وضع لا يُحسد عليه اليمن…
أثارت العملية التي نفذتها طائرة أمريكية ضد مشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة في منطقة "النقعة" الصحراوية، القريبة من محافظة مأرب اليمنية، تساؤلات وتكهنات عديدة.
وتطرح هذه العملية مجددا ملف مكافحة الإرهاب في اليمن، خاصة ما يتعلق بالتعاون الأمريكي- اليمني في هذا المجال، ومستقبل هذا التعاون ومداه.
الظاهر حتى الآن، أن الولايات المتحدة هذه المرة، رمت بكل ثقلها في ملف مكافحة الإرهاب في اليمن، بإعلانها رسميا أن العملية التي استهدفت تفجير السيارة التي كانت تقل ستة من المشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة بينهم، أبو علي الحارثي، أحد المشتبهين في تفجير المدمرة الأمريكية “USS Cole” عام 2000 في ميناء عدن.
ويرى المحللون في مسارعة الولايات المتحدة إلى الإعلان عن تبني هذه العملية داخل التراب اليمني، تحولا جذريا في وسائل وأساليب مكافحة الإرهاب في اليمن، لاسيما وأن العملية جاءت بعد أيام قلائل من اختفاء مسؤول يمني في ظروف غامضة، يعتقد أنه استدرج إلى مصر وسلم لأمريكا، وهو عبد السلام الحيلة، الذي قيل إن له علاقة بملف الأفغان العرب، والتزام السلطات اليمنية الامتناع عن أي تعليق حتى استكمال التحقيقات، حسب ما نُقل عن مصادر أمنية يمنية.
فلأول مرة، يتأكد علنيا أن القوات الأمريكية تشارك بمطاردة المشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وذلك على عكس ما درجت عليه السلطات اليمنية، من أن القوات اليمنية هي وحدها التي تتعقب مطاردة أعضاء القاعدة المحتملين، وأن المساعدة الأمريكية تقتصر فقط على التدريب الفني والعسكري والمساعدة اللوجيستية.
تنسيق أم قطيعة؟
ويرى المتابعون أن هذا التطور يحمل أكثر من تفسير. فهو إما أن يكون بادرة افتراق بين الإدارة الأمريكية والسلطات اليمنية، حيال التعامل مع الأعضاء المفترض انتمائهم للقاعدة، حتم على الإدارة الأمريكية وضع السلطات أمام سياسة الأمر الواقع، وجرها إلى خوض حرب فعلية على هذه الجبهة، بغض النظر عن التداعيات الشعبية لمثل هذا الفعل.
الاحتمال الآخر، هو ان يكون التصرف الأمريكي تعبيرا عن وصول التنسيق بين الجانبين إلى أقصى مداه، والدخول في مرحلة جديدة من الشراكة في مجال مكافحة الإرهاب، ترمي هذه المرة إلى حسم هذا الملف، ووضع حد للجدل الدائر حول أن اليمن يشكل ملاذا أمنا للإرهابيين العائدين من أفغانستان، وذلك بالاتفاق مع المسؤولين اليمنيين الذين ذاقوا ذرعا بالاتهامات من أن اليمن تأوي عناصر من تنظيم القاعدة. وبالتالي، وضع حد لتلك الاتهامات والاندفاع في تصفية هذا الملف نهائيا، ومن ثم التفرغ للاستحقاقات الأخرى التي تنتظر البلد والمنطقة.
أيّ كانت الدوافع والأسباب للشروع في مطاردة الإرهاب على النحو الذي نفذته الولايات المتحدة في عملية “النقعة”، فإن ردود الفعل الشعبية جاءت مندهشة ومنفعلة. فصورة السيارة المحطمة التي بثتها قنوات التلفزة، أعادت للأذهان الصور نفسها للسيارات المدمرة من قبل القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي استهدفت قيادات المقاومة الفلسطينية.
تلقائيا، ربط الرأي العام اليمني بين هذه الحادثة وأسلوب وطريقة تنفيذها، وبين تلك الحوادث المماثلة التي عرفتها الأراضي الفلسطينية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
فعلى خلفية هذه العملية، ومسارعة الإدارة الأمريكية إلى الإعلان عن تبنيها، تولدت العديد من الأسئلة في الشارع اليمني حول حدود مشاركة القوات الأمريكية في العمليات العسكرية، خاصة بعد أن وضعت الإدارة الأمريكية ثقلها هذه المرة بشكل ملحوظ في مطاردة العناصر المشتبهة بالانتماء لتنظيم القاعدة.
الأوضاع تزداد خطورة
ولئن بقي رد الفعل الشعبي حتى الآن في حدود الاندهاش والتساؤل، فإن مصداقية السلطات اليمنية ستبقى على المحك، كونها ظلت تؤكد مرارا أن القوات اليمنية وحدها تتولى مطاردة العناصر المطلوبة أمنيا.
فالخشية من أن يتطور رد الفعل إلى مواجهات بين القبائل في تلك المناطق وبين السلطات من جهة، وبينها وبين أمريكا من جهة أخرى، خاصة أن المنطقة تتواجد فيها شركات النفط الأمريكية. ويأتي تعزيز الإجراءات الأمنية في محيط السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء عقب الإعلان عن تنفيذ العملية، ثم إغلاقها لاحقا مؤكدا حجم المخاوف من ردة فعل انتقامية.
وعموما، من المحتمل أن تشهد الأيام القليلة القادمة جدلا واسعا في الأوساط السياسة والشعبية اليمنية حول حدود مشاركة القوات الأمريكية في تعقب الإرهابيين، على ضوء هذه التطورات الأخيرة، وسيحتدم هذا الجدل بين السلطة والمعارضة التي ما فتئت تطالب الحكومة بالشفافية والوضوح في مسألة التعاون العسكري والأمني اليمني الأمريكي، وذهبت غير مرة إلى اتهامها بتقديم تسهيلات للقوات الأمريكية.
إجمالا، يرى المتابعون لهذه القضية أن السلطات اليمنية واقعة بين سندان الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمارس عليها ضغوطا كبيرة من أجل تجفيف منابع الإرهاب، وبين الضغوط الشعبية والقبلية، وضغوط المعارضة السياسية، التي تطالبها بعدم الانصياع لإرادة الإدارة الأمريكية، وبالمزيد من الشفافية وعدم التفريط في السيادة اليمنية. والنتيجة، أن السلطات في وضع لا تحسد عليه. ولعل الصمت الذي لزمته حتى الآن، يُعبر جليا عن محنتها.
عبد الكريم سلام – صنعاء
رغم تأكيد بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن قيام الولايات المتحدة بقتل 6 من المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة، تم بالتنسيق مع الحكومة اليمنية وبعد موافقته، فإن شكوكا كبيرة لا تزال تلقي بظلالها على هذه العملية وتبعاتها السياسية والعسكرية والقانونية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.