“هو ليس الدستور الحُلم بل الدستور المُمكن”
عشية الاستفتاء حول مسودة الدستور العراقي، استطلعت سويس انفو مواقف بعض أبناء الجالية العراقية في سويسرا من حدث هام لن يتسنى لهم المشاركة فيه.
ورغم اختلاف قراءاتهم في نص المسودة وإدراكهم لمواطن الضعف أو الخلل فيه، فقد اتفقوا على أنه يتضمن إيجابيات لا يُمكن إنكارها، وأن التصويت عليه خطوة بناءة، سواء كان بـ”نعم” أم “لا”.
“اليوم يوم تاريخي وأنا واثق من حدوث توافق حول الدستور يوم التصويت”.
كانت هذه كلمات الرئيس العراقي الكردي جلال الطالباني يوم الأربعاء 12 أكتوبر الجاري لدى إعلانه في بغداد عن توصل القادة السياسيين العراقيين، أخيرا، -أكرادا وشيعة وسنة- إلى اتفاق يتيح إجراء تعديلات على مسودة الدستور تستجيب لعدد من مطالب العرب السنة بعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في منتصف شهر ديسمبر القادم.
وأضاف الرئيس العراقي “آمل أن يمثل (هذا الاتفاق) بداية تعاون من نوع جديد بين كافة العراقيين”، معربا عن اعتقاده أنه “لم يعد هنالك أي سبب لرفض مسودة الدستور”.
صناديق الاقتراع في العراق ستؤكد تلك القناعة أو تنفيها يوم السبت القادم 15 أكتوبر الذي تحول إلى موعد شبه حاسم في حياة مجتمع يتوق إلى الاستقرار والأمان منذ عشرات السنين.
وعشية هذا الحدث الهام، اتصلت سويس انفو (يوم 11 أكتوبر الجاري) ببعض أبناء الجالية العراقية في سويسرا الذين لن يشاركوا، على غرار إخوانهم في المهجر، في عملية الاستفتاء، لكنهم يتابعون تطورات العملية عن كتب.
مـُتـّفـقون..
ومن خلال الحديث معهم، سرعان ما اتضح أن كلا منهم لديه قراءة مختلفة لنص المسودة. منهم من دقق في كل كبيرة وصغيرة من مواده، ومنهم من اطلع على مضمونه دون التعمق في حيثياته القانونية، ومنهم من تابع الجدل الدائر حوله عبر وسائل الإعلام…
المهم أن جميعهم مدرك لجوهر المسودة ولمواطن القوة والضعف فيها، كل حسب رأيه وتقديره، لأن مواطن القوة لدى البعض يمكن أن تكون مواطن ضعف في نظر البعض الآخر أو العكس.
وإن اختلف محاورونا حول تحديد سلبيات مسودة الدستور، فإنهم أجمعوا على أنهم سيصوتون لصالح الدستور إن كانت قد أتيحت لهم الفرصة، وأن الهوية العربية للعراق ليست في خطر، وأن إيجابيات المسودة تتمثل أساسا في التجربة الديمقراطية التي يجسدها الاستفتاء، وخاصة في باب الدستور المتعلق بالحقوق والحريات.
يقول الدكتور سكر الغزالي، الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية العراقية في سويسرا: “الإيجابيات الكثيرة لمسودة الدستور تكمن برأيي في العدالة والتوازن والمساواة بين المناطق. إنها البداية الحقيقية الصحيحة للانتقال من النظام المستبد إلى النظام الجديد الآخذ بمفاهيم العصر. فهذه أول مرة نتوفر فيها على ثقافة ديمقراطية وثقافة حسية، أول مرة نعرف ما معنى الدستور الذي ينظم حياة العراقيين، لأول مرة نتكلم بهذه المفاهيم وهذه التعابير”.
رأي يشاطره الأستاذ ثامر السبع الجميلي، المدير المساعد للملتقى الثقافي العربي السويسري “سنابل” في لوزان، الذي قال: “بغض النظر عن نتيجة التصويت، نعم أم لا، يعتبر التصويت بحكم المعايير الدولية ممارسة ديمقراطية… أنا أؤيد التصويت على مسودة الدستور بنعم لأن التصويت هو إثبات للحرية والممارسة الديمقراطية في هذه الفترة الحرجة والصعبة التي يمر بها العراق”.
…وحذرون
في المقابل، أعرب السيد الجميلي عن قناعته بأن الأهم هو تطبيق ما تنص عليه مسودة الدستور وليس بقاءها “مجرد تحرير نص وحبر على ورق مثلما هو الحال في أغلب الدول العربية”.
نفس الأمل عبر عنه الأستاذ صلاح الدين البياتي، رئيس المركز الاجتماعي العراقي في أرغاو قائلا: “الإيجابيات الرئيسية (للمسودة) تتمثل في حرية الإنسان ومساواة العراقيين أمام القانون والديمقراطية في التعامل والقانون الذي يحكم البلد حسب ما هو مذكور في الدستور الذي نأمل أن يـُطبَّق”.
من جهته، قال الشاعر علي الشلاه، مدير المركز الثقافي العربي السويسري في زيورخ: “اعتقد أن هذا الدستور ليس الدستور الحلم لكنه الدستور الممكن، وآمل ككل المواطنين العراقيين أن تسود دولة القانون في العراق ولا دولة قانون بدون دستور واضح المعالم”.
وفي إشادته بباب الحقوق والحريات في مسودة الدستور العراقي، صرح الشاعر الشلاه: “ينبغي التنويه إلى أننا نتحدث عن دولة في العالم الثالث خرجت من كل هذه الكوارث ومع ذلك يدور الحديث فيها عن حقوق مواطنة ودولة قانون وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وأشياء اعتقد أنها غير مطبقة في كثير من بلدان المنطقة، والحديث عنها بهذه الصراحة وهذه القوة مسألة في غاية الأهمية”.
ومن إلإيجابيات التي تحملها المسودة أيضا في نظر الشاعر العراقي “الحديث عن صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتحديد هذه الصلاحيات والميزانيات المخصصة لكل جهة والرقابة على كل طرف، إضافة إلى ان الدولة العراقية بعد سقوط صدام حسين ارتبكت امام سؤال الرئاسة أو الزعامة الأولى وهذا عُكس في الدستور إيجابا في وجهة نظري إذ لم يعد من المحرمات ولم يعد رئيس الدولة ظل الله في الأرض”.
مُختلفون أو.. مُنتقدون
وفي تطرقهم للجوانب السلبية في مسودة الدستور، أثار محاورونا نقاط عدة من أبرزها مبادئ فصل الدين عن السلطة وأسس النظام الفدرالي.
الأستاذ صلاح الدين البياتي تناول في معرض تحفظاته على المسودة ارتباطها الوثيق بالدين قائلا: “برأيي، كل ما يخص موضوع السياسة يجب أن يكون مفصولا انفصالا تاما عن الدين لأن الدين له رجاله والسياسة لها قوانينها التي لا يمكن إدخالها في مجال الدين احتراما وحفاظا على سمعة الدين نفسه. كنت أود أن يكون الإسلام مصدرا من مصادر التشريع (في مسودة الدستور) وليس المصدر الوحيد”.
أما الشاعر علي الشلاه، فحرص قبل التعبير عن انتقاداته على القول: “أنا أجد في هذا الدستور أفضل ما كتب في تاريخ الدولة العراقية حتى اليوم. هناك مواطن ضعف فرضتها نوعية الحالة العراقية على هذا الدستور، ومواطن الضعف هذه هي التي تثير هذا الغبار اليوم حولها. لكنني أعتقد أن وضوح الرؤية سيعيدنا جميعا إلى البوابة الصحيحة”.
ولدى تطرقه لـ”مواطن الضعف” تلك، قال الشاعر الشلاه: “أنا أريد في العراق دولة قانون، لا أريد دولة يمكن أن تتحول إلى دولة ثيوقراطية أو دولة طوائف أو فدراليات متصارعة”. وفي هذا السياق، تحدث مطولا (استمع للحوار الصوتي المرافق) عن مقترح الفدرالية المطروح في المسودة، معربا عن اعتقاده أن هنالك “قصورا في فهم موضوع الفدرالية لدى المطالبين بها ولدى المعارضين لها”.
وقال بهذا الشأن: “إن كثيرا من المدن العراقية اليوم تتوهم أن الفدرالية تعني أنها تستطيع التصرف لوحدها، كأن يقوم مثلا محافظ البصرة بقطع الكهرباء عن المحافظات المجاورة لأن مولد الكهرباء الرئيسي يتواجد لديه، فيتصور أن هذا نوعا من الفدرالية مثلا”.
ويعتقد الشاعر الشلاه أن خلطا كبيرا حصل في مفهوم الفدرالية المقترحة على العراقيين اليوم، مشددا على أن الأنظمة الفدرالية في العالم تتوفر على فدراليات عديدة ودولة مركزية واحدة بينما تبرز في الحالة العراقية فدرالية واحدة ودولة مركزية واحدة. واستطرد قائلا: “إن الأمر وصل إلى أن فدرالية كردستان صارت ندا للدولة المركزية وهذا خطأ لا يتحمله الإخوة الأكراد فقط، بل يتحمله أيضا محاوروهم في صياغة الدستور. فإما أن يكون العراق فدرالي يخضع لفدراليات واضحة المعالم في جميع مدن العراق أو أن يكون العراق نظاما مركزيا أو يتميز بلامركزية إدارية. لكن اتسامه بهذا الخليط غير المتجانس سيطرح إشكاليات كبيرة في المستقبل في اعتقادي”.
لا خوف على الهوية العربية..
من جهته، شدد الأستاذ ثامر سبع الجميلي على أن النظام الفدرالي – في حال تطبيقه كما هو الحال في الأنظمة الاتحادية أو الفدرالية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا- هو النظام الأسلم لإخراج العراق من ورطته.
وقال بهذا الصدد: “يجب ضمان نجاح هذا النظام الاتحادي لأننا نحن كعرب، لا زلنا نعيش في (حلم) تطور الأمة العربية الواحدة ولازلنا نعيش في طور الشعارات التي رفعتها الأحزاب القومية بما فيها الناصرية، وهي عبارة عن شعارات فاضية ليس لها أي أساس والدليل على ذلك عدم إنجاز أي مشروع عربي ناجح منذ خمسين سنة، سواء كان على مستوى شركة أو مؤتمر أو جامعة. ومؤتمرات الجامعة العربية التي تبقى مجرد حبر على ورق خير إثبات على ذلك”.
وعما أثير من جدل حول احتمال إضعاف الدستور المقترح للهوية العربية للعراق، اتفق محاورونا على أن العراق كان ويظل وسيبقى جزء لا يتجزأ من العالم العربي والأمة العربية سواء ورد ذلك في الدستور أو لم يرد.
في المقابل، نوه السيد البياتي إلى ضرورة الاهتمام بالهوية العربية والقوميات والإثنيات الأخرى المكونة للنسيج العراقي على قدم المساواة وعدم التفكير في الفصل بينها أو تقسيمها (شيعة، أكراد، سنة). واستشهد في هذا الشأن بحياته الخاصة التي تشبه حياة ألوف العراقيين إن لم تكن الملايين قائلا: “أنا عراقي سني وزوجتي عربية شيعية ووالدتي كردية من الشمال. أنا كبشر، كعراقي، كيف أستطيع فصل هذه الأجزاء الثلاثة خاصة لما تربطنا علاقات نسب”.
من جهته، لفت الشاعر الشلاه الانتباه إلى سوء الفهم المنتشر في العالم العربي عموما حول عرب العراق وعدم الاستيعاب لجغرافيته القومية المتشابكة. واستطرد قائلا: “أنا لست قلقا على عروبة العراق بمعنى الهوية الثقافية أو الهوية اللسانية، أنا قلق من علاقات عراقية عربية عدائية حتى بين العرب العراقيين والعرب في الدول العربية الأخرى بفعل سوء الفهم هذا”.
وأوضح بهذا الشأن: “عرب العراق ليسوا سنة فقط. عرب العراق هم كل عرب العراق، شيعة وسنة. والذي يراهن على دولة عربية في العراق عليه أن يتحدث مع المكون العربي الأول وهو الشيعة العرب العراقيين، وعلى الشيعة العرب العراقيين ألا يتوهموا انه بالإمكان أن يكونوا مناطق نفوذ لدول أخرى، لدول الجوار غير عربية أو لدول عربية. هم أولا مواطنون عرب عراقيون. هذا بلدهم، هذا وطنهم، هذه هويتهم، هذا لسانهم. هم لا يستطيعون تغيير لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا اللسان”.
وشدد الشاعر الشلاه على أن العراق لم يكن يعاني من مسألة طائفية بل كان شعبا من أسر متزاوجة يناضل ضد ديكتاتور. وذكـّر أن المنطقة العربية لازالت تعاني من الطائفية التي وجدت في لبنان إلى اليوم، متسائلا كيف تحاول أطراف تأسيس طائفية أخطر منها في العراق؟
وانتهى إلى القول: “إن هذا العراق بخير إذا أردنا نحن، بحسن نية، أن يكون بخير. أما إذا أردنا الحرب الأهلية، فقد سارع العرب إلى إقامة حرب أهلية في لبنان لكن ماذا جنينا من ذلك؟”..
إصلاح بخات – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.