“يمن تايمز”.. قصة نجاح مثيرة
يُـعد حصول صحيفة "يمن تايمز" الصادرة باللغة الإنجليزية على جائزة المعهد الدولي للصحافة مؤخرا، تتويجا لجهود طويلة من المثابرة.
فقد ظلت هذه الصحيفة عنوانا بارزا للتحولات التي يعيشها اليمن منذ قيام الوحدة بين شطري البلاد والتوافق على الخيار الديمقراطي والتعددية الحزبية وحرية التعبير.
منذ أن تأسست الصحيفة عام 1991، عاصرت أحداث وتحولات مهمّـة جعلتها، تارة في دائرة نقد السلطة، وتارة أخرى موضعا لعدم رضى المعارضة، فيما اكسبها نهجها سُـمعة دولية مكّـنتها من حصد العديد من الجوائز، آخرها جائزة عام 2006 للمعهد الدولي للصحافة في فيينا.
ومع أن هذه المطبوعة، التي تصدر مرتين في الأسبوع، يحكمها منطق الربحية كمؤسسة تابعة للخواص، إلا أنها مافتئت تتصدّر للعديد من القضايا التي جلبت لها الكثير من المتاعب والإعجاب تارة أخرى، وهو ما جعلها تبدو للكثير من المتابعين، حينا مرنة طيّـعة، وحينا آخر جريئة.
غير أن هناك من يميّـز بين مرحلتين في مسار العمل الصحفي لهذه المطبوعة، يمتدّ عملها الصحفي الأول منذ تأسيسها على يد الدكتور عبد العزيز السقاف وحتى وفاته عام 1999، والثانية تولّـي أنجاله من بعده إدارة وتسيير هذه المؤسسة الإعلامية، التي تتولّـى رئاسة تحريرها حاليا إبنته نادية، والتي واصلت المسيرة التي بدأها والدها باقتدار، مقدمة نموذجا فريدا للمرأة التي استطاعت إدارة مؤسسة إعلامية في ظروف حرجة وصعبة لعمل المرأة كمسؤولة على قطاع مثير للمتاعب.
قـبل وبـعد وفاة مؤسس الصحيفة..
قال محمد حاتم القاضي، مدير التحرير السابق للصحيفة في شرحه لتجربة الصحيفة لسويس انفو: “مسيرة صحيفة يمن تايمز مسيرة حافلة بالإنجازات الحرية بالإعجاب. فقد كانت سبّـاقة من بين الصحف التي تصدرت لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة ومكافحة الفساد والتعذيب. وواجهت جرّاء ذلك العديد من المشاكل في عهد الراحل عبد العزيز السقاف، وكانت أيضا من أولى الصحف التي تعرّضت للمحاكمة”.
ويستطرد القاضي قائلا: “وطّـدت الصحيفة مكانتها أكثر بفعل المصداقية والشجاعة والجُـرأة التي غلبت عليها في وقت سابق، واكتسبت ثقة كبيرة عند الرأي العام، الداخلي والخارجي، مما جعلها مصدرا للكثير من المهتمين والمتابعين للشؤون اليمنية، ومصدرا مهمّـا لوسائل الإعلام والصحافة الدولية عند تناولها للقضايا والشؤون اليمنية، ويُـعزى ذلك إلى شخص الدكتور عبد العزيز السقاف، الذي كان يتحلّـى بالشجاعة والجُـرأة، فضلا عن أنه كان صاحب مبادرات خلاقة وقدرات واسعة”.
عند المقارنة بين مرحلتين من عمر هذه الصحيفة، يذهب أحد من المراقبين إلى أن الصحيفة تراجعت كثيرا عمّـا كانت عليه في عهد مؤسسها الراحل عبد العزيز السقاف. ويسجّـلون في هذا الصدد أنها مالت إلى المُـداهنة وعدم الخوض، فيما قد يؤلب عليها السلطات، وتخلّـت عن الكثير من الجُـرأة المعهودة التي اتّـسمت بها طيلة سنوات إدارتها من قبل صاحبها ومؤسسها الراحل.
وفي معرض تعليقه على ذلك، يقول محمد القاضي، الذي يبقى أحد أهم كتاب الصحيفة، رغم تخلّـيه عن منصبه كمدير تحرير: “فعلا تأثرت الصحيفة كثيرا بوفاة مؤسسها عبد العزيز السقاف وتراجع مستوى أدائها بدرجة ملحوظة، خاصة خلال السنوات الأخيرة. لكن رغم التراجع الحاصل، تظل هذه المطبوعة تؤدّي دورا كبيرا، لاسيما في إيصال رسالة ومادّة إعلامية عن اليمن باللغة الإنجليزية إلى العالم الخارجي ذات مصداقية”.
ويخلص مدير التحرير السابق إلى القول: “أتمنى أن تستوعب الصحيفة حجم التغييرات الحاصلة في الواقع اليمني، ويتنبّـه القائمون عليها إلى الثقة التي حازتها الصحيفة على النطاق الدولي بحصولها على جوائز تقديرية من مؤسسات هامة، وبالتالي، عليها أن تظل وفيّـة لقضايا التغيير والحداثة وحقوق الإنسان والمواطنة، كما كانت في السابق، فضلا عن التركيز على الجانب المِـهني، لأن الصحيفة الصادرة باللغة الإنجليزية بحاجة إلى جُـهد مضاعف في التحرير الصحفي، لأن الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية عندما يقوم بها غير المتخصصين في الكتابة الصحفية، غالبا ما يخِـلون بالمعنى المقصود، وهذه من نقاط ضعفها الحالية”.
جوائز، تساؤلات وانتقادات
من جهتها، قالت نادية السقاف، رئيسة تحرير الصحيفة لسويس انفو: “السمعة التي تحظى بها صحيفتنا تعود إلى تحرّّيها التوازن والموضوعية في عملها الصحفي، حيث نتجنّـب الانحياز لأي طرف، سواء كان في السلطة أو المعارضة، وهذا منحنا مصداقية كبيرة مكّـنتنا من الحصول على العديد من الجوائز التقديرية، آخرها جائزة المعهد الدولي خلال هذه السنة، وقبلها جائزة النادي الدولي للصحافة عام 1995 في عهد المرحوم والدي، تقديرا لها على تغطية حرب 1994، ثم حصولنا العام الماضي مع قناة الجزيرة على أعلى جائزة.
إلى ذلك، اعتبرت الأوساط الصحفية اليمنية تكريم الصحيفة الناطقة بالإنجليزية تكريما للصحافة اليمنية ككل. إلا أن هناك من يذهب من بين تلك الأوساط إلى القول أن التّـركيز على صحيفة ناطقة بالإنجليزية وتجاهل الصحف اليمنية الأخرى الصادرة بالعربية، يطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان التكريم للمهنة ومخاطرها أم للوسيلة ولغتها، مشيرين إلى أن هناك العديد من الصحف الصادرة بالعربية لا تقل شأنا عن صحيفة “يمن تايمز”، لكنها لم تحظ بتقدير مماثل، مما يُـلقي بظلال من الشكوك حول المعايير القيمة والمبدئية المتعلقة بإشاعة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وكل ما من شأنه أن يفضي إلى خلق صحافة حرّة، وفقا للمعطيات والإمكانات التي تعمل فيها مختلف الصحف، والتي تختلف من بلد إلى آخر، وِفقا لتطوّره وتقدّمه، خاصة أن الكثير من الصحف اليمنية الصادرة باللغة العربية، قدّمت وتقدِّم، منذ إعلان العمل بالخيار بالنهج الديمقراطي عام 1990، أعمالا وموادَّ صحفية جديرة بالاحترام والتقدير، فضلا عن أنها تضطلع بدور هام في نشر القِـيم الحقوقية والحداثة والمواطنة والديمقراطية، وتعمل في ظروف مادية وفنية صعبة إلى حد كبير، وكثيرا ما يتعرّض بعضها إلى مضايقات إدارية وملاحقات قضائية، لكنها لم تحظ بتقدير، لا داخلي ولا خارجي.
الجائزة ليست لــلُّغة!
وفي تعليقها على الرأي القائل بأن اللغة التي تصدر بها الصحيفة هي التي خوّلتها الحصول على الجائزة، تقول رئيسة تحريرها نادية السقاف: “الجائزة التي حصلنا عليها العام الماضي في دبي إلى جانب قناة الجزيرة، وهي وسيلة إعلام ناطقة بالعربية، يعني أن اللغة ليست هي الأهم، وإنما العمل المهني والصحفي الذي تلتزم به الصحيفة أو وسيلة الإعلام، هو الذي يؤهّـلها لنَـيل مثل تلك الجوائز، كما هو حال صحيفتنا التي حازت مؤخرا على جائزة المعهد الدولي للصحافة”.
من المؤكد أن ثمة مُـعطيات عدّة أضْـفت على هذا الحدث معنى له دلالاته، خاصة عند استحضارهم ما جاء في البيان الصادر عن المعهد الدولي للصحافة عقب إعلانه فوز الصحيفة اليمنية بجائزته.
فقد لخّـص باقتضاب الوضعية التي تعيشها الصحافة في المنطقة برمّـتها، موضحا أن منح الجائزة يتزامن مع تعرض صحف مستقلة ومعارضة للإقفال والملاحقات الإدارية والقضائية لصحفيين يغطّـون مواضيع حساسة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومضيفا أن حصول يمن تايمز على جائزته تعود إلى كونها تصدر في قسم من العالم معروف بأن حكوماته، عادة ما تفرض قيودا قاسية على الصحافة، تميّـزت بتقديمها معلومات محددة وموثوقة إلى قرائها عن اليمن ومنطقتها.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.