ولا عزاء للإيطالية والرومانشية!
في المستقبل سيكون من الضروري لمن يرغب في العمل في سويسرا أن يجيد اللغة الإنجليزية، وأن يتقن معها إما الألمانية أو الفرنسية.
التنوع اللغوي في سويسرا سيظل قائماً، والفضل في ذلك يعود إلى نسيجها الاجتماعي، لكن الخوف كل الخوف هو من التهديد الذي تواجهه اللغتان الإيطالية والرومانشية.
هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها دراسة بعنوان “تحليل للمشهد اللغوي في سويسرا”، أعدها ثلاثة خبراء في اللغات وعلم الاجتماع، بناءا على معطيات التعداد السكاني لعام 2000، وتم الإعلان عن نتائجها في مؤتمر صحفي عقد الثلاثاء الموافق 12 أبريل في العاصمة برن.
الاهتمام العلمي بدراسة واقع اللغات المستخدمة في الحياة اليومية والدراسة والعمل في الكنفدرالية ليس بالجديد. فهو يعكس رغبة وتحفز جادتين للحفاظ على التنوع اللغوي السويسري، الذي شكل إلى حد كبير جوهر الهوية الفدرالية منذ نشأتها.
وعن هذا التنوع اللغوي بالذات جاءت الدارسة الجديدة التي قدمت استقصاءا دقيقاً للمشهد اللغوي في البلاد، ما أستجد فيه، وما قد يتعرض إلى التهديد إن لم يكن الزوال.
اللغتان الرئيسيتان … الألمانية والفرنسية!
الخبر الجيد في الدراسة هو أن نسبة المتحدثين باللغتين الألمانية والفرنسية ظلت مستقرة، ولعلها زادت إلى حد ما.
فوفقاً للإحصاء السكاني لعام 2000، أفاد 63.7% من سكان سويسرا أن لغتهم الأولى هي الألمانية، في مقابل 20.4% ممن حددوا الفرنسية لغتهم الأم. وعند مقارنة هذه النتائج بنظيراتها لعام 1990 – 63.6% للغة الألمانية و19.2% – نجد أن الزيادة التي طرأت عليها تبقى طفيفة للغاية.
وكان ملفتاً إن لم يكن طريفاً في الواقع، أن الدراسة أرجعت السبب في الارتفاع النسبي للمتحدثين باللغتين إلى وجود الأجانب في سويسرا!
فقد أبرز تعداد عام 2000 أن ثلث الأجانب المقيمين في البلاد، اعتبروا اللغة الألمانية لغتهم الأم، في مقابل الخمس ممن قدموا الفرنسية.
اللغة كمؤشر على اندماج الأجانب!
الخبر الجيد الثاني في الدراسة هو أن الأجانب أصبحوا أكثر اندماجا في المجتمع السويسري. أظهر ذلك إتقانهم لإحدى اللغات الوطنية، وتحديدها كلغة أم. فقد اعتبر ثلثا السكان الأجانب في عام 2000 واحدة من اللغات الوطنية لغة أولى بالنسبة لهم.
ولأن هذه النسبة كانت لا تزيد عن 16.7% في عام 1990، كان مفهوماً التحمس الذي أبداه الباحثون حول هذه النقطة.
وبدت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً لدى الجيل الثاني من المهاجرين، حيث أفاد 60% منهم، ممن يعيشون في المناطق الناطقة باللغة الألمانية، أن لغة إقليمهم هي لغتهم الأم، في مقابل 80% ممن يقيمون في المناطق الناطقة باللغة الفرنسية، و67% ممن يقيمون في المناطق الناطقة بالألمانية.
لكن هذا لا يعني أن المهاجرين تخلوا عن لغات أبائهم وأمهاتهم، بل يجمعون بين لغة بلدانهم الأصلية ولغة بلدهم الجديد.
وهو ما يجعل الجيل الثاني من الأجانب متقناً للغتين على الأقل، على حين تتزايد نسبة السويسريين، من السكان الأصليين، المتحدثة بلغة واحدة فقط.
والانجليزية لا مفر منها!
الخبر الثالث في الدراسة لم يمثل مفاجأة في كل الأحوال. فأهمية إتقان اللغة الإنجليزية أصبحت أمرا لا مفر، تعكس إلى حد كبير الواقع الدولي في حد ذاته. لكن ما أظهرته في المقابل هو أن وجود هذه اللغة يتركز أساساً في المدن الكبرى، على حين تتناقص أهميتها في المناطق الريفية، ويتم استخدامها تحديداً في الحياة العملية.
وعند ترجمة ذلك إلى لغة الأرقام، نجد أن 24.4% من السكان في المدن يستخدمون الإنجليزية في مقار عملهم، على حين تتراجع هذه النسبة إلى 10.8% في الأرياف.
وبنفس النسق الذي تبدى لدى المهاجرين، فإن الدراسة أظهرت أيضاً أن استخدام اللغة الانجليزية لا يعني عدم استخدام واحدة من اللغتين الوطنيتين الرئيستين معها، أي الألمانية أوالفرنسية.
وبصفة عامة، فإن هذه النتائج إنما تشير إلى أن إتقان أكثر من لغة أصبح ضرورة أساسية للنجاح في الحياة العملية.
الإيطالية والرومانشية في خطر!
أما الخبر السيئ في الدراسة فلم يكن هو الأخر مثيراً للدهشة، وإن كان مؤلماً لأقلييتين سويسريتين. فاللغتان الإيطالية والرومانشية تفقدان وبصورة متواصلة المزيد من المتحدثين بها.
إذ انخفضت نسبة المتحدثين بالإيطالية من إجمالي السكان في سويسرا من 7.6% في 1990 إلى 6.5% في عام 2000. وهو ما يعني ببساطة أن الأقلية المتحدثة باللغة الإيطالية أصبحت أكثر اندماجاً، وأنها تحولت إما إلى الألمانية أو الفرنسية، ولكن على حساب لغتها الأم.
أما الأقلية الرومانشية فأنها خرجت من هذا التحليل للمشهد اللغوي السويسري خاسرة بكل المقاييس. فعلى حين كان عدد المتحدثون بهذه اللغة العريقة قد بلغ في عام 1990 66.082 شخص، انخفض هذا الرقم إلى 60.561 في عام 2000، أي بنسبة تراجع مقدارها 8.4%.
وإذا كان من المفهوم أن تسعى الأقلية الرومانشية إلى التحدث بإحدى اللغات الرئيسية المتعامل بها في سويسرا كي تتمكن من العمل والحياة، فإن المثير للقلق فعلاً هو أن الدراسة أظهرت أن الأغلبية منهم في المقابل تستنكف الحديث بلغتها الأم في حياتها الخاصة، حيث لا يفعل ذلك سوى 40% منهم فقط. وهو مؤشر واضح على أن هذه اللغة تبدو فعلاً في طريقها إلى الانقراض.
إلهام مانع – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.