وزيرة الخارجية تتراجع
تراجعت وزيرة الخارجية السويسرية عن مشروع نشر قائمة الضحايا المدنيين في الحرب الدائرة في العراق على موقع الوزارة على شبكة الانترنت.
في المقابل، أعلنت الوزارة في بيان صدر يوم الثلاثاء في برن أن صعوبات منهجية دفعت إلى إدخال تحويرات على صيغة المشروع الذي فجر جدلا في الأوساط السياسية.
مرة أخرى، قد يصح على وزيرة الخارجية السويسرية المثل الشائع “الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة”. إذ من الصعب التشكيك في “النوايا الحسنة” للسيدة كالمي-راي التي آعتبرت أن واجبها كوزيرة خارجية لدولة محايدة وراعية لمعاهدات جنيف يقتضي منها بذل كل ما في وُسعها من أجل التحسيس بمعاناة المدنيين في الحرب الدائرة في العراق منذ يوم 20 مارس الماضي.
لكن النوايا الحسنة لا تكفي في “جهنم” عالم السياسة! فقد تعرضت الوزيرة فور إعلانها (في صُحف الأحد الماضي) عن اعتزامها نشر قائمة الضحايا المدنيين للحرب في العراق على موقع وزارة الخارجية على شبكة الإنترنت إلى سيل من الإنتقادات “المبررة” منها أو”المتحاملة” من طرف رموز سياسية وحقوقية في البلاد.
فقد تعرضت كالمي-راي لهجمة واسعة من عدة أطراف. حيث وُُصفت مبادرتها بـ”فكرة سيئة” من طرف ليللي نابهولز (من الحزب الراديكالي) رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. أما الأمين العام للحزب الراديكالي فقد عبر في تصريح لسويس إنفو عن مخاوفه من احتمالات “استغلال مآسي الحرب لأغراض الدعاية السياسية” حسب تعبيره.
بل ذهب المتحدث باسم حزب الشعب السويسري (يمين قومي) إلى القول صراحة بأن “السيدة ميشلين كالمي-راي ترغب في إبراز حزبها (الإشتراكي) في هذه السنة الإنتخابية”.
وفيما رفض الناطق باسم الحزب الإشتراكي الإتهامات الموجهة إلى وزيرة الخارجية، آعتبر أن السيدة كالمي-راي تتحمل، من خلال هذا المشروع، مسؤولياتها تُجاه الشعب السويسري. في المقابل، اعترف المتحدث جون فيليب جانورا بأنه “من العسير إنجاز الفكرة بالرغم من جودتها”.
إصرار على إنجاز الهدف
المهمّ أن وزارة الخارجية أصدرت في الفاتح من أبريل بيانا “أخذت فيه علما بالإنتقادات” وتراجعت فيه عن نشر “قائمة الضحايا المدنيين للحرب في العراق” على موقعها على شبكة الإنترنت. في المقابل، شدد البيان على تمسك الوزيرة بالمضي قُـدما في إنجاز هدفها المتمثل في “تحسيس الجمهور بمصير السكان المدنيين في العراق”!
لذلك قررت وزارة الخارجية تكليف المشرفين على موقع الإنترنت التابع لمبادرة البحث العلمي حول القانون الإنساني الدولي (التي يوجد مقرها في جنيف) ببلورة الفكرة.
ومن المنتظر أن يقوم الباحثون بتجميع منتظم وشامل لمعلومات موضوعية حول الآثار المترتبة عن الحرب على السكان المدنيين، بالإضافة إلى إعداد دراسات قانونية معمقة تتعلق بانتهاكات الحقوق الإنسانية في الحرب الأمريكية البريطانية الدائرة في العراق.
يجدر التذكير بأن الموقع يُنشّط من طرف خبراء وجامعيين يعملون في مؤسستين. الأولى هي “المنظومة المندمجة للأبحاث والمعلومات، IRIS “، وهي منظمة حقوقية غير حكومية تتخذ من جنيف مقرا لها، أما الثانية فهي المركز المتخصص المعروف باسم “برنامج أبحاث هارفارد حول السياسات الإنسانية والنزاعات،HPCR ” التابع لجامعة هارفارد الأمريكية والمتحصل على دعم مالي من وزارة الخارجية السويسرية.
من “قائمة” إلى “موقع أكاديمي”
وكانت السيدة ميشلين كالمي-راي قد بررت إطلاق المشروع بضرورة احترام معاهدات جنيف التي تتحمل سويسرا مسؤولية رعايتها منذ عام 1949. وقالت في التصريحات التي نُشرت في صحف الأحد الواسعة الإنتشار “إن من واجب سويسرا لفت الأنظار إلى الضحايا الأبرياء للحرب”.
وعلى الرغم من هذه التبريرات، أعربت يوم الإثنين منظمات حقوقية وإنسانية عن شكوك في مشروع الوزيرة. فقد شددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (مقرها في جنيف) على “الصعوبات التي تُواجه العملية” وقالت بأنها “لم تُستشر في الموضوع إلى حد الآن”.
وقالت ندى دوماني المتحدثة باسم اللجنة في جنيف لسويس إنفو: “إننا لا نتوفر على رؤية شاملة لعدد الضحايا الناجمين عن هذا النزاع. إذ ليس بإمكاننا الدخول إلى جميع المستشفيات العراقية ونحن نقتصر على الأرقام المعلن عنها من طرف هذه المستشفيات”.
وبغض النظر عن الصعوبات العملية والسياسية التي واجهت المشروع الطموح لوزيرة الخارجية، إلا أن اضطرارها للتراجع – ربما بشكل مؤقت – عن فكرة نشر قائمة الضحايا المدنيين للحرب “لأسباب منهجية” وخوفا من “مغالطات” أو بسبب “عدم الدقة” المرتبط عادة بأوضاع الحروب والنزاعات المسلحة، وتكليفها لمؤسسات بحثية جامعية مشهود لها دوليا بالنزاهة والدقة العلمية بتنفيذ مشروع مشابهة قد يُساعد على تحقيق الهدف المرجو وإن بأشكال أخرى.
لذلك لم يتردد ألبرت ستاهيل الخبير البارز في الشؤون العسكرية في جامعة زيوريخ في تأييد فكرة الوزيرة. وذكّـر في تصريحات لسويس إنفو بأن “هذه هي المرة الأولى التي تقترح فيها حكومة مثل هذا المشروع”. وقال “إنه من المهم أن يصدر ذلك من سويسرا لأن الكثير من الناس ينسون أنه تُـوجد قوانين إنسانية”.
سويس إنفو
كان من المفترض أن تنشر قائمة الضحايا المدنيين للحرب في العراق على موقع وزارة الخارجية السويسرية ابتداء من يوم 1 أبريل 2003
هدفت وزيرة الخارجية ميشلين كالمي-راي من خلال هذه المبادرة إلى تحسيس الرأي العام بالآثار المترتبة عن الحرب. الفكرة انطلقت من أن سويسرا تلعب دور راعية معاهدات جنيف المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي.
يوم 1 أبريل أعلنت وزارة الخارجية عن قرار التراجع عن نشر القائمة متعللة بضرورة الأخذ بعين الإعتبار للمخاطر الناجمة عن التضليل وعن استحالة التثبت من المعلومات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.