكلف أحمد قريع (أبو علاء) من أسباب وتفاصيل وتداعيات ما يُـشير إلى أن مجرد الخروج بحكومة وحدة وطنية عريضة، لا يعني بالضرورة تفادي أزمة أخرى قادمة، إن لم يكن تأجيجها.
وفي هذا إشارة إلى أن معايير نجاح الحكومات الفلسطينية لا تنحصر في قُـدرة المؤسسة على طرح برامج اقتصادية واجتماعية وإصلاحية وتنفيذها، بل فيما يمكن أن “تحققه” تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية والأجنبية الرامية إلى الإطاحة بقيادة عرفات.
مُـفـارقــات
في المقابل، ليس من السهل أيضا التغاضي عن حنكة شخص ولاعب سياسي ماهر من عيار أحمد قريع (أبو علاء)، صاحب الخبرة الطويلة في السياسة الفلسطينية التي لم تخلُ في يوم من الأيام على مَـرِّ العقود الأربعة الماضية من حالة أزمة، بل أن تجربة زميله ورفيق دربه محمود عباس، ما تزال حية ماثلة للعيان والتأمل، خصوصا وأن القشة التي قصمت ظهر البعير في أزمة الحكومة المستقيلة، تمثّـلت في وصول علاقة عباس بالرئيس إلى درجة لم يعودا فيها قادرين على التعايُـش.
فمن المُـفارقات أن يكون قريع، الذي طالما توسّـط محاولا تسوية الأمور بين عباس وعرفات، أول المُـعلنين عن أن رئيسه ورئيس الوزراء “يكرهان بعضهما ولم يعودا قادرين على العمل معا”.
ومن المفارقات أيضا أن يُـصبح قريع رئيس الوزراء المكلف، وهو الذي يعلم جيدا أن مقتل أي رئيس وزراء جديد يكمُـن من جهة، في منافسته لرئيسه على الحكم والقيادة، وفي رفضه الخضوع لأي ضغوط إسرائيلية وأجنبية تُـؤدّي غالبا إلى إضعاف سلطة الرئيس والقيادة وعزلهما، من جهة أخرى.
وهنا يكمُـن التناقض. ففي حين يتوجّـب على أي حكومة فلسطينية جديدة أن لا تأتمر بأوامر عرفات وفقا للشروط الإسرائيلية الأمريكية، فإن عليها – ومن أجل الاستمرار والبقاء – أن تنأى بنفسها عن كل ما يُـمكن أن يَـضعها تحت الشُّبهات وفق مقاييس عرفات.
وعلى هذا المحور، سيضطر رئيس الوزراء المكلَّـف، أن يُـجيِّـر كل ما يملك من براعة وحنكة وفنون سياسة وقيادة، لعبور هذا المدى الطويل من الرمال المتحركة التي تتربّـص به في كل آن وحين.
“فتح” مرة أخرى في الميزان
واستنادا إلى معلومات ومصادر متطابقة، فإن أبو علاء فضَّـل اللّـجوء إلى حكومة طوارئ أو حكومة أزمة من ثمانية أعضاء، وهو اقتراح حمله سلام فياض وزير المالية من كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية إثر استقالة حكومة عباس .
وحكومة الطوارئ هذه من شأنها أن تُـجنِّـب قريع، العارف بتفاصيل الأمور والمطّـلع على مُـجرياتها، متاعب الرجوع إلى مرجعيات المؤسسة الفلسطينية المختلفة، وإطلاق يده بحرية ليعمل دون ضغوط داخلية على الأقل، خصوصا وأن معظم أعضاء الحكومة سيكونون من حركة فتح.
لكن حركة فتح ممثلة بلجنتها المركزية، ومعها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وشخصيات وطنية، وجدت في اقتراح حكومة الطوارئ ما يُـمكن أن يفتح الباب على تداعيات سلبية لن تُـؤدّي إلا إلى تصدع الجبهة الداخلية، فرفضته وردّته.
ولتجاوز الأمر، انطلق قريع نحو تشكيل حكومة عريضة، تكون حركة فتح بكافة تياراتها ومراكز النفوذ لديها ممثلة فيها، ولذلك، توجه إلى جميع مؤسسات الحركة التي لا زالت تقودها منذ نحو أربعة عقود، مستميلا تأييدها ومُـتجنِّـبا غضبها وتناقضاتها.
ولم يقف أبو علاء عند حدود حركة فتح، إذ راح يحاور الفصائل الوطنية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، ومختلف الأحزاب والمنظمات المدنية، والشخصيات الوطنية، ليضمن أكبر قدر من الإجماع الوطن حول حكومته..
غير أن هذا ما فعله تماما سلفه محمود عباس الذي ظل يُـحاور ويستمع على مدى 5 أسابيع قبل أن يُـشكّـل أول حكومة يقف على رأسها زعيم آخر غير الرئيس عرفات. لكن مشاورات محمود عباس وقدرته على الاستماع لم تصمد طويلا لتتيح تحقيق هدنة فلسطينية في ظل بقاء الحركات الإسلامية خارج الإطار السياسي الفلسطيني، كما أنها لم تصمد أمام استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الخطيرة.
قد يكون قريع لاعبا سياسيا ماهرا ومحنكا وحائزا على إجماع وطني كبير، وقادرا على العمل مع الرئيس عرفات ومع اللجنة المركزية لحركة فتح، اللذان ظلا يختصمان مع زميله وزميلهما عباس، لكن “الساكن” في باطن الأرض المقدسة، يظل أقوى وأشرس من أية قدرات ومهارات.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.