وهذا سـجِـلّ مركزي آخر..
صادق مجلس النواب السويسري على قانون جديد ينشئ سجلاّ مركزيا موحدا للبصمات الجينية
وقد عكس الجدل الذي أثاره المشروع تمسك أغلبية محدودة بضرورات حفظ الأمن ومخاوف سبة لا يستهان بها من أية تجاوزات محتملة.
يأتي مشروع القانون الجديد المعروض على تصويت غرفتي البرلمان السويسري ليؤسس للشرعية القانونية الكاملة والنهائية للسجل المركزي المؤقت الذي بدأ العمل به في شهر تموز من عام 2000 بناء على مرسوم حكومي ذي صبغة انتقالية، والذي يضع قواعد موحدة لعمل سجلات البصمات الجينية الموجودة أيضا في العديد من الكانتونات.
في البداية لا بد من شرح أهم ما يتضمنه القانون الجديد وخلفية إعداده. فبعد موافقة البرلمان في السنوات القليلة الماضية على قوانين شبيهة متعلقة بتمكين أجهزة الأمن وقضاة التحقيق من حق التنصت على المكالمات الهاتفية ومراقبة الرسائل البريدية العادية والإلكترونية في حالات معينة، قررت الحكومة استصدار “القانون الفدرالي حول استعمال ملفات الخصائص الوراثية المترتبة عن استخدام تقنية الحمض النوويني «دي. إن. ايه» في إطار التحقيقات الجنائية ومن أجل تحديد هوية الأشخاص المجهولين أو المفقودين”.
وقد أكد النقاش الذي دار يوم الأربعاء تحت قبة البرلمان بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يعد بالإمكان الإستغناء اليوم عن البصمات الجينية كوسيلة علمية موثوقة لتحديد هوية مرتكبي الجرائم الفعليين ولتبرئة المشتبه بهم بصفة قاطعة. وعلى الرغم من أن 75 نائبا أيدوا (مقابل 54 عارضوا) معظم ما جاء في توصيات لجنة التشريع التابعة للمجلس، إلا أن الجدل احتدم حول بعض أوجه القانون المثيرة للمخاوف في بلد عانى من قضية الملفات السرية في موفى الثمانينات.
مخاوف المعارضين
فقد دعا عدد من النواب الإشتراكيين والخضر إلى تقليص الصلاحيات الواسعة المتاحة في القانون الجديد وخاصة ما تضمنه من وجوب أخذ البصمات الجينية لكل شخص يُـشتبه في ارتكابه لأي مخالفة أو جريمة مهما كان نوعها ووضعها في قاعدة البيانات المركزية وتنصيصه على الترخيص للجهات المعنية بأخذ العينات الضرورية لتحديد الخصائص الجينية من كل الأشخاص الذين يقضون عقوبة بالسجن تزيد عن العام، وذلك حتى في صورة عدم خضوعهم لأي تحقيق جنائي محدّد.
وذهب النائب الإشتراكي نيلس دو دارديل إلى التحذير من “إنشاء سجل ضخم للمشتبه بهم” وذكّـر بالمناسبة ببعض ممارسات الشرطة في مدينة زيوريخ التي تأخذ حاليا عينات من الحمض النووي «دي. إن. ايه» في عدد كبير جدا من الحالات مثل مخالفات السير أو لمجرد المشاركة في مظاهرات غير مرخص فيها.
وقد ضاعت احتجاجات العديد من المتدخلين من صفوف الخضر واليسار في خضم إصرار الأغلبية الساحقة لنواب التيارات اليمينية (باستثناء الليبيراليين) على توسيع مجال القانون ليشمل أكبر عدد ممكن من الحالات.
وعلى الرغم من إعراب المعارضين عن رفضهم الشديد لما أسموه بخطر “الهوس الأمني” الذي سيؤدي إلى ميلاد “شقيق أكبر” (Big Brother) يهدد الحريات الشخصية للسويسريين في المستقبل، إلا أن وزيرة العدل والشرطة وأغلبية أعضاء مجلس النواب الذين شاركوا في عملية التصويت لم يلقوا بالا لهذه الإحتجاجات.
تبريرات وزيرة العدل
وفي معرض ردها على المطالبين بوضع قائمة محددة بالجرائم الخطيرة التي تستوجب أخذ عينات من الحامض النوويني للمتهمين أو للمشتبه بهم، ذكّـرت وزيرة العدل والشرطة بقرار صدر في شهر مايو الماضي عن المحكمة الفدرالية في لوزان آعتبر أن أخذ عينات من الحامض النوويني (DNA) وتسجيل خصائصها في قاعدة بيانات لا تشكل أكثر من “مسّ خفيف بالحقوق الأساسية” للشخص المعني.
من جهة أخرى، وفّرت بعض القضايا الإجرامية الخطيرة التي شغلت الرأي العام السويسري في الأسابيع القليلة الماضية وقودا إضافيا ساعد المطالبين بتوسيع مجال المعنيين بالقانون الجديد. فقد اتضح مثلا أن الشرطة في مدينة برن نجحت في التعرف على هُـوية “قاتل منتصف الليل” (وهو مجرم اغتال فتاتين في إحدى الضواحي القريبة من العاصمة الفدرالية الصيف الماضي) وإلقاء القبض عليه بعد أن عثرت في قاعدة البيانات التي تستعملها على نفس الخصائص الوراثية لعينات أخذت في مواقع جرائم سابقة (سرقات صغيرة) ارتكبها نفس الشخص.
وعلى الرغم من أن نتيجة التصويت على هذه النقطة بالتحديد، أي عدم وضع قائمة مفصلة بالجرائم التي يُسمح فيها بأخذ عينات من الحامض النوويني (ADN) للمشبوهين، جاءت مؤيدة للرؤية الحكومية التي ترفض أي تقييد في هذا المجال، إلا أنها لم تزد عن 80 صوتا موافقا مقابل 76 من المعارضين.
وقد تعني هذه النتيجة أن الموقف سيتطور في اتجاه “مغاير” داخل مجلس الشيوخ الذي سينظر هو الآخر في القانون الجديد. ذلك أن الجدل القائم بين المطالبين بتوسيع استعمال الهويات الوراثية من أجل تعقب المجرمين والمتوجسين من إطلاق أيدي السلطات الأمنية والقضائية في هذا المجال لن يتوقف في المستقبل القريب.
وتظل المخاوف قائمة!
في هذا السياق جاء تمسك النواب – على عكس الرغبة الحكومية – بوضع بعض القيود على ما يُـسمّى بالتحقيقات الجنائية “الواسعة المدى” التي يمكن أن تشمل أعدادا كبيرة من الأشخاص. فعلى سبيل المثال، يتيح القانون الجديد إمكانية إخضاع مجموعة أو فئة معينة من السكان لعملية أخذ عينات من الحمض النوويني (DNA)، دون أن يكون هناك أي اشتباه محدد بأي فرد من هذه المجموعة.
هذه الإمكانية الواردة في القانون الجديد أثارت احتجاج عدد من النواب. إذ اعتبرت السيدة آن كاترين مينيتراي سافاري (وهي نائبة تنتمي إلى حزب الخضر) مثلا، أن المشروع ينطوي على توجهات لم تتردد في وصفتها بـ”العنصرية”. إذ سيكون بالإمكان مستقبلا اعتماد “لون البشرة” أو “الأصل العرقي” أو “بلد الميلاد” مقياسا لفتح تحقيق “واسع المدى” مثلما حدث في كانتون بازل حيث أُخضع جميع الأشخاص السود القاطنون في المنطقة لاختبار الحمض النوويني (DNA).
وعلى الرغم من مصادقة النواب في نهاية المطاف على إدراج هذه الإمكانية، إلا أنهم أرفقوها ببعض الشروط مثل قصرها على الجرائم الخطيرة واشتراط صدور أمر من جهة قضائية بإجراء الإختبارات في هذه الحالة.
أخيرا، تمكن أعضاء مجلس النواب من وضع سقف زمني أقصى لمدة الإحتفاظ بالمعلومات الوراثية المجمعة في قاعدة البيانات المركزية (30 عاما لمن تصدر في حقهم أحكام بالسجن). في المقابل سيتم مسح المعلومات المجمّعة عن الأشخاص المشتبه بهم الذين تثبت براءتهم بشكل آلي بدلا من انتظار صدور طلب محدد من الشخص المعني أو من الجهة التي أمرت بإجراء التحقيق، مثلما كان مقترحا في مسودة المشروع الحكومي.
وفي انتظار نتيجة تصويت مجلس الشيوخ، يتوقع مراقبون أن لا يتوقف الجدل حول أبعاد القانون الذي يثير مخاوف مشروعة لدى عدد من السويسريين الرافضين لأي حد من حرياتهم أو تلاعب بها، على الرغم من إقرارهم بضرورة استعمال كل الوسائل العلمية والتقنية المتاحة اليوم لضمان الأمن ومكافحة كل أشكال الإجرام.
سويس إنفو
في موفى شهر يونيو 2002 كان بنك المعطيات المركزي يحتوي على 18451 ملف للخصائص الوراثية والجينية
16024 من هذه الملفات مأخوذة من أشخاص يشتبه في ارتكابهم لجرائم
2427 من هذه الملفات لا يُعرف أصحابها نظرا لأنها واردة من آثار لمجهولين التقطت على موقع جرائم.
تم الكشف عن مرتكبي 522 جريمة بفضل المعلومات الموجودة في السجل من بينها 435 عمليات سرقة
لم يتم الكشف إلا عن خمسين جريمة تتعلق بالإعتداء على الحرمة البدنية للأشخاص بفضل المعطيات المتوفرة في السجل المركزي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.