“ورطة” فرانكفورت تقترب، والكتاب الديني ينحسر
شكّـل معرض أبو ظبي الرابع عشر للكتاب مناسبة استذكر فيها الناشرون والمثقفون العرب جملة من همومهم، وفي طليعتها هاجس معرض فرانكفورت العالمي، الذي لم يستعد له العرب حتى الآن بالشكل اللائق.
كما تباينت آراء الناشرين حول مدى سطوة “الكتاب الديني” التي ميّـزت معارض الكتب العربية لسنوات.
رأى الناشرون الذين شاركوا في معرض أبوطبي الرابع عشر للكتاب أن الاتجاه العام بات يسير نحو تقلّـص الكتب الدينية “خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر، وتراجع الأنظمة العربية عن تشجيعها لنشر الكتاب الديني”، كما يقول الناشر اللبناني رياض الريس في حديثه إلى سويس انفو، ويسانده في نفس الرأي الناشر الأردني ماهر كيالي الذي يعتقد أن “الكتاب التراثي الذي كان طاغي الحضور في السنوات الأخيرة قد خفّ خلال السنتين الأخيرتين”.
ويعزو المتحدث ذلك إلى “الغرب الذي أصبح يشجع أكثر من ذي قبل الكتاب الليبرالي”، فيما يرى الريس أن “هناك اليوم كُـتّـاب مستعدون أكثر لتناول الإسلام خارج الأطر التقليدية”، فضلا عن “ظهور حرص لدى الجهات الرسمية على الحذر من نشر الكتاب الإسلامي، حتى لا يثيروا من حولهم شبهة دعم التطرف”.
وقد شارك في معرض أبو ظبي الرابع عشر للكتاب حوالي ثمان مائة دار نشر عربية وأجنبية تضم مجمل مشاركاتها ما يقرب من مائتي ألف عنوان عربي، ومائة ألف عنوان أجنبي.
لكن كان من الصعب حصر عدد المعروض من الكتب الدينية في الوقت الحاضر، حسب المسؤولين عن المعرض، غير أن جمعة القبيسي، رئيس المعرض والوكيل المساعد لشؤون دار الكتب الوطنية بأبو ظبي يقول إنه “من الواضح ظهور انحسار في عرض هذه النوعية من الكتب”، ويضيف “لم يعد الأمر كما كان في السابق. ففي هذه الدورة مثلا، تشارك حوالي عشرون دار نشر إسلامية مقابل ضعف هذا العدد تقريبا في الدورات سابقة”.
وينفي المسؤول عن معرض أبو ظبي وجود تعليمات في هذا الاتجاه قائلا “نحن نقلّـص عدد الناشرين إذا كان هناك تكرارا في الطبع، وإذا ارتكبت بعض دور النشر خروقات لشروط المعرض مثل عرض كتب مُـزورة، كما أننا محكمون بالمساحة أيضا”.
لكن القبيسي يعترف، إضافة إلى ذلك، بأن “هناك نوعية من كتب “التابلويد”، وهي نوعية مُـضرة وقد تثير إشكاليات، فنسعى للتقليل منها”، ويؤكّـد المتحدث أن ليس هناك تعليمات بشأن منع أي نوع من الكتب قبل أو بعد أحداث 11 سبتمبر، “لأننا لم نتبن أبدا أفكارا تغذي التطرف على مدى دورات المعرض السابقة”.
وفي المقابل، يستغرب ناشرون آخرون الانطباع السائد لدى البعض بانحسار عرض الكتب الدينية، ويقول سمير البقيلي، وكيل دار البشائر الإسلامية السورية “الفرق واضح للعين المجردة بين المعروض من الكتب الدينية، وبين سواها من مختلف المواضيع”، ويضيف “الكتاب الإسلامي يعيش فورة تصاعدية ما بعدها فورة”، ثم يستطرد قائلا “لا شك أن بعض الدول العربية تحاربه، وأن بعض المعارض تُـصادره، لكنه يظل الأوفر إقبالا”.
ويعتذر البقيلي عن إعلان رقم مبيعاته في الوقت الحاضر، فيما تغادر السيدة العراقية ساهرة رؤوف المعرض محملة بأكياس كتب، تقول إن أكثر من نصفها ذو طابع ديني، مضيفة أنها تلاحظ العكس تماما، لأن المعرض يحتوي على كمية كبيرة من الكتب الدينية، كما أن الإقبال عليها وافر جدا حسب ما ترى.
ويساندها في الرأي الناشر محمد رشاد من الدار المصرية اللبنانية الذي يجزم بأن “الكتب الدينية ما تزال الأكثر مبيعا في معارض الكتاب العربية”، مقابل صاحب دار الوراق اللبنانية محمد مصطفى السبيعي الذي يرى أن “الأمر يختلف من بلد إلى آخر”، ويضيف أن “الأجواء السياسية العامة في المنطقة العربية هي التي تُـحدد طبيعة الكتب الرائجة أكثر من غيرها، رغم أن الكتاب الديني يظل ذو حضور متميز في المعارض”.
وبين هذا الانطباع وذاك الرأي، يصعُـب قطع الشك باليقين طالما لم تتوفّـر أرقام رسمية ونهائية حول المبيعات. و”بالتالي، لن تتّـضح الصورة الحقيقية قبل نهاية المعرض” كما يقول جمعة القبيسي.
“ورطة فرانكفورت”!
وعلى صعيد آخر، وجد اتحاد الناشرين العرب في معرض أبو ظبي الرابع عشر للكتاب فرصة لعقد اجتماع على هامشه “توقّـف فيه طويلا أمام مشاركة الناشرين العرب من خلال الجناح المهني في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وكيفية تفعيل هذه المشاركة”، حسبما جاء في بيان صدر عن الاجتماع.
ويأتي تصدر هذا الموضوع لهموم الناشرين العرب بسبب “الخوف من كارثة” كما يقول الناشر اللبناني رياض الريس، الذي يشرح تخوفاته بقوله إن “العرب غير جاهزين للمشاركة في هذا المعرض الكبير، لا على مستوى الناشرين، ولا على المستوى الرسمي، بسبب التأخر في الإعداد له، وبسبب الموازنة الضعيفة التي رصدوها للمشاركة”.
وكان معرض فرانكفورت الدولي للكتاب قد عرض في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 على العالم العربي الحضور في دورته التي تبدأ يوم 5 أكتوبر 2004، لعرض وجوه ثقافته كضيف شرف على مساحة تناهز تسعة آلاف متر مربع، أمام زهاء إثنتي عشر ألف صحفي من سائر أنحاء المعمورة درجوا على تغطية أحد أضخم المعارض الثقافية في العالم.
لكن السيد محمد رشاد، الأمين العام المساعد لاتحاد الناشرين العرب أفاد بأنه “تم تقليص مساحة العرض إلى حدود ألفين وخمسمائة متر مربع فقط”. ويقول الناشر الأردني ماهر كيالي إنه “كان يجب انتظار سنة 2003 حتى يوافق مجلس الجامعة العربية على المشاركة في المعرض”، ويخشى أن “يكون الوقت متأخرا جدا وغير كاف للإعداد الجيد”، فيما يُـبدي الريس خشيته من أن “ترتد الفرصة على العرب بنتائج عكسية بسبب الارتجال في الإعداد”. لكن محمد رشاد، أمين عام مساعد اتحاد الناشرين العرب يرى أن “المهنيين متفائلون، ويرون أن الفترة المتبقية كافية للإعداد الجيد”.
ودعا اتحاد الناشرين العرب في آخر بيان له على هامش معرض أبو ظبي للكتاب إلى “عقد اجتماع خاص لمتابعة تنفيذ القرارات بشأن المشاركة العربية في فرانكفورت، وذلك في شهر يونيو القادم في القاهرة”، كما كانت ذات المشاركة حاضرة على جدول أعمال القمة العربية المؤجلة في تونس.
ورغم ضبابية الموقف، يقول رشاد أمين إن “الاتحاد بدأ في استقبال الكتب من الاتحادات المحلية، ومن دور النشر العربية لتتم فهرستها وطباعة دليل و اسطوانات ممغنطة تحتوي على ملخصات لهذه الكتب باللغتين العربية والإنجليزية”. كما أفاد بيان اتحاد الناشرين العرب أنه “قرر إيفاد مبعوثين اثنين إلى فرانكفورت لتوقيع الاتفاق على تفاصيل المشاركة مع إدارة المعرض”.
ولا يبدو الأمين العام المساعد لاتحاد الناشرين العرب قلقا من حسن سير الأمور بالنسبة للجناح المهني، الذي يخص الاتحاد والذي سيُـقام على مساحة تسعمائة متر مربع، وقال إنهم “تلقوا إلى حد الآن زهاء أربعة آلاف وخمسمائة عنوان من جملة عشرة ألف عنوان متوقعة”، وعزا تخوف الناشرين إلى الناحية المادية قائلا “يخشى البعض أن تتقاعس الدول العربية في دعم هذه الفرصة العظيمة”.
ويقول الناشرون إن المبلغ الذي رصدته جامعة الدول العربية لدعم هذه التظاهرة قد تقلّـص من خمسة ملايين إلى ثلاثة ملايين أورو، ويرى محمد رشاد أنه “مبلغ زهيد لا يفي بالغرض”، ويضيف أن “روسيا، التي كانت ضيفة شرف المعرض في دورته السابقة، أنفقت تسعة ملايين أورو، ومع ذلك لم تكن مشاركتها في مستوى جيد”.
غير أن السيد رشاد يستطرد بأن “الأمور قد تتحسن لأن بعض الدول العربية قرّرت المساهمة في المعرض بشكل غير مباشر عبر فعاليات ثقافية ستتكفّـل بمصاريفها”. وسوف تنقسم المشاركة العربية في معرض فرانكفورت إلى قسمين: الأول، عبر جناح مهني خاص بالناشرين، والثاني، عبر جناح رسمي تُـشرف عليه جامعة الدول العربية.
ومن ناحيته، يقول جمعة بن عبد الله القبيسي، الوكيل المساعد لدار الكتب الوطنية بأبو ظبي “نحن جاهزون كدولة للمشاركة ولتقديم صورة مشرفة عن العرب”.
لكن الناشر ماهر الكيالي يعتقد أن “وزارات الثقافة العربية تُـفكر في الاستعراضات الفلكلورية الجانبية التي تُـقام على هامش المعرض، وليس في معرض الكتاب الرئيسي”، ويضيف “كما أن الجامعة العربية سوف تختار الكتاب الذين يروقون للأنظمة، لتجد المحاباة والشللية طريقها من جديد إلى هذه المناسبة العالمية”.
فيصل البعطوط – أبو ظبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.