هندسة الطب البيولوجي .. قطاع سويسري واعـد
شهد مقر مركز الإلكترونيات والتقنية الدقيقة بنوشاتيل يومي 13 و14 سبتمبر الجاري انعقاد المؤتمر السنوي للجمعية السويسرية لهندسة الطب البيولوجي، حضره مختصون وخبراء من المجالات الأكاديمية والصحية والصناعية.
وشكّـل المؤتمر مناسبة لعرض وتقييم العلماء والخبراء لنتائج البحوث التي أنجزوها والاختراعات التي ابتكروها، من أجهزة وأدوات طبية، ولاستعراض الآفاق الواعدة التي يبشِّـر بها هذا الميدان الحيوي.
يهدف هذا المؤتمر، الذي تعقده سنويا الجمعية السويسرية لهندسة الطب البيولوجي، وهي جمعية ينضَـوي تحتها عُـلماء ومهندسون وأطبّـاء وآخرون عاملون في المجال، إلى تشجيع التبادل العلمي وتعزيز أواصِـر التعاون بين مُـختلف الفاعلين في المجالين، العلمي والصناعي، في ميدان هندسة الطب الإحيائي.
ويترافق تنظيم هذا المؤتمر هذه السنة مع ظهور مؤشرات حول تنامي أهمية هذا القطاع وتوسّـع إسهامه في المشهد الاقتصادي السويسري وإحساس جميع الأطراف المعنية بضرورة توثيق التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصناعية، كأحد الشروط الأساسية لنهضة هذا القطاع الحيوي.
فمراكز البحث السويسرية تُـعدّ رائدة في ميدان البيوتكنولوجيا، وتجتذب الجامعات والمعاهد المزيد من الخبراء والمختصين ذوي الإشعاع العالمي، ويتزايد كل يوم عدد المختبرات المختصة في جميع مناطق البلاد.
وخصصت الكنفدرالية، التي تدعم بقوة هذه الصناعة، 20 مليار فرنك للتّـكوين والبحوث والابتكار للسنوات الثلاث القادمة (2008- 2011)، منها ملياريْ فرنك لصالح الصندوق السويسري للبحوث العلمية، الذي يمَـوّل سنويا 7000 باحث.
ويهدف هذا الدّعم إلى تطوير الخدمات الطبّـية وتمكين الأجيال الناشِـئة من مؤسسات طبية متقدمة وتحفيز الشركات، إلى تحقيق أرباح. هذه الأرباح التي بلغت سنة 2006 ما قدره 76 مليار فرنك، فضلا عن الكثير من مواطن العمل.
وهذه المؤشرات الإيجابية دفعت بلا شك المؤتمرين إلى التأكيد على ضرورة تشجيع التبادل العلمي والتكنولوجي بين جميع الأطراف المعنية وعلى التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص، والحال، أن العديد من المؤسسات العلمية تتردّد كثيرا في اقتحام مجال الإنتاج التجاري وتفضّل بيع براءة اختراعاتها على خوض غِـمار التصنيع التجاري.
لكن نيكولاس ميرمو، أستاذ البيولوجيا بجامعة لوزان يعتقد أن “هذا التردّد في بعض الأحيان يكون في محلِّـه، وفي مرحلة من المراحل، لابد من الاختيار، ومن الأفضل أن يترك المجال الاستثماري والتجاري للذين يمتلكون الكفاءة في ذلك”. وحول حاجة المؤسستين لبعضهما البعض، يقول: “من ناجية، نحن في حاجة إلى بحوث علمية جادة وعميقة، لأنها أساس الابتكار والاختراع، ولكن لابد أن تكون نتائج البحوث قابلة للتطبيق والاستثمار العملي وأن تتوفّـر الجهات القادرة على ذلك”.
محاور عمل المؤتمر
عُـرض خلال المؤتمر أكثر من عشرين بحثا توزّعت على أربعة محاور. تركّـز الاهتمام في المحور الأول، على طُـرق التعامل مع الإشارات والصور الإشعاعية، سواء على مستوى الإدراك أو التحليل من خلال استخدام تقنيات دقيقة ومعقدة، مثل تقنيات التصوير المقطعي والضابطات الإلكترونية لنبضات القلب والآلات المكيّـفة للأصوات وطرق استباق تفاعلات النُّـظم المدركة.
كما ناقش المؤتمرون العلاقة الوثيقة بين الهندسة البيولوجية وبقية المجالات العلمية، لاسيما الكيمياء والبيولوجيا والعلاج السريري وعلوم المواد، وشدّد المتدخلون على أهمية العناية بمجال الهندسة الإحيائية، لأنها تفتح آفاقا جديدة للبحث، خاصة في مجال العلاج الإسترجاعي ومعالجة أنواع مختلفة من السرطان.
ولم تغب عن المداولات علوم الأجسام متناهية الدقّـة أو ما يُـطلق عليه بالعلوم النانوية وما تبشّر به من آمال في مجال علوم الحياة. فهذا الصّـنف من البحوث يمكِّـن المختص من العمل مباشرة من داخل الخلايا المكوّنة للجسم الحي ويساعده على جعل تلك الخلايا اللامرئية ذات مظهر خارجي، ما يسهِّـل التعامل معها وتحليل مكوِّناتها وعلاج إخلالاتها، إن وجِـدت.
ابتكارات في وقت مناسب
وتداول على أخذ الكلمة أيضا العديد من الخبراء الذين عرضوا النتائج التي توصّـلت إليها بحوثهم والاختراعات التي ابتكروها، من أجهزة وأدوات طبية، بعضها قابل للزراعة في الجسم وبعضها للاستخدام اليومي في المصحّـات والمستشفيات. ومن ذلك مثلا، العرض الذي قدّمه أوليفيي شاتلي من المركز السويسري لإلكترونيات والتقنيات الدقيقة، حول نظام إلكتروني للمراقبة الصحية، ينجزه المعهد لصالح وكالة الفضاء الأوروبية وسيستفيد منه روّادها في رحلتهم المرتقبة لكوكب المريخ.
فهذا النظام الإلكتروني عِـبارة عن قميص زُرعت فيه بطاقات ذكية موصولة بحواسيب على الأرض وتسمح بمراقبة وقِـياس الأوضاع الصحية لرواد الفضاء وتطوّرها ليلا ونهارا وخلال الأنشطة العادية والاستثنائية (كالرياضة وغيرها).
وترسل تلك البطاقات قياس دقّـات القلب وضغط الدّم وحرارة الجسم والوزن والشروط الخارجية وانعكاساتها المُـمكنة على صحّـة رواد الفضاء. وللتأكّـد من جدوى هذا النظام، الذي لا يزال في مرحلته التجريبية، سيختبر بالقطب المتجمّـد الجنوبي، نظرا للظروف المناخية الاستثنائية المتوفرة فيه، حيث تصل درجة الحرارة في أقصاها إلى 60 درجة تحت الصفر، ويتميّـز هذا النظام الإلكتروني، حسب أوليفيي شاتلي “بالأمان والموثوقية ويُـسر الاستخدام والتحكم، وأيضا الراحة وعدم الإزعاج”.
وفي مجال الطبّ السمعي، عَـرض ستيفان لونار، من شركة فوناك، طريقة جديدة لضبط نظام السّـمع، وهي عبارة عن سمّاعتين تُـوضع كل واحدة في أذن، وتحتوي كل منها على مذياع صغير، وتمكِّـن هذه الآلة المستخدِم مُـنذ البداية، من تحديد مصدر الصّـوت وِفق الاتِّـجاه الذي يكون عليه الرأس عند تثبيت المُـعطيات في ذاكرة الآلة ومستوى ارتفاع الصوت، وبعد تثبيت تلك المعطيات، يُـصبح بالإمكان التحكم مُـسبقا بالأصوات، فنسمع الصوت الذي نريد وبالدرجة التي نختار ونتجنّـب الأصوات المُـزعجة مثلا.
وتأتي هذه الاختراعات وهذا التوجه لاستخدام هذا النوع من الآلات الإلكترونية في الوقت المناسب، إذ تشهد المجتمعات المُـعاصرة تحولات ديموغرافية أدّت إلى ارتفاع نِـسبة كبار السن وإلى تفكك العائلة وتخلّـي الأبناء عن رعاية آبائهم، كما كان معهودا من قبل، في وقت ارتفعت فيه نفقات العلاج فلم يبق إلا التّـعويل على الآلة لتلعب دور الإنذار المبكّـر، وهذا بلا شك سيؤدّي إلى ارتفاع الطلب على هذه الأجهزة المتطورة وسيدفع المعنيِّـين إلى تصميم آلات سهلة الاستعمال وقليلة التكلفة ودائمة الاتصال بالمرافق الصحية.
عبد الحفيظ العبدلي – نوشاتيل
تتيح هندسة الطب البيولوجي في سويسرا مجالا واسعا من التخصّـصات، وبدأ تدريسها في زيورخ سنة 1970 مباشرة بعد إنشاء معهد تقنية الطب الإحيائي Institut de technique biomédicale بجوار المعهد الفدرالي للعلوم التقنية وجامعة زيورخ، ولكن هذا التخصص شهد نجاحه بعد أن أصبح يدرّس في كلية الطب وفي قسم الإلكترونيات والميكانيك، وفي كلية العلوم الطبيعية.
وفي العقود الأخيرة، ازداد الاهتمام بهذا المجال وحصل على دعم كبير من القطاعين، العام والخاص، وانتشر ليشمل بقية الجامعات والمدارس العليا.
وتُـشرف على تطوير هذا القطاع الحيوي الجمعية السويسرية لهندسة الطب البيولوجي، التي تأسست هي الأخرى سنة 1970، وهي اليوم حاضرة بشكل قوي في الجامعات ومراكز البحث وفي الشركات المستثمرة في الميدان.
ومن المهام الرئيسية لهذه الجمعية، تشجيع البحث العلمي وإيجاد الدعم اللازم للباحثين والتواصل مع القطاع الخاص في المجال الصناعي، ووضع السياسات الواجب إتِّـباعها في مجال هندسة الطب البيولوجي.
ولقد استطاعت الجمعية حتى الآن، ربط علاقات وثيقة بين جميع المعنيين في هذا المجال وقدّمت جوائز قيِّـمة للباحثين، خاصة الشباب من أجل تشجيعهم على الانضمام إلى الجمعية وتعميق بحوثهم.
وعلى المدى البعيد، تسعى الجمعية إلى تمثيل أكثر ما يُـمكن من الخبراء والمشروعات، مهما كان حجمها. ففي سنة 2005، بلغ عدد أعضائها 200 خبيرا، أغلبهم أساتذة جامعات ومهندسون وأطباء، بالإضافة إلى 16 شركة، وكذلك تبذل قيادتها الوسع من أجل أن تُـصبح شريكا حقيقيا للجامعات والمدارس العليا في مجال البحوث والتكوين، وإضافة إلى ذلك، تحرص على حسن تمثيل الجهات النشطة في الطب البيولوجي على مستوى الفدرالية الدولية لهندسة الطب البيولوجي والجمعية الأوروبية للبيوتكنولوجيا.
تحتل سويسرا المرتبة الثانية أوروبيا، والتاسعة عالميا في مجال البيوتكنولوجيا.
تتركز هذه الصناعة في أربعة مناطق رئيسية في سويسرا، وهي زيورخ وبازل ولوزان وجنيف.
يبلغ عدد الشركات السويسرية العاملة في البيوتكنولوجيا 229 شركة، منها 90 شركة في صناعة المعدّات الطبية و133 شركة في تصنيع الأدوية.
في عام 2006، بلغت أرقام مبيعات المركز السويسري للإلكترونيات والتقنية الدقيقة53.896.644 فرنك سويسري، منها 45% من الأنشطة الصناعية و41% مساهمة فدرالية و9% من المشروعات الأوروبية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.