وفاة البابا فرنسيس تثير ذكريات مريرة في أوكرانيا

في حين يبكي الكاثوليك حول العالم البابا فرنسيس الذي رحل الإثنين عن 88 عاما، يثير الحبر الأعظم عند الكثير من الأوكرانيين ذكريات مريرة لا سيّما عندما اقترح على كييف رفع “الراية البيضاء” في وجه الغازي الروسي.
ولم يصدر البابا فرنسيس خلال حبريته أيّ تنديد واضح يستنكر فيه اجتياح روسيا لأوكرانيا. وهو لم يزر أيّا من البلدين.
ويحمل عليه منتقدوه اعتماده بعض طروحات السردية الروسية بقوله إأن الحرب “أثيرت” في سياق مواجهة عالمية أوسع نطاقا.
وهو “لم يكن يفهم فعلا ما يحصل هنا ولم يكن حتّى يحاول أن يفهم الأمر”، بحسب ما قال مسؤول أوكراني رفيع المستوى لوكالة فرانس برس مشترطا عدم الكشف عن هويته.
واعتبر الأخير أن البابا الأرجنتيتي المتأثر بالفكر “الماركسي” كان “يتجاهل تماما” واقع الحال في أوروبا الشرقية، رافضا “التمييز بوضوح” بين روسيا بصفتها المعتدي وأوكرانيا بصفتها الضحية.
لكن، خلال حبرية فرنسيس، أشاد مسؤولون أوكرانيون بدور الفاتيكان في تيسير تبادل السجناء وعودة الأطفال المرسلين من المناطق الأوكرانية المحتلّة إلى روسيا.
ومن المرتقب أن يحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مراسم دفنه السبت في الفاتيكان.
غير أن الحبر الأعظم “كان في وسعه القيام بأكثر من ذلك بكثير”، مثل محاولة إقناع دول الجنوب الكبير التي كان يحظى فيها بشعبية واسعة بدعم كييف، على حدّ قول المسؤول الأوكراني.
– “أخيار وأشرار” –
ظهرت أولى علامات التوتّر بعيد الاجتياح الروسي عندما طلب الفاتيكان من سيّدة روسية وأخرى أوكرانية تربطهما صداقة منذ زمن بعيد بأن تحملا معا في نيسان/أبريل 2022 الصليب خلال مراسم الجمعة العظيمة بحضور البابا فرنسيس.
وقوبلت تلك المبادرة التي كان محورها المصالحة بفتور من الجانب الأوكراني. وندّد سفياتوسلاف شيفتشوك رئيس أساقفة الكنيسة الأوكرانية للروم الكاثوليك بـ”فكرة غير ملائمة وسابقة لأوانها وملتبسة لا تراعي سياق الهجوم العسكري الروسي”.
وصحيح أن البابا فرنسيس ما انفكّ يصلّي من أجل السلام، غير أنه لطالما أحجم عن استنكار الغزو الروسي استنكارا قاطعا، معتبرا مثلا في أيلول/سبتمبر 2022 أن النزاع ليس “فيلم رعاة بقر فيه أخيار وأشرار”.
لكن تصريحاته التي كان لها أكبر وقع صادم على الأوكرانيين، كانت تلك التي أدلى بها في آذار/مارس 2024 خلال مقابلة مع قناة “ار تي اس” السويسرية ودعا فيها أوكرانيا إلى “رفع الراية البيضاء” قبل “تفاقم الوضع”.
وهو قال ناكئا الجراح “أنتم ترون أنكم تُهزمون وأن الأمور ليست جيّدة، فتحلّوا بالشجاعة للتفاوض”.
وسرعان ما توالت ردود الفعل المستهجنة لتلك التصريحات. وردّ وزير الخارجية الأوكراني حينذاك دميترو كوليبا بالقول “علمنا أصفر وأزرق. وهو العلم الذي نعيش ونموت وننتصر من أجله. ولن نرفع أبدا أيّ علم آخر”.
وتابع “في ما يخصّ الراية البيضاء، نحن نعرف استراتيجية الفاتيكان هذه منذ النصف الأوّل من القرن العشرين”، داعيا الكرسي الرسولي إلى “عدم تكرار أخطاء الماضي”، في تلميح إلى موقف الكنيسة الكاثوليكية من ألمانيا النازية.
– مشاعر مختلطة –
وبالنسبة إلى المحلّل الأوكراني ميكولا دافيديوك، أتت خيبة أمل الأوكرانيين على قدر الآمال المعلّقة على البابا فرنسيس الذي كان ينظر إليه على أنه خير خلف للبابا يوحنا بولس الثاني الذي يعزى له فضل في سقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية.
وهو قال إن “الأوكرانيين كانوا يعتبرون البابا بمثابة زعيم سياسي. وبما إن البابا فرنسيس لم يلعب هذا الدور، فكان الأمر غريبا جدّا بالنسبة لهم”.
وأقرّ الخبير السياسي فولوديمير فيسينكو بأن كثيرين كانوا يشعرون بالاستياء من جرّاء “التصريحات النظرية الداعية إلى السلام التي كانت أقرب إلى دعوة استسلام موجّهة إلى الأوكرانيين”.
واعتبر أن البابا الأرجنتيني كان يبدو “مهتمّا أكثر” بموسكو من كييف، آملا أن يولي خلفه “مزيدا من الاهتمام لأوكرانيا”.
وغداة الإعلان عن وفاة الحبر الأعظم، تجلّت المشاعر الأوكرانية المختلطة إزاءه بوضوح على شبكات التواصل الاجتماعي، متباينة بين المديح والنقد.
ونشر المدوّن الأوكراني الشهير إيغو لاتشنكوف صورة هزلية مرفقة بأغنية “هايواي تو هيل” (طريق سريع إلى الجحيم).
بور/م ن/ص ك