“هناك رغبة صادقة لتطوير الشراكة بين بلدينا”
أبدى السيد كريستيان فايسلر، سفير سويسرا الجديد بتونس تفاؤلا كبيرا بمستقبل العلاقات الثنائية بين سويسرا وتونس.
كما عبر عن إعجابه بهذا البلد، سواء من حيث جمال الطبيعة أو بالأخص مستوى التطوّر الذي لمسه، رغم أنه لم يمر على استلامه لمهامِّـه سوى أربعة أشهر فقط، لكنه من جهة أخرى، عبّـر عن قلقه تجاه الأحداث الإرهابية، التي هدّدت استقرار منطقة المغرب العربي في الأشهر الأخيرة.
سويس انفو: كيف وجدتم تونس بعد استقبالكم من قِـبل الوزير الأول محمد الغنوشي، وما هي الأولويات التي ستعملون من أجلها؟
السفير كريستان فايسلر: إن أول ما شدّني هو التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يُـميِّـز تونس، وأحيّـي الحكومة على الجهود التي لا تزال تبذلها لتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشيد بما حققه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في مجال تحرير المرأة، وأرى في ذلك إنجازا هاما، واعتبر أن تونس بعد ذلك، دخلت في عهد الرئيس بن علي مرحلة جديدة أكثر تطوّرا على الصعيد الاقتصادي، وهي تتقدم بشكل مطرد.
أما بالنسبة للأولويات، فإنني سأسعى ككل دبلوماسي من أجل إقامة علاقات جيدة بين البلدين، وما سأحرص عليه في هذا المجال، هو تحقيق إنجازات ملموسة
ما شدني منذ البادية، هو أن تونس بلد نامٍ، وبالتالي، فإنه لا يحتاج إلى صِـيغ التعاون التقليدية بقدر ما يحتاج إلى صِـيغٍ أكثر تطوّرا، وبالأخص في مجال تبادل الخِـبرات والتكنولوجيا والمعارف، وهو ما يجعلني أميل إلى العمل على توفير مزيد من الفُـرص للحوار بين مثقفي البلدين، وأيضا بين جميع مستويات الكوادر والفئات الاجتماعية، والاستفادة من تجاربنا وخبراتنا، إذ لا يخفى أن عددا هاما من التونسيين درسوا في سويسرا، وهو ما من شأنه أن يسمح بتعميق الانفتاح المتبادل.
سويس انفو: الاستثمارات السويسرية لا تزال قليلة في العالم العربي عموما، وفي تونس خصوصا مقارنة بأوروبا الشرقية على سبيل المثال، وبصيغة أخرى، لماذا لم تضع سويسرا برنامجا طموحا للاستثمار في بلد مثل تونس الذي يشهد حركية اقتصادية؟
السفير كريستيان فايسلر: إنه من الطبيعي أن تكون العلاقات وثيقة ببعض بلدان أوروبا الوسطى، مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا، بحكم أن هذه الدول أصبحت جزءً لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي.
لقد كنت مؤخّـرا في برن لحضور اجتماع، وعلمت بأن مسؤولا رفيع المستوى في مجال التعاون سيُـؤدي زيارة قريبة إلى تونس. ويتّـضح من خلال المُـعطيات المتوفِّـرة، أن التعاون السويسري – التونسي قد قطع شوطا هاما، لقد وقَّـعنا في عام 2004 على اتفاقية تعاون (Mémorandum de coopération) وكذلك على اتِّـفاقية قرض محدود، وهي تتضمّـن فصلا خاصا بالاستثمار.
كما أن سويسرا تُـواصل دعم الاستثمار، وذلك من خلال صِـيغٍ وآليات عديدة ثنائية ومتعدِّدة الأطراف على الصعيد الإقليمي، ويُـمكن لتونس أن تستفيد من ذلك.
من الضروري أيضا أن نبرز في هذا السياق، أن سويسرا تحتل المرتبة الخامسة بعد فرنسا في مجال الاستثمار في تونس، فهناك حوالي 100 مؤسسة، معظمها ذات رأسمال مشترك، ومن بينها 15 مؤسسة سويسرية، 70% من هذه الشركات تعمل في القطاعات المعملية و30% منها تنشط في قطاع النسيج. ويتبيّـن مما سبق، أن سويسرا شريك أساسي لتونس، مع ذلك، فنحن نعتقد بأنه يجب دعم هذه الشراكة، خاصة في قطاع التجارة.
سويس انفو: سعادة السفير، بعد تعيينكم ومرُور أربعة أشهر على استلامكم لمهامكم، يلاحظ في المقابل، أن السفير التونسي لم يستأنف نشاطه في برن منذ نوفمبر 2005، فهل يفهم من ذلك أن العلاقات بين البلدين لم تُـطبَّـع نهائيا؟
السفير كريستيان فايسلر: منذ وصولي إلى تونس، لمست إرادة صادقة واحتراما لسويسرا ورغبة في تطوير التعاون بين البلدين. وقد تلقيت تطمينات من وزارة الخارجية التونسية، تفيد بأن عدم تعيين سفير في برن، مسألة منفصلة عن المجرى الطبيعي للعلاقات الثنائية. فأنتم تعلمون بأن هناك اعتبارات تتعلّـق بالميزانية جعلت تونس مضطرّة للتقليص من نفقاتها، وما أتمناه أن يقع قريبا، تعيين سفير جديد لتونس لدى سويسرا.
سويس انفو: فيما يتعلّـق بما تقترحه سعادته لتعزيز الشراكة بين سويسرا وتونس، باعتبار هذه الأخيرة تمثل أهم شريك للدولة السويسرية في شمال إفريقيا، أكّـدتم على أنكم ستحرصون على دعم هذه الشراكة من خلال تنمية التعاون الاقتصادي؟
السفير كريستيان فايسلر: لقد وقَّـعنا مع تونس اتِّـفاقا للتبادل الحُـر بتاريخ 17 ديسمبر 2004، والذي دخل حيِّـز التنفيذ في غُـرة يونيو 2005، ونأمل كثيرا في مضاعفة حجم مبادلاتنا التجارة.
من الطبيعي أن تونس في حاجة إلى مزيد من التعاون من ذلك، على سبيل المثال تمويل البُـنى التحتية ودعم الاستثمارات وبعث مؤسسات صغرى ومتوسطة وتطوير التجارة. علينا أن نفكِّـر في شراكة جديدة وتوسيع لدائرة التعاون. وفي هذا السياق، سيزور تونس يوم 6 مايو القادم مسؤول على برنامج المغرب العربي، للتفكير معا حول وسائل دعم هذه الشراكة.
هناك أيضا المجال الثقافي، وهو مجال هام وحيوي، فالفنون والثقافة ليست فقط نشاطات للترفيه والجمالية، ولكنها أيضا وسيلة ناجعة لتحقيق التواصل والفهم المتبادل.
سويس انفو: ترتكز السياسة السويسرية على دعم حقوق الإنسان ودولة القانون. فهل في نيتكم بناء علاقات مفتوحة مع فعاليات المجتمع المدني التونسي؟
السفير كريستيان فايسلر: كدبلوماسيين، لنا علاقات جيدة مع مختلف الشرائح النشطة في المجتمع، وبوضوح، ستكون لنا علاقات مفتوحة ولكن متوازنة مع السلطات ومع المجتمع المدني. وأعتقد بأن إقامة شراكة مع بلد مثل تونس يقتضي فهم هذا البلد والتعرف على أولوياته وظروفه.
فأنا كما ذكرت، معجب بكل ما يُـنجز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كما أننا واعُـون بأهمية المحافظة على استقرار المنطقة، ونعتقد أيضا بأنه من البديهي أن تكون هذه الانجازات مصحوبة بعدد من المبادئ المتعلقة بالحريات الفردية التي يحقق بها الإنسان إنسانيته، وأعتقد بأن السلطات التونسية واعية بذلك”.
سويس انفو: على الصعيد الثقافي، ما هو دور مؤسسة بروهلفيسيا، التي سبق لها أن نظمت نشاطات في تونس، فهل ستواصل اهتمامها بهذا البلد، ولماذا لا تقرر فتح فرع لها في شمال إفريقيا وأن تحتضن تونس مقرها الإقليمي، كما هو الشأن لفرعها الوحيد في القاهرة؟
السفير كريستيان فايسلر: لم يبلغني وجود نِـية في فتح مقر جديد للمنظمة في المغرب العربي، فالوضع في سويسرا في مجال تمويل السياسة الثقافية مختلف عما هو حاصل في فرنسا مثلا أو ألمانيا، فالثقافة من مهام الكانتونات، لكن منظمة بروهلفيسيا تساعدنا على إنجاز الكثير من النشاطات الثقافية خارج سويسرا.
سويس انفو: ما هو رد فعلكم بعد الأحداث العنيفة التي هزّت كلا من الجزائر والمغرب، هل ترون أن منطقة المغرب العربي قد تُـصبح منطقة خطرة تُـهدد المصالح الغربية؟
السفير كريستيان سايفلر: إن ما يشغلني بالدرجة الأولى، ليس المصالح الغربية ولكن مصالح هذه الدول ذاتها. أعترف بأن ما شاهدته في الجزائر وفي المغرب، وكذلك المحاولات التي حصلت في تونس، من شأنه أن يثير القلق، لكن الإيجابي فيما حصل هو ما لاحظته في الجزائر وفي المغرب ولمسته في تونس من أن سكان هذه المنطقة رافضون لهذه الممارسات، ويعتبرونها لا تخدم مصالحهم، فهم يعتقدون بأن مصلحتهم تكمن في تحقيق الرفاه وفي حماية الاستقرار.
وعندي ثقة في أن حكومات المنطقة ستنجح في السيطرة على الأوضاع. لكن، مع ذلك، فالمؤكد أن الحالة جدّية وأن ما يجري أمر مُـحزن وأنه يتم على حساب مصالح الشعوب، ويهدد الاستقرار بما في ذلك علاقاتنا الثنائية.
أجرى الحديث في تونس: صلاح الدين الجورشي
السيد كريستيان فايسلر Christian Faessler من مواليد عام 1946 سبق له أن عُـين عام 1988 وزيرا ومساعدا أول لرئيس البعثة السويسرية في لندن، ثم سفيرا في عام 1993 لدى نيجيريا والبينين والطوغو.
عمل من عام 1995 إلى 1999، سفيرا في سورية، وقبل أن يحل بتونس، كان سفيرا في أوكرانيا وملدوفيا.
تطورت العلاقات بين سويسرا وتونس منذ القرن التاسع عشر في أعقاب التوسع الفرنسي في شمال إفريقيا.
في عام 1939، افتتحت سويسرا قنصلية لها في العاصمة التونسية. في تلك الفترة، كان عدد السويسريين يناهز 400 شخص، معظمهم من الفلاحين والتجار والموظفين وممثلي الكنائس.
ما بين 1939 و1943، مثلت سويسرا المصالح الإيطالية في تونس، وكان القنصل السويسري يضمن حماية الجالية الإيطالية المقيمة في البلاد، التي كان تعدادها يناهز 120 ألف شخص.
إثر حصول تونس على الاستقلال في عام 1956، اعترفت سويسرا على الفور بالدولة الجديدة وافتتحت بعثة، تحولت إلى سفارة في عام 1961. ونظرا لحدوث أعمال عنف في الأشهر التي تلت الاستقلال، غادر جزء من السويسريين المقيمين، الذين وصل تعدادهم إلى 570 شخص، البلاد.
ابتداءً من عام 1957، قدمت الكنفدرالية، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مساعدات لفائدة اللاجئين الجزائريين في تونس، وبعد ذلك، ساهمت سويسرا في تمويل مشاريع متعددة في القطاعين، التربوي والسياحي.
اليوم، تحولت تونس إلى وجهة مفضلة للعديد من السياح السويسريين، كما تطورت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ تنشط العديد من الشركات السويسرية في تونس، وخاصة في قطاع النسيج والملابس والمنتجات الغذائية.
اشتركت سويسرا وتونس في تنظيم أول قمة عالمية لمجتمع المعلومات عامي 2003 (في جنيف) و2005 (في تونس).
في بعض الأحيان، تتأثر العلاقات الثنائية القائمة بين الدولتين بمواقف متباينة في مجال احترام حقوق الإنسان.
(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.