يظل الماء ثروة نادرة
أفاد تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، بأن الافتقار لماء الشرب يؤدي سنويا لوفاة 2،2 مليون شخص في العالم.
ويؤكد التقرير أن توفر المياه الصالحة للشرب ليس أمرا مفروغا منه، حتى في البلدان المصنعة
تغطي المياه ما يقرب من 72% من سطح الكوكب الأزرق، لكن نسبة تقل عن 3% فقط من هذه المياه تعتبر صالحة للشرب، إذ يتعرض الباقي لمختلف أنواع التلوث دون أن تتوفر الإمكانيات الضرورية لتنظيف أو ترشيح المياه الملوثة في جميع بلدان العالم.
ومما لا شك فيه، أن تلوّث المياه قد أخذ أشكالا خطيرة منذ تفجّر ما يُعرف بالثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر، وأن هذا التلوث قد زاد خطورة في ركب ما يعرف بالثورة التكنولوجية التي فتحت آفاقا جديدة أمام صناعات تأتي دوما بأصناف جديدة وخطيرة من التلوث، كالصناعات الكيميائية.
ومع مرور الزمن، فاق العالم على حقيقة مُرّة وهي أن مياه العالم تشكل وحدة موحّدة لا تتجزأ، وأن التلوث لا يتوقف عند أية حدود سياسية أو طبيعية، وأن الكرة الأرضية أصبحت مريضة بجميع أنواع التلوث المتصاعد للماء والهواء والتربة بطريقة لا تهدد المياه السطحية فحسب، وإنما المياه الجوفية أيضا.
كان هذا التلوث العام الموضوع الأساسي لقمة الأرض، التي انعقدت في البرازيل في يونيو عام 1992. أما تلوث المياه، فكان الموضوع الرئيسي للقمتين اللتين تعاقبتا في عامي 2000 و2002، بهدف البحث عن حلول لأزمة المياه في العالم، خاصة في البلدان الفقيرة.
ويستفاد من تقرير اليونسكو أن توفير مياه الشرب ليس مشكلا من المشاكل الدولية فحسب، وإنما من المشاكل التي قد تتواجد داخل نفس البلد الواحد، حيث يتم توفير المياه الصالحة للشرب لبعض التجمعات السكنية الثرية، ولا يتم توفيرها للتجمعات الفقيرة أو للأرياف.
ويستفاد من التقرير، أن توفير المياه الصالح للشرب يتطلب بضع عشرات المليارات من الدولارات سنويا للتقليل من عدد الناس المحرومين من المياه الزلال في العالم بمقدار النصف في عام 2015 حسب تعهدات المؤتمر الدولي الذي انعقد عام 2002 في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا.
المليارات لتطهير المياه المستخدمة
تنفق سويسرا، التي تحتل مكانة طلائعية بين البلدان الصناعية والثرية في العالم، المليارات عاما بعد عام على العشرات من محطات تكرير أو ترشيح المياه المستخدمة في المنازل والمصانع وغيرها بالطرق الميكانيكية والبيولوجية في مختلف أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من ذلك، لا تحتل سويسرا إلا المكانة السادسة عشرة في قائمة اليونسكو للبلدان التي توفر أفضل مياه الشرب في العالم والتي تتقدمها فنلنداالتي جاءت في المرتبة الأولى من حيث جودة مياه الشرب فيها.
وحسب إحصائيات عام 1996، زادت نسبة المنازل المتصلة بمنشآت معالجة وتنظيف المياه الملوثة تلوثا خفيفا في سويسرا على 94%، علما بأن جميع المنشآت الصناعية التي تستخدم المياه كانت ولا تزال ملزمة باحترام جملة من القوانين البيئية التي تسمح بتمرير بعض المياه المستخدمة إلى محطات التكرير، وتفرض معالجة الباقي بوسائل أخرى.
والمعروف أن المياه المستخدمة في المنازل والمكاتب وغيرها من المباني والمنشآت غير الصناعية، في حاجة للتكرير والمعالجة من القاذورات الكيميائية والبيولوجية، خاصة من مركبات الفوسفات والنترات الشائعة الاستخدام في مساحيق الغسيل والمتواجدة في المنتوجات الغذائية والزراعية.
لكن خبراء الدائرة الفدرالية السويسرية لرصد البيئة والغابات والمناظر الطبيعية يؤكدون، رغم التقدم التقني الملحوظ في مجال تطهير المياه، أنه لا توجد أية منشآت صناعية قادرة على تنظيف المياه المستخدمة في المدن من مخلفات الأدوية والمستحضرات الكيميائية.
ويشير هؤلاء إلى أن الاهتمام في سويسرا وفي بلدان صناعية أخرى يتركز على مركبات يتعسّر إخراجها من الماء المستخدم، كالمركبات الهرمونية والمضادات الحيوية التي أخذت تأثيراتها السلبية تتضح منذ مدة على أسماك البحيرات والأنهار التي تستقبل المياه “النظيفة” بعد المعالجة في محطات أو منشآت معالجة المياه المستخدمة.
المياه ثروة قد يعفو عليها الزمن!
وسواء في سويسرا أو خارجها، فإن مشكل توفير المياه الصالحة للشرب هو مشكل سياسي واقتصادي في الدرجة الأولى، وهو أيضا مشكل دولي على ضوء الترابط العضوي بين المحيطات والبحار والأنهار وشرايين المياه الأخرى في العالم.
لكن هذا المشكل يأخذ حاليا أبعادا صحية مأساوية، إذا أخذ المرء بعين الاعتبار الفجوات المتزايدة بين الشمال والجنوب، وبين التجمعات السكنية الثرية والفقيرة في نصفي الكرة الرضية. وتعود معظم المشاكل الصحية في التجمعات والأحياء الفقيرة حول العالم لتلوث المصادر المائية ولعدم وجود الأنظمة الضرورية لتطهير تلك المياه من التلوث.
هذا ما تذكِّـر به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في تقريرها الأخير الذي يدعو الدول وكافة الجهات المختصة في بلدان المعمورة لبحث هذا المشكل في قمة عالمية ثالثة تعقد في النصف الثاني من شهر مارس الجاري في كيوطو باليابان.
جورج أنضوني – سويس إنفو
يؤكد تقرير اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، أن 2،2 مليون شخص يروحون سنويا ضحية الفقر للمياه الصالحة للشرب في العالم، وأن الوضع لم يتحسن كثيرا منذ المؤتمر الدولي الذي انعقد في عام 2000 وتعهد بتوفير المياه الصالح للشرب لنصف سكان المعمورة بحلول عام 2015
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.