وتظل سويسرا .. “حالة خاصة”!
فقدت سويسرا خلال السنوات الماضية بعضاً من بريقها كدولة نموذجية مثالية، لكنها ظلت على الرغم من ذلك .. حالة خاصة!
هذا ما توصل إليه ملحق خاص أصدرته مجلة لاكونوميست البريطانية الرصينة، والذي اعتبر أن نموذج الديمقراطية المباشرة في سويسرا هو الذي يميز الكونفدرالية عن بقية بلدان العالم.
“كان تقريراً مملاً”! قالها أحد الصحافيين خلال حوار خاص على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقد في برن يوم الخميس الموافق 12 فبراير، لعرض مضمون الملحق الخاص الذي أعدته مجلة الإيكونوميست The Economist البريطانية حول سويسرا.
وفي الواقع، كان سيكون من المستغرب أن لا يكون التقرير مملاً. فهو لم يفعل سوى أن عرض بصورة دقيقة ما هو حادث في دولةٍ يصفُها العالمُ الخارجي ببلاد الساعات والشوكالاته.
ولعل أمانة ملحق “سويسرا: حالة خاصة” في تناوله لأوضاع الكنفدرالية من زوايا متعددة، هي التي أدت إلى امتداحه من قبل الحاضرين في الندوة رغم اختلافِ مشاربهم السياسية وتنوعها.
دولة كغيرها من الدول؟
دخل الملحق الذي جاء في شكل تقرير موسع في صلب الموضوع مباشرة عندما تساءل:”هل لازالت سويسرا تُعتبر حالة خاصة”؟. ويُشير مصطلح “حالة خاصة” إلى تميز سويسرا وتفردها عن بقية البلدان بسبب عدد من الخصائص، التي تصلح أن تكون نموذجاً يحتذى به على مستوى المعمورة.
ويوضح التقرير تلك الخصائص قائلاً:”إنها تقف ممثلة للديمقراطية والأمانة والاستقرار والجودة والدقة في الأداء والعمل والدقة في المواعيد والحرص والكفاءة والانفتاح.. وغيرها من الخصائص المرجوة”.
لكن التقرير لا يترك تلك الخصائص جامدة، بل يبعث فيها الحياة من خلال أمثلة واقعية.
فالمقتني للساعة السويسرية يدفع ثمنها وهو مدرك أنه يشتري أيضاً جودة ًوكفاءة يُمكن الاعتمادُ عليها. والرجل الغني سيضع ماله وهو مطمئن في البنك السويسري. تماما كماأن السائح سيقضّي أوقاتاً هنيئة ومريحة في فندقه بسبب الخبرة السويسرية العريقة في صناعة الفندقة. أما الشوكالاته السويسرية فستبقى بلا شك … لذيذة.
في كل هذه الجوانب إضافة إلى غيرها، تبقى سويسرا “حالة خاصة”. فهي أقدم ديمقراطية في العالم، وتحافظ بشراسة على حيادها المسلح، وتتمتع باستقرار داخلي راسخ، وعلى مدى النصف الثاني من القرن العشرين كان شعبها أغني من أي شعب أخر في العالم.
ورغم ذلك، يجادل التقرير قائلا إن الجزيرة السويسرية المتفردة بدأت تتحول تدريجياً إلى دولةٍ … مثل بقية دول العالم الأخرى.
عواصف وتقلبات … سيئة!
يقول التقرير إن سمعة سويسرا وبريقها تعرضا للضرر خلال السنوات الماضية بسبب عدد من المشاكل التي عصفت بها، كان من أهمها قضية ودائع اليهود في البنوك السويسرية خلال الحرب العالمية الثانية، والإنهيار المدوي للخطوط الجوية السويسرية “سويس إير”.
كما ينبه إلى أن الاقتصاد السويسري في ظل نظام العولمة أصبح معرضاً هو الأخر إلى تقلبات السوق العالمية، تماماً كما أن نظامها السياسي مضطرٌ إلى التأقلم مع متطلبات العيش إلى جانب الاتحاد الأوروبي دون الانضمام إليه.
بكلمات أخرى، وكما شرحت كاتبة التقرير البريطانية باربارا بيك في مداخلتها خلال المؤتمر الصحفي:” سويسرا لم تعد حالة خاصة … لأن عليها أن تكيف سياساتها الاقتصادية والخارجية والأمنية مع نوعية العالم الذي نعيش فيه اليوم”.
“لكنها تظل حالة خاصة”!
إذا كانت الكونفدرالية قد أصبحت دولة كغيرها من البلدان، فإن شيئاً واحداً فقط كما يقول التقرير يجعلها تقف متفردة بكبرياء هو: نظامها السياسي.
ويوضح التقرير قائلاً:”إن المزج بين النظام الفدرالي والديمقراطية المباشرة يجعل سويسرا مختلفة عن أية دولة أخرى في العالم، خاصة وانه ينعكس على كل أوجه الحياة في البلاد”.
صحيح أن النظام ليس كاملاً، وله سلبيات، إلا أنه في الجوهر يبقي حياً وقادرا على إحراز نتائج إيجابية. فهو يمنع السياسيين من فرض قراراتهم على الناخبين، ويشجع المواطنين على تثقيف أنفسهم سياسياً، ويدفعهم دفعاً إلى المشاركة السياسية.
وتضرب الصحافية بيك مثلاً على إيجابيات النظام السويسري بالتنويه بما حدث في بريطانيا خلال مرحلة ما قبل شن الحرب على العراق، وتقول:”لو كان النظام السويسري مطبقاً في بلادي، لما تمكن رئيس الوزراء توني بلير من تنفيذ قراره بالمشاركة في الحرب رغم المعارضة الشعبية الواسعة لقراره”.
هـذا ما قلناه …
يختتم التقرير تحليله للوضع في سويسرا بالتساؤل:”هل هناك درس يمكن أن يتعلمه العالم من سويسرا”؟ ويأتي الجواب حاسماً:”هناك بالتأكيد ما يمكن تعلمه من سويسرا عندما يتعلق الأمر بنظامها السياسي”.
ويبرر ذلك بالقول:”في الوقت الذي تعاني فيه الديمقراطيات التمثيلية في كل مكان من زوال الأوهام في الشأن السياسي، قد يكون من المفيد جداً البحث عن بدائل أخرى”.
أما كيف كانت ردة فعل الحاضرين من السويسريين في المؤتمر الصحفي على هذه الخلاصة، فقد جاءت مشابهة لموقف الصحافي الذي سبق ذكره أعلاه، خالية من الدهشة إن لم يكن من الحماس، فقد غمغم معظمهم نصفَ مبتسمين:”هذا ما قلناه للعالم دائما”!
إلهام مانع – برن – سويس إنفو
أصدرت مجلة الإيكونوميست ملحقا خاصا عن سويسرا في عددها بتاريخ 13 فبراير 2004.
عنوان الملحق: “سويسرا: حالة خاصة”.
تم عرض عناصر الملحق ومناقشته في مؤتمر صحفي عقد في برن بتاريخ 12 فبراير.
شارك في الندوة:
الصحافية البريطانية ومؤلفة التقرير باربارا بيك.
رئيس إدارة السياسة الاقتصادية بكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية ايومي برونيتي.
النائب البرلماني جوزيف لانج من الحزب الاشتراكي الأخضر البديل.
النائب البرلماني جون فاتيبرت نائب رئيس حزب الشعب السويسري.
الصحافي روجير دو فيك ومدير الحوار في الندوة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.