همسٌ بتأجيل الانتخابات التشريعية المغربية
لا أحدَ في المغرب يتحدث بصوت مرتفع عن تأجيل الانتخابات التشريعية القادمة، لكن الكلام عن التأجيل لا يغيب عن الصالونات السياسية، وكأنه آتٍ بالتأكيد.
الانتخابات القادمة هي الأولى التي تجري تحت إشراف حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي وفي عهد الملك محمد السادس الذي أعلن في يوليو الماضي عن سبتمبر القادم موعدا لها. وشكل الإعلانُ قفزة في التعاطي المغربي مع الملف الانتخابي، واشارة إلى أن النزاهة والشفافية ستكون سماتها.
فالانتخابات في مغرب ما بعد الاستقلال كانت في محل شك حتى الإعلان الرسمي عن موعدها، الذي كان يأتي قبل خمسة واربعين يوما فقط من الموعد، بل لم تجر انتخابات مغربية في موعدها الدستوري منذ الانتخابات التشريعية الأولى 1963 حتى الآن. كانت المواعيد تؤجل لاسباب تتعلق بملفات مرتبطة بوضع إقليمي أو أزمة داخلية. والدورة الانتخابية الأخيرة لعام 1997 كانت سابقة لأوانها تمهيدا لمرحلة التناوب الذي يطبع الحياة السياسية المغربية حاليا.
والانتخابات ليست فقط أوراقا تُلقى في صناديق الاقتراع، فالضوابط والإجراءات المُهيأة لها ولضمان نزاهتها وشفافيتها كانت من نقاط الصراع السياسي، أحيانا الحاد بين السلطة وأحزاب المعارضة التي تشكل الحكومة الحالية، وهذه الضوابط والإجراءات (مدونة الانتخابات) كانت إحدى الأهداف التي سطرتها الحكومة في برنامجها منذ تأسيسها عام 1998 لكنها لم تنجز إلى اليوم.
الاسلاميون لا يثقون بنزاهة الانتخابات المقبلة
وفي مغرب محمد السادس إجماع على نزاهة الانتخابات، حتى يتخلص من وصمة التزوير التي طبعت انتخاباته السابقة، وهذه النزاهة قد تدفع إلى فوز التيارات والقوى الإسلامية التي ليس من المُستحب وليس من المحتمل مغربيا وإقليميا ودوليا في هذه المرحلة فوزها بل حتى وجودها البارز.
التأخير في إعداد مُدونة الانتخابات المكلفة به وزارة الداخلية، يتخذ كمؤشر على أن السلطة تسعى لتأجيل الانتخابات لتلافي فوز الإسلاميين، من خلال وضع الأحزاب السياسية أمام خيارين، انتخابات متفق على نتائجها أو التأجيل. ولأن “الاتفاق” على النتائج سيبقي المغرب في دائرة التزوير وسيفقد الأحزاب السياسية مصداقية هي بأمس الحاجة إليها، فإن خيار التأجيل، لفترة محدودة ولاسباب اضطرارية ( قضية الصحراء الغربية) يكون اكثر قبولا.
هذا الرأي الذي يشجع على التعاطي مع ” تأجيل” الانتخابات يواجه برأي مضاد يتبنى رفض الخوف أو التخويف من ” فوز” التيارات الإسلامية بأغلبية أو حتى بثقل برلماني لان هذه التيارات لا تتمتع بالدعم الشعبي الذي يمنحها فوزا كاسحا، ولان جماعة العدل والاحسان (القوة السلامية الأولى) أعلنت مقاطعتها للانتخابات وتقول “إن هذه الانتخابات ستكون مزورة على غرار سابقاتها”.
صحف مستقلة تتحدث بلسان دعاة التأجيل الصامتون
الأحزاب السياسية الأساسية ترفض التأجيل، من موقع ثقتها بأن مكانتها لا زالت تمنحها أغلبية برلمانية، رغم ما يردده منافسوها من فقدانها للكثير من هذه المكانة. وتقول إن التأجيل سيظهر عدم استقرار البلاد وعدم ثقة السلطة الأولى في البلاد بنفسها وسيمنح الفرصة “لخصوم الديمقراطية” لتثبيت مواقعهم في الدولة على حساب مستقبل البلاد المرهون بديمقراطية ومؤسسات منتخبة وذات مصداقية تشكل حافزا مشجعا للاستثمارات المحلية والأجنبية.
رسميا، لا أحد يتحدث عن التأجيل والجميع يؤكد أن الانتخابات ستجري في موعدها وان مشروع مدونة الانتخابات في طوره النهائي وما يتضمنه من نقاط خلاف حول طريقة الاقتراع “اللائحة أو التصويت الفردي” سيتم التوافق عليه خلال الأسابيع القادمة، وستقدم وزارة الداخلية مشروعها للحكومة الذي ستقره في مجلس وزاري ليصادق عليه البرلمان في دورة تشريعية استثنائية قد تعقد في مارس آذار القادم.
المؤيدون لإجراء الانتخابات في موعدها يمارسون ضغطهم من خلال التأكيد على ما أورده الملك محمد السادس في أحاديثه وخطاباته. ودُعاةُ التأجيل صامتون وتتحدث بلسانهم صحف مستقلة وما يُشاع عن علاقة هذه الصحف بمراجع مؤثرة في القرار المغربي يجعل ما تقوله اكثر من مجرد رأي، قد يكون بالون اختبار كما يقول الزعيم المغربي محمد اليازغي نائب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحزب الرئيسي في الحكومة، وقد يكون أيضا تَوجُّها يحاول أصحابه تمريره وتعويد الآذان على سماعه حتى يصبح نقاشه طبيعيا وتحقيقه مقبولا.
كل شيء في الانتخابات المغربية ممكن، وباستثناء إعلان الملك محمد السادس عن موعدها، لا شيء حولها حتى الآن مؤكد، والأسابيع القادمة ستحمل معها هذا المؤكد.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.