وقف الحرب السادسة في صعدة: بداية سلام دائم أم مجرد “استراحة مقاتل”؟
فتح قرار وقف الحرب في شمال اليمن الذي جاء بعد موافقة قائد المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي على شروط الحكومة الستة، مرحلة جديدة في مسار الصراع بين الحكومة اليمنية والمتمردين وتراجعت لهجة الحسم التي توعدت بها السلطات ما تسميهم بفلول التمرد وبدلا من لغة التهديد والوعيد التي هيمنت على أجواء البلاد منذ انفجار الحرب السادسة في 11 أغسطس 2009، بدأ الحديث عن مرحلة جديدة لإحلال السلام.
ويرجح بعض المراقبين والمتابعين هذه المرة نجاح إنهاء حرب صعدة ويعزون ذلك إلى أن المجتمع الدولي مارس ضغوطا قوية على صنعاء والمتمردين على حد سواء لدفعهم إلى حل المشكلة، ويرون أن رسالة مؤتمر لندن الذي عقد أواخر شهر يناير 2010 لمناقشة ودعم جهود الإصلاحات في اليمن كانت واضحة وصريحة عندما ربطت بين “ضرورة ترتيب الأوضاع الداخلية” ومنها ملف حرب صعدة وبين “معالجة مشاكل اليمن” برمتها.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أن وقف المعارك هذه المرة سيكون نهائيا لأن إرادة دولية وإقليمية تقف وراء دفع أطراف الصراع إلى الحوار ووقف الحرب، وتفرغ السلطات لمحاربة الإرهاب الذي بات يشكل أولوية للمجتمع الدولي منذ أن اعتبر اليمن جبهة جديدة لمكافحة الإرهاب عقب محاولة تفجير الطائرة الأمريكية في أمستردام أواخر العام الفائت من قبل تنظيم القاعدة، وترسخ القناعة بأن دولة في وضع الدولة اليمنية لا يمكن أن تحارب القاعدة وهي تواجه تمردا داخليا في الشمال، واحتجاجات شعبية في الجنوب، وصراعات قبلية في مناطق مختلفة وتعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة.
كما أن طرفي المواجهة – حسب هذا التحليل الذي يُرجح انتهاء المواجهات في صعدة بعد أكثر من ستة أشهر على اندلاع الحرب السادسة – قد وصلا إلى حالة من الإنهاك الشديد دون أن تلوح بوادر حسم نهائي لها ودون أن تظهر ملامح انتصار واضحة لأي من طرفيها عدا تكبد كل منهما لخسائر فاقت كل ما شهدته الحروب السابقة.
فهذه الحرب التي اندلعت في الحادي عشر من أغسطس العام الماضي وحتى فبراير الجاري تعد أطول الحروب وأكثرها كلفة وتدميرا، فقد توسعت إلى مناطق تجاوزت محافظة صعدة وجرت إليها السعودية في نوفمبر الماضي، ومع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لضحايا القتال إلا أن البيانات العسكرية اليومية الصادرة عن كل منهما تؤكد أن آلاف القتلى سقطوا من الجانبين علاوة على ما يزيد عن 100 قتيل من الجانب السعودي حسب ما أعلنته هذه الأخيرة، كما طال الدمار القرى والمباني والطرقات، وشُرد ما يزيد عن 200 ألف من السكان الذين نزحوا عن ديارهم، كما استخدمت في المعارك كل أنواع الأسلحة بما فيها سلاح الجو اليمني، والسعودي، ودمرت المزارع التي تعد النشاط الرئيسي للسكان.
وتقول الحكومة اليمنية وفقا لما جاء على لسان مسؤولين كبار إن وقف الحرب ناتج عن تضييق الخناق على المتمردين ومحاصرتهم في المواقع الجبلية، ومن المنافذ البحرية وأنها قطعت عنهم الإمدادات التي يعتقد أنها كانت تصل إليهم عبر البحر، الأمر الذي أجبرهم على القبول بشروطها الستة ووقف القتال.
مجرد “استراحة محارب”؟
في المقابل ثمة من يرى أن الطرفين قد أنهكا، وأن وقف القتال لا يُعد سوى “استراحة محارب” يهدف طرف منها إلى إعادة ترتيب أوضاعه، ولا يستبعدون أن يكون وقف الحرب مجرد ترتيبات لحرب سابعة ربما تكون أكثر حدة وأسوع امتدادا من الحروب السابقة.
ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بالإحالة إلى ما يعتبرونه المنطلقات المذهبية الشيعية للحوثيين، والتي تضفي على حربهم قدسية ربانية وأن النصر في الحرب السابعة يستند إلى نبوءة في أدبياتهم تذهب إلى أن اليمن سيأتي منها حمل لواء “المهدوية” أو ما تطلق عليه المرجعيات الشيعية بالراية اليمانية الموعودة التي ستؤازر المهدي المنتظر بحربه المقدسة ضد ديار الكفر.
ووفقا لذلك التفسير فإن هذا البعد بدا واضحا بجلاء من خلال ما نقلته وسائل الإعلام من تسجيلات حية لأسرى حوثيين أكدوا في أحاديثهم أنهم في إتباعهم لمرشد الشباب المؤمن حسين الحوثي الذي لقي مصرعه في الحرب الأولى لم يتمثلوا سوى النداء الرباني الذي يحضهم على الولاء لعصمة آل البيت، وذهب بعضهم في تلك التسجيلات إلى أن حسين الحوثي لم يقتل وأن ظهوره لم يحن بعد وهذا التفسير ليس محصورا فقط بالمتمردين بل يجد له صدى قويا لدى الطرف الآخر خاصة منه المتشددون السلفيون، وبعض السنة ما يعطي لدى كل طرف أسبابه ومبرراته الخاصة في استمرار المواجهات إما بحجة استئصال المخالف والقضاء عليه نهائيا حتى لا يبقى خطره يهدد وجوده وإما كاستجابة لإرادة سماوية.
سيادة القبيلة على الدولة
ويذهب متابعون آخرون إلى تفسير أوسع للمسألة ويرون أنه، مثلما يتداخل ما هو أسطوري بما هو واقعي إما لتبرير هذه الحرب وإضفاء صفة القداسة عليها وإما لتفسيرها، هناك أسباب أعمق بكثير مما هو طاف على السطح وتلك الأسباب كثيرا ما أفشلت محاولات وقف الحرب وترتبط بالخصوصية المحلية والاجتماعية والثقافية والدينية وطرق وأساليب التعامل مع تلك الخصوصية في منطقة المواجهات التي أبقت المنطقة مشتعلة على مر التاريخ.
ووفقا لهذه الرؤية فإن منطقة الصراع هي منطقة قبلية يغلب على مكوناتها الإجتماعية البنية القبلية التي يسود علاقاتها التوتر الدائم والخشية من الغلبة أو الإستقواء لأي طرف اجتماعي على الآخر، وحتى في ظل النظام الجمهوري الذي كان يُتوقع منه أن يحدث تحولات هامة في تفكيك البنى العشائرية التقليدية وإدماجها في مجتمع الحداثة بعد القضاء على النظام الملكي عام 1962 إلا أنه على العكس من ذلك، فقد عمل النظام الجمهوري نتيجة لطابعه القبلي من جهة وبدافع الخشية من تهديدات الحركات النضالية من في المنطقة العربية عامة واليمن خاصة ومن شطحات بعضها من جهة أخرى، على إقصاء دعاة التحررية، وعزز من نفوذ القبيلة داخل مؤسسات الدولة ولاسيما منها المؤسسة العسكرية.
وقد سادت منذ ذلك الحين ظاهرة ما يطلق عليها بإعادة ” قَبْيَلَةِ ” المجتمع والتي من أهم تجلياتها إضفاء الطابع القبلي على منظومة الحكم وتشجيع كل ما يمجد القبيلة ويعيد إحياء تماسكها، وقد لاقى هذا التوجه سندا قويا وسط رجال الدين خاصة منهم ما يطلق عليهم برجالات “الإسلام السياسي”. وقد أثمر التوافق بين هذه التيارات السلطة بمكونها العسكري، والقبيلة، ورجال الدين تمجيد الروح القبلية وأضعف بقية المكونات الاجتماعية والسياسية الأخرى بما فيه الأحزاب السياسية نفسها حاملة لواء الحداثة التي وجدت نفسها بدلا من قيادة المجتمع وتغيره تلهث بحثا عن زعامات قبلية تستظل بظلها، ووضعت معظمها على رأسها شيخ قبيلة، وفي حالات أخرى استندت بعض الأحزاب السياسية إلى عصبيات قبلية في تنافسها الداخلي أكثر من استنادها إلى دور الفرد وعلاقات المواطنة. وبسبب هذه التركيبة لم تستطع الأحزاب أن تتغلغل داخل هذه الجماعات كأيدلوجيات قادرة على الاستقطاب والإستمالة للأفراد بل عبر الرموز القبلية المتنفذة التي تقع على رأس القبيلة ما جعل انخراط الفرد في تلك الأطر مستندا إلى العصبية القبلية أكثر من استناده للدوافع الأيديولوجية.
وقد ساعد هذا الوضع على الرفع من القيمة السياسية للقبيلة في بورصة الطلب على الدور السياسي لها من قبل “المجتمع السياسي” الأحزاب السياسية والدولة على حد سواء وأضفى قيمة على المكون القبلي، لاسيما في المناطق النائية ومنها محافظة صعدة التي انخفضت فيها قيمة الفرد مقابل ارتفاع حظوظ شيوخه الذين كانوا يحصدون ثمار الطلب عليهم مقابل المزيد من إهمال المواطنة وترتب على ذلك تجاهل باقي المكون الديموغرافي والجغرافي لصالح الاستثمار الوقتي للقبيلة والذي كان له انعكاسات خطيرة على فرض سيادة النظام والقانون وأدى إلى إنتاج الظاهرة الحوثية وغيرها من الظواهر التي أفضت إلى سيادة القبيلة على الدولة.
ليس ذلك فحسب بل إن هذا الوضعية للقبيلة التي أنتجها تعاطي الدولة مع هذه التركيبة الإجتماعية عزز احتماء القبائل بذاتها والإعتداد بشوكتها ضد بعضها البعض وترتب عليه انقسام المجاميع القبلية بين نصير للسلطة ومساند للمتمردين وبالتالي فإن هذه الوضعية المتوترة كثيرا ما تؤدي إلى تقويض جهود السلام نتيجة لتراكم الثارات خلال المواجهات، وبقائها دون حل.
وتراكم الثارات وتركها على حالها كثيرا ما أبقت باب الانتقام مفتوحا ويتطور إلى مواجهات أدت غالبا إلى انهيار جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة وللتذكير يكفي الإشارة هنا إلى أن أهم المبررات التي أدت إلى نشوب الحرب السادسة هي انتقام المتمردين ممن وقفوا مع السلطة في الحروب الخمسة السابقة ملاحقتها لهم ، لذلك فإن تجاهل التصدي لهذه الأسباب المولدة للصراعات والمقوضة لاتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة سيؤدي حتما إلى إفشال جهود تحقيق السلام في الاتفاق الأخير.
المسألة الأخرى تتمثل في أن البعد المذهبي الذي يحرك المتمردين الحوثيين يحتاج – حسب مراقبين – إلى معالجة جذرية تؤمّن للشيعة الزيدية حريتها المذهبية برعاية الدولة لها وليس بتشجيع الأطراف السلفية في منطقة ظلت تشكل عبر مر التاريخ معقل الزيدية، وما لم يحدث ذلك، فإن احتمالات تجدد المواجهات تظل واردة بأي لحظة.
فكل الرسائل التي يوجهها الحوثيون إما عبر خطابات قادتهم أو في بياناتهم لا تخلو من الإشارة إلى “نصر جهادي” مزعوم جسّد حسب طرحهم “الإرادة الربانية التي ترعى مشروعهم”، وهذا الطرح ينطوي على رسائل موجهة للأتباع والأنصار حتى لا يظهر قادة المتمردين أمام مريديهم بأنهم يقاتلون عبثا، كما أن تلك الرسائل لا تخلو من استفزاز الجانب الحكومي لما قد يحمله مثل هذا الطرح من تشكيك بشرعية النظام السياسي القائم، والترويج للمشروع المذهبي الذي يقدم نفسه على أنه مشروع خلاص المسلمين من انحطاطهم ويسحب أي مشروعية عمن يقدم نفسه على أنه المجسد لأمال وطموحات الأمة، وعند هذه النقطة كثيرا ما تتطور الإستفزازات المتبادلة إلى مواجهات متجددة تعيد إشعال فتيل الحرب مرة أخرى .
وفي المحصلة، يبدو أن الأوضاع الاجتماعية والقبلية والمذهبية السائدة في المنطقة تغذي الصراع وتدفع في اتجاه تجدده مرة أخرى، وتهدد بنسف أي جهود لإطفاء فتيل الحرب في مدينة صعدة التي لطالما حلم سكانها بأنها مدينة السلام وأطلقوا عليها اسم “مدينة السلام” أملا في رحيل شبح الحرب الجاثم على أجوائها منذ قرون خلت.
والأكيد هو أن مجرد تمني زوال شبح الحرب لا يكفي وحده طالما ظلت أسبابه قائمة والعرب كانوا يسمون الأشياء بغير ما هي عليه تمنيا منهم بنقيض ما هم عليه من ويلات (فقد دعوا الأعمى “بصيرا” تيمنا بأن فاقد البصر غالبا ما يوهب بصيرة تعوضه عن فقدانه حاسة النظر، والصحراء أطلقوا عليها “مفازة” أملا بالنجاة من الهلاك في مجاهلها)، وصعده التي لم تنعم إلا نادرا بالسلام أطلق عليا “مدينة السلام” مع أنها ظلت على مر التاريخ مسرحا لحروب وصراعات تحركها نزاعات القبائل، وتلهبها الطموحات السياسية المذهبية.
وفي العصر الحديث، اكتوت صعده – مثلما عانت قديما – بلظى الحرب الجمهورية الملكية (1962- 1970)، ثم الحرب الحوثية الحكومية التي اندلعت في عام 2004 واستمرت مشتعلة رغم كل المحاولات السابقة لوضع حد لها، الأمر يجعل من أي بادرة لإخماد النيران الملتهبة في هذه المنطقة المثخنة بجروح الحروب الدامية محل شكوك رغم تمنيات السلام ورغم الحنين إلى أجوائه.
الخلاصة أن واقع الحال مليء بمحفزات الصراعات، كما أن فشل التجارب السابقة لمحاولات إنهاء الحرب الدائرة منذ خمس سنوات يُقلل من فرص الخروج المبكر من أجواء الحرب وتدفع إلى تزايد المخاوف من أن يكون وقف الحرب السادسة مجرد استراحة محارب استعدادا لجولة جديدة قادمة ربما تكون أشد من سابقاتها، ما لم يثبت العكس.
عبدالكريم سلام – swissinfo.ch – صنعاء
عدن (اليمن) – أفادت بيانات حكومية يوم الأحد 21 فبراير أن ديون اليمن الخارجية ارتفعت العام الماضي 135 مليون دولار لتصل الى 6.029 مليار دولار مقارنة مع 5.894 مليار دولار في 2008.
وأظهرت البيانات المالية السنوية للبنك المركزي اليمني أن مؤسسات وصناديق التمويل الدولية جاءت على رأس قائمة الدائنين لليمن بمبلغ 3.154 مليار دولار.
ومن بين هذه المؤسسات والصناديق هيئة التمويل الدولية والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية “ايفاد” وصندوق النقد الدولي وصندوق أوبك والبنك الاسلامي للتنمية والاتحاد الاوروبي.
وبحسب البيانات حلت الدول الاعضاء في نادي باريس في المرتبة الثانية لدائني اليمن بمقدر 1.743 مليار دولار منها 1.212 مليار دولار لروسيا وحدها و270 مليون دولار لليابان في حين توزع باقي المديونية على الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا واسبانيا والدنمرك وهولندا وألمانيا.
واحتلت الدول غير الاعضاء في نادي باريس المرتبة الثالثة لدائني اليمن بنحو 5 ر933 مليون دولار الجزء الاكبر منها لصندوق التنمية السعودي بمبلغ 372.4 مليون دولار و273 مليون دولار للصين و133.4 مليون دولار للصندوق الكويتي في حين توزع باقي الديون على الصندوق العراقي والجزائر وبولندا وكوريا الجنوبية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 فبراير 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.