هل يواجه بوش “ووتر غيت” جديدة؟
"ثقافة الفساد"، أحدث تهمة يوجّهها الديمقراطيون للحزب الجمهوري ورئيسه جورج بوش في ضوء سلسلة من الفضائح تورط فيها زعماء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب.
هذه الإتهامات ألقت بظلالها على ما رآه الرأي العام الأمريكي فشلا في العراق، وتقصيرا جسيما في مواجهة إعصار كاترينا.
فيما يحاول الرئيس بوش جاهدا استعادة ثقة الرأي العام الأمريكي في قدرته على القيادة، وفيما تعدّدت زياراته لمناطق الكوارث الطبيعية، بعد اتهامه وحكومته بالفشل في الاستجابة السريعة لمعاناة ضحايا إعصار كاترينا، وهو ما أدّى إلى تدني شعبيته إلى أدنى مستوى لها منذ توليه منصبه، تعاقب الكشف عن سلسلة من الفضائح والمخالفات القانونية التي تورط فيها زعماء جمهوريون في الكونغرس بمجلسيه، ويكاد تحقيق في فضيحة سياسية أخرى يعصف بأقرب مستشاري الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، مما يعيد إلى الأذهان عنوان الفيلم الشهير”كل رجال الرئيس”.
بطبيعة الحال، انتهز الديمقراطيون الفرصة وشدّدوا من هجماتهم وانتقاداتهم للحزب الجمهوري، فخرجت المتحدثة باسم السناتور هاري ريد، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي بتصريح قالت فيه: “ما بين الصلف وتوجيه اتهامات قضائية للجمهوريين وبين ثقافة الفساد، أظهر الجمهوريون أنهم يفتقرون إلى إستراتيجية أو خطة للعمل.”
ثلاثة محاور للفساد
ويجمع المحللون السياسيون في واشنطن على أن مخالفات قانونية ارتكبها زعيما الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، ومحاولة التستر على تورط مستشاري الرئيس بوش ونائبه تشيني في قضية تسريب اسم عميلة للمخابرات الأمريكية للصحافة انتقاما من زوجها الذي شكك في صحة مزاعم البيت الأبيض حول شراء العراق لمواد مشعة من النيجر، بالإضافة إلى الإخفاق في التعامل مع إعصار كاترينا، وفوز شركات هالي بيرتون التي كان يعمل فيها نائب الرئيس، بعقود لإعادة إعمار نيو أورليانز، تشكل المحاور الرئيسية الثلاثة للفضائح التي يصفها بعض المحللين بأنها قد تكون “ووتر غيت الثانية”، وأنه لو كانت انتخابات التجديد لأعضاء الكونغرس ستجرى في نوفمبر القادم وليس في نوفمبر عام 2006، لكانت نتيجتها فقدان الجمهوريين لأغلبيتهم في مجلس الشيوخ على الأقل، إن لم يكن في المجلسين، كما أقر بذلك فرانك لونتز الذي ساهم في إعداد صيغة العقد الاجتماعي الجمهوري مع الشعب الأمريكي عام 1994.
فقد وجّـهت هيئة محلفين كبرى في ولاية تكساس اتهاما قضائيا للنائب الجمهوري توم ديلي، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ بالتلاعب في أموال تم جمعها من شركات أمريكية، وإعادة توزيعها على مرشحين جمهوريين لترجيح كفة الجمهوريين في الكونغرس مخالفا بذلك قوانين الانتخابات الأمريكية، مما اضطره إلى التنحي عن زعامته للمجلس.
وكان نفس النائب قد تلقى التوبيخ ثلاث مرات في الماضي من لجنة الأخلاقيات بالكونغرس بإجماع أعضائها من الحزبين لتورطه في ممارسات تتعارض مع السلوك القويم لممثلي الشعب في الكونغرس.
وكانت المخالفة الثانية من نصيب السناتور بيل فريست، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والذي كان الجمهوريون يعدونه لخوض معركة الرئاسة عام 2008، حيث تجري وزارة العدل الأمريكية تحقيقا فيما إذا كان قد تورط في طرح نصيبه من الأسهم في شركة للمستشفيات الطبية بعد أن نبهه أحد العاملين في الشركة أن الأسهم ستتعرض لهبوط في السعر، وحقق بذلك أرباحا وصلت إلى 112 مليون دولار، مخالفا بذلك قوانين تحُـول دون الاطلاع سرا على مصير الأسهم.
أما المحور الثاني في سلسلة فضائح الجمهوريين، فقد كشف النقاب عن تورط كارل روف، أقرب مستشاري الرئيس بوش، ولويس ليفي، رئيس ديوان نائب الرئيس ديك تشيني في تسريب اسم فاليري بالمي كعميلة للمخابرات الأمريكية إلى الصحفيين انتقاما من زوجها السفير السابق جوزيف ويلسون، الذي فضح قبل الحرب على العراق كذب إدعاء إدارة الرئيس بوش بأن العراق حصل من النيجر على مواد مشعّـة لتطوير أسلحة نووية، وكان ذلك التسريب كفيلا بالقضاء على مستقبلها كعميلة سرية للمخابرات الأمريكية.
وبالكشف عن اسمي كارل روف، ولويس ليفي يقع البيت الأبيض في مأزق جديد، إذ أن الرئيس بوش كان قد تعهّـد بفصل أي مسؤول يثبت تورطه في الكشف عن عميلة المخابرات، وهو أمر مخالف للقانون الأمريكي.
ولعل المحور الثالث في سلسلة الفضائح التي تواجه الجمهوريين وزعيمهم في البيت الأبيض، هي الإخفاق في تقديم المساعدات العاجلة وخدمات الإغاثة السريعة لضحايا إعصار كاترينا، والفشل في التخطيط لتلافي تعرض مدينة نيو أورليانز للفيضان، وهو فشل سيكلف دافعي الضرائب الأمريكيين قرابة مائتي ألف مليون دولار، بالإضافة إلى منح شركات وثيقة الصلة بالزعماء الجمهوريين عقودا بآلاف الملايين من الدولارات بدون منافسة، وكان من بينها بطبيعة الحال شركة هالي بيرتون، التي كان يرأسها في السابق ديك تشيني نائب الرئيس.
العراق أكبر التحديات
لقد نصح مساعدو الرئيس بوش بالتركيز في الأيام القادمة على جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في ولايات الجنوب التي ضربتها الأعاصير، ورفع معنويات الشعب الأمريكي إزاء الوضع في العراق، وهو ما سيركز عليه الرئيس بوش في خطاب هام يوجهه يوم الخميس القادم. بالإضافة إلى تهدئة روع الأمريكيين إزاء الارتفاع غير المسبوق في أسعار البنزين.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد اعترف الجنرال جورج كيسي، قائد القوات الأمريكية في العراق في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، بأن كل ما أنجزته القوات الأمريكية في إعداد القوات العراقية لتولّـي مهمة الحفاظ على الأمن دون مساعدة من القوات الأمريكية لم يتعدَّ تدريب كتيبة عراقية واحدة جاهزة حاليا لتولي تلك المهمة، ويبلغ عدد أفرادها سبعمائة وخمسين جنديا! بينما تبقى أكثر من ثلاثين كتيبة من القوات العراقية التي تم تدريبها، بحاجة إلى مساندة من القوات الأمريكية، فيما لم يكتمل تدريب أكثر من ثلاثين كتيبة عراقية أخرى..
وسرعان ما أدرك أعضاء الكونغرس والرأي العام الأمريكي أن القوات الأمريكية ستبقى متورطة في المستنقع العراقي لسنوات قادمة، خاصة وأن الجنرال كيسي أقر كذلك بأنه لو لم يوافق الشعب العراقي على الدستور في الاستفتاء في منتصف الشهر الحالي، ستتدهور الأوضاع الأمنية بسرعة في العراق.
وفي أحدث تصريح للجنرال جون أبي زيد، قائد القيادة المركزية الوسطى، أقر القائد الأمريكي بوجود توتر هائل بين القوي السياسية إزاء الدستور وإزاء الحكومة الجديدة، وقال إنه لسوء الحظ، فإن للعراقيين تاريخا طويلا في تسوية خلافاتهم السياسية بالعنف، وخلافا لما قاله نائب الرئيس ديك تشيني من أن حركة التمرد في العراق تلفظ أنفاسها الأخيرة، قال الجنرال أبي زيد إنه “لا يوجد قائد عسكري داخل العراق قد قال إن حركة التمرد في طريقها إلى الزوال قريبا”، وأقر بأنه “على الرغم من أن عدد قوات المتمردين في العراق لا يزيد على عشرين ألفا، وأن نسبة المقاتلين الأجانب منهم المنتمين لتنظيم القاعدة لا تتجاوز 4 إلى 10% من إجمالي عدد المتمردين، إلا أن هؤلاء الأجانب مؤمنين بمبادئ تنظيم القاعدة ويشكلون القوة الضاربة للهجمات الانتحارية، وتمكنوا من قتل ما يزيد على خمسة آلاف عراقي خلال العام الحالي فقط، ونادرا ما هاجموا هدفا عسكريا له قيمته”.
ونبه الجنرال أبي زيد إلى أن التعاطف الشعبي مع المتمردين يأتي من بعض العراقيين السُـنة في وسط العراق، لذلك، يجب التركيز على أن يكون السُـنة العراقيون جزءا لا يتجزأ من المستقبل السياسي للعراق.
وتظهر أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي أن 68% من الأمريكيين باتوا يعتقدون أن التورط الأمريكي في العراق كان سببا في التأخر في الاستجابة لضحايا إعصار كاترين، وهو ما أيدته دراسة أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية لتقييم مدى استعداد القوات الأمريكية لخوض حربين معا في آن واحد.
ومع تصاعد العنف وتدهور الوضع الأمني في العراق، وارتفاع أرقام الخسائر الأمريكية وشعور المواطن العراقي بأن أوضاعه المعيشية تدهورت بالمقارنة بما كانت عليه قبل شن الحرب، فإن كل التطورات في العراق لا تنبئ بقرب إمكان انتهاء التورط الأمريكي في المستنقع العراقي.
ويشعر المحللون السياسيون في واشنطن بالدهشة لإصرار الرئيس بوش على التركيز في خطابه للشعب الأمريكي على ما يصفه البيت الأبيض بالتقدم الذي تم إحرازه في العراق، ليستعيد ثقة الأمريكيين في سياسته الخاصة بالعراق، والتي كلفت دافع الضريبة الأمريكي ما يقرب من ثلاثمائة ألف مليون دولار.
من يدفع الثمن السياسي؟
تأتي هذه الفضائح ومظاهر الفشل للحزب الجمهوري وزعاماته في الكونغرس والبيت الأبيض في الذكرى الحادية عشرة، لِـما أسماه الجمهوريون في أكتوبر 1994 العقد الاجتماعي الجديد لأمريكا، الذي تعهدوا فيه بتنظيف واشنطن من الفساد السياسي وتقليص الإنفاق الحكومي، والحيلولة دون رهن مستقبل الأجيال القادمة بالعجز والاستدانة.
ويركز الديمقراطيون بقوة على حقيقة أن الرئيس بوش تسلّـم السلطة قبل خمسة أعوام، ومعها فائض في الميزانية الأمريكية، ووصل بالعجز في الميزانية إلى ثلاثة آلاف مليون دولار في غضون خمسة أعوام، فيما تورط كثيرون من أعضاء حزبه ومستشاريه في مخالفات قانونية ومالية، يصفها الديمقراطيون بثقافة الفساد التي سرت في أوساط الحزب الجمهوري.
يرى خبراء شؤون الرئاسة الأمريكية أنه، نظرا لأن انتخابات التجديد للكونغرس ستجرى في نوفمبر 2006، فإن الحزب الجمهوري لن يخسر الأغلبية التي يحتفظ بها حاليا لمدة عام واحد على الأقل، أما الرئيس بوش فهو أول من سيدفع ثمن هذه الفضائح، حيث تظهر أحدث استطلاعات الرأي العام ارتفاعا طفيفا في شعبية الرئيس بوش من 38% قبل ثلاثة أسابيع بسبب الفشل في الاستجابة لإعصار كاترينا إلى 40% بعد أن أظهر قدرته على القيادة في مواجهة إعصار ريتا، والإسراع بخطى عمليات الإغاثة من مخلفات كاترينا وتخلصه من رئيس وكالة إدارة الطوارئ، واعتماده على القوات المسلحة، وكذلك تعدد زياراته لمواقع أعمال الإغاثة.
ولكن خبراء استطلاعات الرأي العام يرون أن زيادة بنسبة 2% ليست ذات مغزى، حيث تقع في حدود الخطأ في قياس الرأي العام وهي 4%، كما أنه لو ساءت الأحوال في العراق، ومنيت صيغة الدستور بهزيمة في الاستفتاء، وزادت أعمال العنف، فيما استمرت أسعار البنزين في الارتفاع، ولو انتهت التحقيقات في فضائح توم ديلي، وبيل فريست، وكارل روف، ولويس ليبي بإدانتهم، فإن الرئيس سيدفع الثمن فيما تبقّـى من فترته الرئاسية، حيث ستواصل نسبة الموافقة الشعبية على أدائه في الانخفاض، فيما قد يمنى حزبه بخسارة للأغلبية التي يتمتع بها حاليا في مجلسي الكونغرس، وذلك عندما يعبر الأمريكيون عن عدم ثقتهم بالجمهوريين في انتخابات التجديد للكونغرس العام القادم.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.