ولــعُ الجمهور بالأشرطة الوثائقية!
منذ عام 2002، تربعت الأشرطة الوثائقية السويسرية على عرش أضخم الإيرادات المالية في قاعات السينما.
وتعكس الظاهرة المثيرة للإهتمام تتويجا لتقاليد سويسرية عريقة في هذا الميدان الذي يمر بفترة انتعاش غير مسبوقة
لم يتعدّ عُـمُـر مهرجان “رؤى من الواقع” المتخصص في الأشرطة الوثائقية العام التاسع، لكن الإقبال الشديد للجمهور على ارتياده تحول إلى ظاهرة مُلفتة.
المهرجان الذي أغلق أبوابه في الرابع من شهر أيار في مدينة نيون (Nyon) القريبة من جنيف أكد مجددا استمرار إقبال الجمهور على مشاهدة الأشرطة الوثائقية (والسويسرية منها بوجه خاص) التي ارتفع عددها بشكل مُلفت في الأعوام القليلة الماضية.
وتفيد الإحصائيات أن قاعات العرض في سويسرا استقبلت 24 شريطا وثائقيا خلال الأشهر الستة عشر الماضية، وهو ما يكشف عن حيوية إنتاجية “استثنائية” تعود جذورها إلى الثلاثينات من القرن الماضي حسب رأي جون بيريه، مدير مهرجان نيون.
فمنذ تلك الحقبة، حاولت سويسرا – والشطر المتحدث بالألمانية منها بوجه خاص – تأكيد حضورها وهويتها مُقابل الثقافات المجاورة المهيمنة من خلال التركيز على إنتاج العديد من الأشرطة الوثائقية. وهو ما أدى إلى نُشوء تقاليد إنتاج أشرطة لصيقة الإرتباط بالمسائل الواقعية ترسخت يوما بعد يوم.
أرقام ومعطيات
ومن بين الأرقام الأخرى المثيرة للإندهاش خارج سويسرا، الإحصائيات المتعلقة بحجم الإقبال على مشاهدة أشرطة وثائقية سويسرية حديثة في قاعات السينما التجارية.
فعلى سبيل المثال، لا زال الشريط الروائي السويسري “Ernstfall in Havanna” محتفظا بالمرتبة الأولى في مستوى الإقبال حيث شاهده منذ شهر يناير 2002 أكثر من 309 آلاف شخص، فيما احتلت المراتب الثلاثة الموالية أشرطة .. وثائقية!
فالشريط الذي أعده المخرج فريدريخ كابلر عن حياة المطرب البرناوي ماني ماتير الشهير شاهده أكثر من 133 ألف متفرج إلى حد الآن، أما الشريط الذي يتحدث عن الكاتبة اليزابيث كوبلر-روس المتخصصة في تأليف كتب عن الحياة بعد الموت فقد استقطب إلى حد موفى شهر أبريل الماضي 61 ألف متفرج، فيما تحول أكثر من 40 ألف شخص لمشاهدة شريط “شق الطريق إلى الألفية الثالثة” وهو أحدث إنتاج للمخرج آريخ لانغجاهر الذي يمثل رؤية فلسفية للمتغيرات العالمية من خلال تأملات بعض الرعاة السويسريين.
أخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن شريط “مصور حرب” الذي وثق من خلاله المخرج السويسري كريستيان فراي يوميات الإنتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة قد شاهده ما لا يقل عن 16 ألف شخص في سويسرا بعد أن حصد العديد من الجوائز الدولية والمحلية.
أهتمام في الخارج .. أيضا!
ومع استمرار الظاهرة داخل سويسرا، يكشف الموزعون وأصحاب القاعات السينمائية الأجانب عن وجود اهتمام كبير لدى الجمهور بالأشرطة الوثائقية السويسرية لم يكن معروفا قبل خمسة أعوام فقط.
وتُشير فرانسين بوخر الخبيرة العاملة في المركز السويسري للسينما إلى أن النجاحات التي رافقت على سبيل المثال شريطي “مُصور حرب” و “قافلة الملح” في القاعات الأجنبية قد مهدت الطريق بوجه بقية الأشرطة الوثائقية السويسرية في أوروبا وخارجها.
و لا تُخفي هذه الخبيرة في السينما السويسرية أن استعمال اللغة الإنجليزية واختيار المواضيع الجذابة (مصور صحافي أمريكي في قطاع غزة أو مشاغل سكان إقليم التيبت) تلعب دورا أساسيا في تصدير عمل ما إلى الخارج.
ومما يؤكد اتساع دائرة الإهتمام والحفاوة بسينما الواقع السويسرية في الخارج إقدام الدورتين الأخيرتين لمهرجان برلين الدولي للسينما الشهير على اختيار أشرطة وثائقية لتمثيل سويسرا في التظاهرة والحضور القوي لهذه النوعية من الأفلام في المهرجان الثامن عشر للشريط الوثائقي الذي ينتظم في مدينة ميونيخ الألمانية من 3 إلى 10 مايو.
أسباب النجاح
ومع أن حجم الظاهرة يختلف من منطقة لغوية إلى أخرى، إلا أن الأنحاء المتحدثة بالألمانية تتفوق في هذا المجال على سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية لأسباب تاريخية أساسا.
لكن أسباب النجاح تظل متعددة. وتشمل حسب المتخصصين في القطاع الكثافة الهائلة لقاعات العرض الصغيرة ولنوادي السينما وإصرار المخرجين على الإستجابة لحساسيات الجمهور أو التوجه إلى فئة ضيقة منتقاة بعناية ووجود قدر من الشجاعة لدى عدد لا بأس به من الموزعين وأصحاب قاعات العرض.
من جهة أخرى، تلعب مختلف أنواع الدعم المالي والمادي المقدمة من طرف السلطات الفدرالية والمحلية لتشجيع الإنتاج السينمائي والمخرجين الشبان دورا هاما في تعزيز هذا التوجه.
ويشير البعض إلى أن الصعوبات الجمة التي تعترض عملية تمويل وإنتاج الأشرطة الروائية الطويلة تدفع المخرجين إلى تركيز جهودهم وإمكانياتهم المحدودة على الأشرطة الوثائقية.
وفيما تستمر المسيرة الظافرة للشريط الوثائقي السويسري داخل الكنفدرالية وخارجها، يخشى عدد من السينمائيين من انحسار الموجة في المستقبل. لذلك يدعو مدير مهرجان “رؤى من الواقع” المخرجين والمنتجين إلى تحمل مسؤولياتهم من خلال انتقاء صارم لمواضيع أشرطتهم وحرفية أكبر في جمالية أعمالهم.
وفي انتظار ما سوف تكشف عنه الأشهر المقبلة، تستعد دور العرض السويسرية لاستقبال شريطين وثائقيين مهمين في الخريف القادم. يحمل الأول عنوان “مهمّة في الجحيم” وهو تحقيق وثائقي أنجزه فريديريك غونسيث عن الصليب الأحمر في الفترة الفاصلة ما بين عامي 1942 و1943. أما الثاني فهو تحقيق عن الأخلاق السياسية السويسرية أنجزه المخرج جون ستيفان برون أثار الكثير من الهمس تحت قبة البرلمان في برن.
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.