وأخيرا.. انحلت الـعـقـدة !
وافق سفراء دول الاتحاد الأوروبي الخمسة والعشرين يوم الخميس في بروكسيل على مشروع تسوية الجولة الثانية من الاتفاقيات الثنائية مع سويسرا.
ولم يكن من قبيل الصدفة إعلان برن عشية هذا اللقاء استعدادها لمنح مليار فرنك سويسري للمُساهمة في إنجاح توسيع الاتحاد الذي ضم عشرة دول جديدة إليه في 1 مايو.
كان المتفائلون السويسريون على حق حيث نجحت برن في الحصول على إجماع أوروبي حول مشروع تسوية رزمة الاتفاقيات الثنائية الثانية بين الجانبين. فقد وافق سفراء الاتحاد الخمسة والعشرون على الشرط السويسري المتلخص في عدم الفصل بين الملفات وتسوية جميع الاتفاقيات في آن واحد.
وفيما يخص انضمام سويسرا إلى اتفاقية “شنغن” التي تشمل التعاون القضائي والبوليسي، ومعاهدة “دبلن” الخاصة بسياسة اللجوء، فقد نجحت برن أيضا في ضمان الحفاظ على السرية المصرفية التي طالما دافعت عنها والتي شكلت حجر العثرة الرئيسي في المفاوضات الطويلة مع بروكسل.
ومن المُفترض أن يتبنى وزراء الخارجية الأوروبيون رسميا هذا القرار يوم الاثنين القادم. كما تقرَّر عقدُ قمة على مستوى عال بين الرئاسة الأيرلندية للاتحاد ورئيس المفوضية الأوروبية ورئيس الكنفدرالية السويسرية يوم 19 مايو.
وكانت الحكومة السويسرية قد أعلنت يوم الأربعاء 12 مايو أنها تنوي منح 200 مليون فرنك سنويا ولمدة خمسة أعوام من أجل المساهمة في التنمية الإجتماعية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي الذي أصبح يضم منذ 1 مايو الجاري 10 دول جديدة.
هذا الإعلان حظي بترحيب المفوضية الأوربية من حيث المبدأ، ووصفه المتحدث باسمها ديغو دي أوخيدا بأنه “خبر جيد”. ومع ترحيب بروكسل بهذا الكرم السويسري، إلا أنه يظل أقل سخاء مما تعرضه النرويج، حيث طالب الاتحاد الأوروبي من برن أن لا يقل حجم مساهمتها عن 350 مليون فرنك، وهو المبلغ الذي تعهدت أوسلو بتقديمه سنويا من أجل دعم السوق الموحدة الكبيرة إثر توسيع الاتحاد شرقا.
ضغط برن أثمر في نهاية المطاف
وللتذكير، انطلقت المرحلة الثانية من المفاوضات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي في 17 يونيو من عام 2002، أي بعد أسبوعين من دخول الاتفاقيات القطاعية السبع الأولى التي أبرمها الجانبان حيز التطبيق.
لكن الجولة الثانية تشمل عشرة ملفات متفاوتة التعقيد. فبينما تم إحراز تقدم سريع فيما يخص ستة ملفات لم تطرح صعوبات خاصة- مثل مشاركة سويسرا في برامج التعليم الأوروبية أو في أنشطة الوكالة الأوروبية للبيئة- تم تجميد التفاوض بشأن تحرير الخدمات.
وتركزت المُحادثات بعد ذلك على ثلاثة ملفات حساسة ومعقدة وهي: جباية الضرائب على المدخرات، ومحاربة التهرب الجمركي، وانضمام سويسرا إلى اتفاقية “شنغن” ومعاهدة “دبلن”.
لكن هذه الملفات الثلاثة شكلت دائما بالنسبة للمفاوضين السويسريين تهديدا حقيقيا لمبدأ السرية المصرفية المعمول به في الكنفدرالية.
برن بدأت بكسب الشوط الأول. فبعد أشهر طويلة من المفاوضات الشاقة، تم التوصل إلى اتفاق في 6 مارس 2003، بعد أن قبِل الاتحاد الأوروبي مُقترح برن المُتلخص في السماح لسويسرا باقتطاع نسبة من الضرائب مُباشرة من فوائد مُدخرات مواطني الاتحاد الأوروبي غير المُقيمين في سويسرا.
وفي 3 يونيو من نفس العام، تبنت دول الاتحاد الأوروبي الـ15 آنذاك قرارا حول جباية الضرائب على المُدخرات يقضي بإقامة نظام تبادل للمعلومات بين إدارات دول الاتحاد من أجل مكافحة التهرب الضريبي. وقد نجحت ثلاث دول هي اللُّوكسمبورغ وبلجيكا والنمسا في الحصول على استثناء في إطار هذا الاتفاق. أما سويسرا، فلم توقع على هذا الاتفاق لأنها رفضت منذ بداية المُفاوضات الفصل بين الملفات.
وقد أثمر الضغط الذي مارسته في هذا الإطار بموافقة سفراء الدول الخمسة والعشرين في الاتحاد على هذا الشرط، خاصة وأن بروكسل حددت نهاية شهر يونيو القادم كأجل لإنهاء المفاوضات مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد من أجل دخول اتفاق جباية الضرائب على المُدخرات حيز التطبيق في الفاتح من يناير 2005.
الحلول الوسط
وقد حرك هذا الاتفاق المحادثات حول الملفين المعقدين الآخرين وخاصة اتفاقية شنغن التي تعثر التفاوض بشأنها منذ شهور. وتركز الخلاف على المادة 51 من الاتفاقية والمتعلق بالتعاون القضائي. فبينما يريد الاتحاد توسيع نطاق تطبيق شروط التعاون ليشمل محاربة التهرب الضريبي، تدافع سويسرا عن ضرورة الإلتزام بمبدأ التجريم المُزدوج (أي الاعتراف بالمخالفة من طرف الدولتين المعنيتين)، وهو ما يستبعد عمليا التهرب الضريبي الذي لا يعتبر مخالفة جنائية في القوانين السويسرية.
وبعد فترة ركود دامت أشهرا طويلة، عادت الحياة فجأة للمفاوضات بين الجانبين في شهر أبريل الماضي، حيث التقى رئيسا الوفدين المفاوضين، أي السفير السويسري مكاييل أمبول وبرسي وسيترلوند من المفوضية الأوروبية في بروكسل يومي 23 و26 أبريل 2004. وكان هذا المسؤولان لم يلتقيا منذ 19 فبراير 2003.
وقد وافق الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف على الشرط السويسري المتعلق بتسوية كافة الملفات في نفس الوقت. ورجحت بعض المصادر أن رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي هو الذي أمر المُكلفين بالمفاوضات بإحراز تقدم في المحادثات بأسرع وقت ممكن.
وتمخض عن هذه المساعي مشروع التسوية الذي نجح في إرضاء الطرفين، حيث وافقت سويسرا على التعاون بلا تحفظ في مجال الضرائب غير المباشرة (والتي تشمل الحقوق الجمركية والضرائب على القيمة المضافة، والضرائب على استهلاك السجائر والمشروبات الكحولية…)، لكنها حصلت على استثناء دائم في مجال الضرائب المُباشرة (التي تشمل الضرائب على المداخيل والشركات والأرباح).
غير أن مناقشة مشروع التسوية تمت فقط بين سويسرا والمفوضية الأوروبية. وكان من الضروري الحصول أيضا على موافقة مندوبي الاتحاد الأوروبي.
في الأثناء، أضيف ملفان على حزمة الاتفاقيات الثانية بين الجانبين، وهما توسيع حرية تنقل الأشخاص المُبرم بين برن وبروكسل إلى الدول العشرة الجديدة التي انضمت للاتحاد، والمساهمة المالية السويسرية في صندوق التنمية والاندماج الأوروبي. ويوجد هذا الملفان ضمن مشروع التسوية المعروض حاليا على دول الاتحاد.
سويس انفو
دخلت الاتفاقيات القطاعية السبع الأولى بين سويسرا والاتحاد الأوروبي حيز التطبيق في 1 يونيو من عام 2002
في 17 يونيو من نفس العام، بدأ التفاوض بشأن رزمة الاتفاقيات الثنائية الثانية بين الطرفين والتي تشمل 10 ملفات هي:
الخدمات، والمعاشات، والمنتجات الزراعية المصنعة، والبيئة، والإحصاء، والتربية والتكوين المهني، وشؤون الشباب، والإعلام، وجباية الضرائب على المدخرات، ومحاربة التهرب الضريبي والتعاون في مجال القضاء والشرطة واللجوء الهجرة من خلال اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن.
نظرا للطابع المعقد لملف “تحرير الخدمات”، تم تجميد المفاوضات حوله.
مشروع التسوية الذي يتفاوض بشأنه سفراء دول الاتحاد الأوروبي الـ25 يتضمن أيضا مسألتي توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص ليشمل الدول العشرة الجديدة في الاتحاد، ومساهمة سويسرا في صندوق التنمية والاندماج الأوروبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.