مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ياسر عرفات في شهادات أصدقائه وأعدائه

كان الرئيس عرفات بالنسبة للكثيرين في داخل فلسطين وخارجها " أبا للأمة". Keystone

عبرت ردود الفعل الدولية في نعي وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على الأسف لاختفاء "رمز من رموز الثورة الفلسطينية" وشخصية "جسدت المطالب الوطنية للشعب الفلسطيني".

وفيما اعترف خصومه من أمثال شمعون بيريز بأنه “حقق الكثير من النجاح لما تحول إلى السلام”، إلا أنه “ارتكب الكثير من الأخطاء لما تحول إلى الإرهاب” على حد تعبيره.

منذ الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، توالت برقيات التعازي من مختلف قادة العالم لنعي شخصية طبعت الأحداث الدولية وأحداث الشرق الأوسط منذ أكثر من أربعين عاما.

فقد وصفه منافسوه بالأمس في داخل صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، من أمثال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نايف حواتمه” بالأخ ورفيق النضال”، وقال عنه “أن هذا القائد العظيم يجب أن يبقى إلى الأبد في ضمير شعبه، لأنه توفي وهو يدافع بشرف عن حقوق شعبه”.

أما رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات فوصفه بـ “شعار الصراع الوطني الذي ضحى بحياته في خدمة القضية الوطنية الفلسطينية”.

وحتى حركة حماس التي كانت مع الجهاد الإسلامي في خلاف مع الزعيم الفلسطيني حول عدد من القضايا، فقد نعته في بيان أصدرته بالمناسبة: “إن فقدان قائد عظيم سيعزز عزمنا ومثابرتنا على الجهاد والمقاومة في مواجهة العدو الصهيوني”.

إجماع دولي

وفي رد فعله على وفاة الزعيم الفلسطيني صرح الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان بأنه “سيبقى في الذاكرة إلى الأبد على أنه هو الذي قاد الفلسطينيين في عام 1988 إلى قبول مبدأ التعايش السلمي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية”. وعبر الأمين العام عن الأسف لأنه “لم يعمر ليرى تحقيق هذه الرؤية”.

البابا يوحنا بولس الثاني عبر على لسان الناطق باسمه عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في حزنه، واصفا الزعيم الفلسطيني بأنه “كان قائدا ذا شخصية قوية، أحب شعبه وحاول قيادته نحو التحرر الوطني”.

قادة القوى العظمى هم الآخرون لم يتأخروا في نعي الزعيم الفلسطيني. فالرئيس الأمريكي جورج بوش الذي فرض منذ وصوله إلى البيت الأبيض في عام 2000 مقاطعة شبه تامة لأية اتصالات مع الزعيم الفلسطيني، اعتبر بعد التعبير عن تعازيه للشعب الفلسطيني أن وفاة ياسر عرفات “تشكل منعطفا هاما في التاريخ الفلسطيني”. ووجه نداءا في هذه المرحلة الانتقالية إلى “كافة أبناء المنطقة والعالم من أجل تحقيق تقدم نحو السلام”، معبرا في الوقت نفسه عن الأمل في “أن يجلب المستقبل للشعب الفلسطيني السلام وتحقيق تطلعاته في قيام فلسطين مستقلة وديمقراطية ومتعايشة في سلام مع جيرانها”، مثلما ورد في بيان الرئيس الأمريكي.

وزير خارجيته كولن باول اعتبر أن عرفات “يمثل في نظر الفلسطينيين أمل وحلم تحقيق دولة فلسطينية مستقلة”، وأضاف قائلا: “سنقوم بكل ما في وسعنا لدعم ومساعدة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الانتقالية من أجل تحقيق السلام”.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف من جهته الزعيم الفلسطيني بأنه “شخصية سياسية ذات مكانة عالمية”، واعتبر وفاته بمثابة “خسارة كبرى للقيادة الفلسطينية ولكل الفلسطينيين”. في حين اعتبر الرئيس الصيني هو جينتاو الزعيم الفلسطيني “شخصية سياسية لامعة وقائدا مرموقا لم يتوان في الكفاح العادل من أجل استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.

إسرائيل تنظر لما بعد عرفات

على صعيد آخر، حاولت التصريحات الصادرة عن القادة الإسرائيليين إثر الإعلان عن وفاة الزعيم الفلسطيني تجنب الحديث عنه مباشرة بالتركيز على “ما بعد عرفات”.

فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون أن “وفاة عرفات قد تشكل منعطفا تاريخيا في الشرق الأوسط”، ووضع رئيس الوزراء الإسرائيلي جملة من الشروط في شكل تمنيات حيث عبر عن الأمل في أن “تفهم القيادة الفلسطينية التي ستخلفه بأن إحراز تقدم في العلاقات مع إسرائيل وحل المشاكل العالقة مرهون أولا وقبل كل شيء بالحرب ضد الإرهاب التي عليهم خوضها”، مثلما جاء في تصريحه.

أما شمعون بيريز الذي كان شريكا لعرفات في الحصول على جائزة نوبل للسلام في عام 1994 مع إسحاق رابين فقد اعترف بأن عرفات “كان شريكا في مرحلة من الطريق (طريق السلام) باعترافه بإسرائيل في حدود عام 1967″، إلا أن بيريز انتقده قائلا: “لكنه ارتكب خطأ بانتهاجه نهج الإرهاب وهو ما ندفع ثمنه جميعا”، مشيرا إلى أن وفاة عرفات “تفتح صفحة جديدة وتشكل فرصة تاريخية” من أجل التوصل إلى تسوية، حسب اعتقاده.

في المقابل، أصدر مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة بيانا يعبر فيه عن “الابتهاج لوفاة قاتل اليهود” حسب نص البيان، فيما عبر وزير العدل الإسرائيلي يوسف لابيد عن “ارتياحه لتخلص العالم من الزعيم الفلسطيني”.

خصال شخصية ” يكثر انتقادها”

سويسرا نعت وفاة الرئيس الفلسطيني على لسان وزيرة الخارجية ميشلين كالمي- راي التي قالت عنه: “إنه كان شخصية يكثر انتقادها ككل الشخصيات القوية، وشعارا للهوية الفلسطينية”.

وفيما يتعلق بالحكم على حصيلة إنجازات الرئيس الفلسطيني، فضلت الوزيرة السويسرية ترك ذلك “للتاريخ وحده ” مضيفة بأنه “لم يتمكن من تحدي القدر وإبرام السلام”. وقد عبرت وزير الخارجية السويسرية، التي ستمثل سويسرا في حفل تشييع جنازة الرئيس الفلسطيني في القاهرة، عن “الأمل في أن يتم تنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية وحرة ونزيهة في غضون الستين يوما كما تنص على ذلك القوانين الأساسية للسلطة الفلسطينية”.

من جهته وصف الرئيس السويسري جوزيف دايس الذي يقوم حاليا بزيارة رسمية إلى المكسيك، الرئيس الفلسطيني بـ “الشخصية الكاريزمية والمنفتحة”. وقال السيد دايس في تصريح له من العاصمة المكسيكية: “إن سويسرا لعبت دائماً دورا في البحث عن حل سلمي لنزاع الشرق الأوسط”.

وكان رد فعل التنظيمات السويسرية والجمعيات متباينا شأنه في ذلك شأن ردود الفعل الدولية، حيث عبر أحمد بناني، رئيس المرصد الدولي لقضية فلسطين عن “المرارة لما حل بالمناضل القديم، وبالشعب الفلسطيني”، متهما “كبار هذا العالم وبعضا من صغاره، بحجب الحقيقة عن الشعب”.

أما عضو جمعية الصداقة السويسرية الفلسطينية بيتر لوينبيرغر فقال: “إنها خسارة بالنسبة لكل الذين تهمهم حقوق الشعب الفلسطيني”، وشكك السيد لوينبيرغر في أن تشكل وفاة عرفات “فرصة جديدة للسلام في الشرق الأوسط”.

وفي رد فعل الفدرالية السويسرية للجمعيات اليهودية تم التذكير بـ “أن 18000 من أعضاء الجالية اليهودية في سويسرا اعتبروا دوما ياسر عرفات بمثابة دعم للإرهاب”، ورأى نائب رئيس هذه الجمعية توماس ليسيسون أن وفاته “تبعث أملا داخل كل أعضاء الفدرالية الراغبون جميعا في تحقيق السلام في إسرائيل”، على حد قوله.

من جانبه اعتبر الصحافي بيار هازان السويسري اليهودي، وإحدى الشخصيات التي كانت وراء إطلاق مبادرة يهودية عربية مشتركة في سويسرا تمثلت في “حركة من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط”، أن اختفاء عرفات يمثل “تحديا جديدا بالنسبة للفلسطينيين. فهو كان بمثابة أب الأمة. وباختفائه على الفلسطينيين البرهنة بأنهم قادرون على البقاء موحدين وهو ما يبدو غير مؤكد”.

أما بالنسبة لتأثير ذلك على الجانب الإسرائيلي فيرى بيار هازان ان “الفئات الأكثر تطرفا قد فقدت العدول المفضل لديها”، لأن بقاءه كقائد عسكري “كان يقدم لهم ذريعة من أجل عدم الدخول في المسار السلامي”.

من جهته، رأى الصحفي السويسري المخضرم ارنولد هوتنغر أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي ليست لديه قناعة بضرورة الدخول في مفاوضات مع زعيم فلسطيني جديد”، وعبر هوتنغر عن مخاوفه من أن يؤدي اختفاء عرفات إلى دفع آرييل شارون الى “تمزيق صفوف الفلسطينيين أكثر فأكثر”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية