وما ضرر الأبحاث على الخلايا البشرية؟
يشرع البرلمان الفدرالي السويسري في أواخر الشهر الجاري في بحث المشروع القانوني الذي يتعلق بحماية الجنين وباستخدام ما يعرف بالخلايا البشرية الجذرية، وسط الجدل المتكاثف في الأوساط الشعبية والعِلمية حول هذه المفاهيم.
يدور الجدل في الواقع حول مفهوم الحياة وحول اللحظة التي يمكن الحديث فيه عن “حياة إنسانية” في الجنين على وجه التحديد. وفي هذه النقطة بالذات تتشعب الآراء وتتضارب، خاصة حول استخدام الخلايا الجذرية الفائضة في الجنين لأغراض البحث العلمي والطبي.
ولفهم ما يدور من جدل في سويسرا، قد تجدر الإشارة إلى أن المنويّ الذكريّ يتسلل عادة إلى بويضة المرأة خلال الساعات الأربع وعشرين الأولى من لقاء الجنسين، وأن تلك البُويضة الملقحة تأخذ بالانشطار والتكاثر منذ اليوم الثاني لتكوين ما يعرف بالجنين.
في اليوم الخامس من الحمل تكون الخلية الأصلية الملقحة قد تكاثرت لتشكيل قمقم لا يزيد قطره على خُمس المليمتر يحتضن الخلايا الجذرية المتكاثرة والتي تتحكم في توليد كل عضو وكل كبيرة وصغيرة في الكائن البشري.
الكائن البشري المجهري ومشاكل الحماية له
ولا يلبث هذا الكائن المجهري ينمو حتى يظهر الرأس والأطراف في اليوم الثامن والثلاثين من الحمل، حينما لا تزيد قامته على السنتمتر الواحد لا غير.
إن الخلايا الجذرية البشرية المتكاثرة داخل ذلك القمقم تثير جشع العلماء والباحثين حول العالم على وجه العموم، وفي سويسرا على وجه الخصوص حيث تحظر القوانين السويسرية الحالية استخراج تلك الخلايا الأصلية لأغراض البحث العلمي.
وبما أن القانون السويسري لا يتضمن أية مادة تمنع بوضوح استيراد تلك الخلايا البشرية، فقد توجه فريق من العلماء والباحثين في جنيف العام الماضي، بطلب إلى السلطات الفيدرالية المعنية للسماح باستيراد بعض هذه الخلايا من المختبرات الأمريكية.
لكن السلطات رفضت هذا الطلب لعدم الرغبة في استباق توصيات اللجنة الفدرالية الأخلاقية الجامعة التي تتدارس هذا الموضوع، ولعدم الرغبة أيضا في استباق المشروع القانوني الذي تم إعداده لهذه الغاية والمطروح منذ نهاية الشهر للنقاش البرلماني في برن.
إن الجدل في هذه القضايا يعتبر من السهل الممتنع على ضوء الحقيقة العِلمية المعروفة وهي أن كل خلية من الخلايا الجذرية الجنينيّة الملقحة والفائضة التي يطمع في استغلالها بعض أهل العلم والمعرفة، قد تولد إنسانا أو ما شابه لو تُركت وشأنها.
الكرة في ملعب السياسة والسياسيين
وانطلاقا من هذه الحقيقة يعتبر البعض استخراج تلك الخلايا لأغراض البحث العلمي أو الطبي بمثابة “القتل”، ويعتبره البعض الآخر كعمل، لا بل كواجب إنساني إذا هدفت الأبحاث في هذا الميدان لشفاء أمراض مستعصية أو لاستنبات الأعضاء البشرية الضرورية لعمليات زرع الأعضاء.
وتقول الأوساط العِلمية التي تطمع في تحرير استخدام الخلايا الجنينيّة في سويسرا: إن الطفل المتنامي في الجنين لا يستهلك أكثر من عشرين في المائة من الخلايا الجذرية وأن الباقي سائر إلى الفناء والهلاك لا محالة.
ويقولون أيضا إن استخدام لولب منع الحمل أو فنون الإنجاب بالأنابيب، هما من الأمور المسموح بها والمقبولة في سويسرا رغم أنهما تؤديان لدمار كامل أو بعض الخلايا الأصلية التي قد تكون ذات فائدة للبحث العلمي.
وعلى هذا الصعيد، فان التصريح أو عدم التصريح باستخدام الفائض من خلايا الأجنة خاصة الأجنة المطروحة، يتداخل بحكم الواقع مع قضايا السماح أو عدم السماح بالإجهاض أو قضايا ما يعرف بقتل الرحمة التي تثير هي الأخرى جدلا كبيرا في سويسرا والخارج.
الشعب والاقتصاد ليسا على نفس الموجة!
ويميل الكثيرون للقول إن خير الأمور الوسط، والسؤال المطروح على أهل السياسة والسياسيين في البرلمان الفيدرالي السويسري هو في هذه الحالة، ما إذا كان هنالك حل وسط بين ضمير يقبل بهذه الأمور وآخر يرفضها رفضا قاطعا؟
وهذا ما ينتظره الرأي العام السويسري بفارغ الصبر، إثر النقاش المقرر منذ أواخر الشهر الجاري في البرلمان الفدرالي للمشروع القانوني المتعلق بالجنين والخلايا الجذرية، علما بأن الأبحاث في هذه الميادين تعتبر العمود الفقري لقطاع اقتصادي من أكثر القطاعات ربحا خلال العقدين القادمين من القرن الحادي والعشرين على ما يبدو.
سويس انفو – جورج انضوني
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.