“اتحاد العلماء” وسنتان من الأزمات
تسبّـبت واقعتا نشر الرسوم الكاريكاتورية المُـسيئة للرسول محمد (ص) ومحاضرة البابا بنديكتس السادس عشر، في التعجيل بالظهور الإعلامي لـ "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
وكان الاتحاد الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي قد تأسس منذ أكثر من عامين، كمُـمثل للمسلمين في العالم وأيضاً كمُـدافع عن الإسلام ورسوله وكتابه (القرآن).
تسبّـبت واقعتا نشر الرسوم الكاريكاتورية المُـسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في صحيفة “يولاندز بوسطن” الدانمركية، ثم محاضرة البابا بنديكتس السادس عشر، بابا الفاتيكان وما حَـوته من عبارات اعتبرها المسلمون “مُـسيئة للرسول والقرآن”، في ظهور “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، الذي تأسس منذ أكثر من عامين، كمُـمثل للمسلمين في العالم وأيضاً كمُـدافع عن الإسلام ورسوله وكتابه (القرآن).
وحسبما يقول رئيس الاتحاد الدكتور يوسف القرضاوي فإنه: “ممّـا زاد الحاجة إلى إقامة الاتحاد، ما يتعرَّض له الإسلام وأمّـته من مِحن ومظالم، وفي مقدمتها: أنه قد أصبح موضوعًا في قَـفص الاتهام مُـتَّهماً بالعنف والإرهاب واضطهاد الأقليات وظلم المرأة وكبت الحريات ورفض الديمقراطية، وعليه أن يدافع عن نفسه أو أن يوكِّـل مَن يدافع عنه ليُبرِّئ ساحته، والعلماء هم الوحيدون الموكَّـلون من الله تعالى للدفاع عن دينه”.
2500 عضواً بعامين
ومن جهته، يوضح المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن “الاتحاد الآن وبعد مُـضي عامين أصبح يضُـم 2500 عضواً من الأشخاص والجمعيات، بينهم نحو مائة جمعية، كل منها تمثل علماء بلدها مثل: جمعية علماء السودان وجمعية علماء غزة وجمعية علماء فلسطين ببيت المقدس واتحاد علماء بلاد الشام والحملة العالمية لنصرة الرسول والحملة العالمية لمقاومة العدوان واتحاد علماء ماليزيا واتحاد علماء إندونيسيا إلخ…
ويقول العوا في حديث خاص لسويس إنفو: يتكوّن الاتحاد من (مجلس الأمناء)، قوامه 50 عالماً من جميع أنحاء المعمورة، كما يضم “المكتب التنفيذي”، الذي يتكوّن من 10 علماء من 10 دول وهي: مصر وقطر وموريتانيا وإيران وعمان وتونس وسوريا والسعودية والسودان ولبنان.
ويشير الدكتور العوا إلى أن الاتحاد قد نشط خلال العامين الماضيين في العديد من القضايا الكبرى وفي مقدّمتها: الحرب الإسرائيلية على لبنان وموضوع الفتنة الطائفية بين السُـنة والشيعة بالعراق والرسوم الدانمركية المُـسيئة، ثم تصريحات البابا المسيئة ومن قبلها مشكلَـتي دارفور وموضوع الرهائن والمختطفين الأجانب بالعراق.
ويوضّـح الأمين العام للاتحاد أنه، على الرغم من أن الاتحاد لم يمُـر على تأسيسه سوى عامين، إلا أنه قدّم مُـنتهى ما استطاع عمله في ضوء الإمكانات البشرية والمادية التي أتيحت له، مشيراً إلى أننا “نرحب بأي جُـهد مضاف وبأي نصيحة مُـخلصة وبأي دعم معنوي أو مادي، كما نرحّـب بأي نقد بناء”.
رأس بلا جسد
ونفى الدكتور العوا أن يكون الاتحاد رأساً بلا جسد، معتبراً أنه “رأس يُـعبّـر عن جسده، كما يعبّـر اللسان عن سائر الإنسان”، كما نفى الاتهام بجنوح الاتحاد للسياسة وأنه صار أشبه ما يكون بحزب سياسي، وقال: “ما أودّ أن أؤكّـد عليه أن “الاتحاد تأسّـس ليكون مرجعية شعبية للمسلمين، ومن ثم فهو ينشغل بما ينشغلون به، كما أنه لا يمثل دولة أو حزباً أو جماعة، وإنما يمثل المسلم البسيط في أنحاء المعمورة”.
واستدرك العوا قائلاً: “لا نستطيع أن ندّعي أننا راضُـون عن أداء الاتحاد مائة بالمائة، فما زال الاتحاد ناشئاً لم يستكمل كل مقوّماته، وما زالت هناك مجالات نحن مقصرّون فيها لأسباب كثيرة منها: عدم التمثيل الكامل للكثير من الأقطار، وبُـعد المسافات بين الأعضاء وعدم وجود عناصر مُتفرِّغة، بالإضافة إلى عدم القُـدرة المالية المُـلائمة لحجم المطلوب”.
واختتم حديثه قائلاً: “إن من أهم ما ينبغي أن نركِّـز عليه في المستقبل هو: تأسيس مكاتب وفروع للاتحاد في كل دولة أو إقليم وإصدار بعض الكُـتب، ممَّا له قيمة معيَّنة في موضوع مطلوب وإصدار نشرات شهرية ومجلة دورية علمية، تعني بالجوانب العلمية والفكرية، فضلاً عن ضرورة إنشاء “وقف إسلامي” ليكون مددًا ماديا دائما للاتحاد يحرره ويفرغه لمهامه الكبرى التي أنشئ من أجلها”.
لا يملك إلا “الكلمة”
ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا إلى أن “الاتحاد يرأسه أحد العلماء المعاصرين، الذين يتميّـزون بالقُـدرة الكبيرة على فهم أوضاع المسلمين في العالم، وهو الدكتور يوسف القرضاوي. فبجانب وعيه السياسي، فهو أحد الفقهاء المعدودين، وعندما تمُـر الأمّـة بموقف ما، فإنه يُـصدر البيان المُـلائم دون إفراط أو تفريط”.
ويقول عثمان في حديث خاص لسويس إنفو: “لا نستطيع أن نحمّـل أي هيئة أو مؤسسة فوق ما تطيق، والاتحاد في النهاية، لا يملك إلا “الكلمة”، فهي وسيلته للتعبير عن موقف العلماء إزاء أمر من الأمور التي تمَـس الإسلام أو المسلمين، فالعلماء هم حملة القلم، وماذا يملك العلماء سوى القلم”؟، والاتحاد يمثل الطوائف الإسلامية الكبرى، مثل أهل السنة والشيعة الإمامية (وهو المذهب السائد في إيران)، والذي يمثلهُ الشيخ محمد علي التسخيري، وهو أحد الفُـقهاء الكبار الذين نجلّـهم ونقدرهم، وأيضا من بين مجلس الأمناء فضيلة الشيخ أحمد خليلي مفتي عمان، ممثلاً للمذهب الأباضي. غير أنه أيضا يجب على الاتحاد الذي يجمع العلماء الذين يمثلون الطوائف الكبرى من المسلمين، أن يكون في صَـدارة الأمة، يعبّـرون عن موقفهم أو رفضهم إهانة الإسلام والتقليل من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو إيذاء مشاعر المسلمين”، على حد تعبيره.
اتحاد عابر للدول
ويوضّـح المفكر المصري، الدكتور رفيق حبيب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في القاهرة، أن “دور الاتحاد يظهر جلياً في الأزمات، فضلاً عن أن فكرة وجود عمل جماعي مؤسسي لعلماء المسلمين أمْـر مُـهم، وعليه أن يقدم رُؤى فقهية تأخُـذ في اعتبارها اختلاف الزمان والمكان. فليست كل فتوى تصلح لكل مكان وزمان، فضلا عن ضرورة قيامه بدور شامل يتلاءم مع طبيعته كاتحاد عابر للدول.
ويقول حبيب في حديث خاص لسويس إنفو: “الدور المركزي الذي يجب أن يقوم به الاتحاد، يتلخّـص في ضرورة أن يبرز إجماع العلماء وأن يكون له تأثير نافذ على العامة، وخاصة في الفتاوى التي تَـنطلق هنا وهناك وتثير فوضى كبيرة، وهو أمر كان من المُـفترض أن تقوم به المؤسسات الرسمية، كالأزهر في مصر مثلاً وأن يكون أشبه ما يكون بـ “نقابة لعلماء المسلمين في العالم”.
ويُـبيّـن حبيب أن “اقتراح توسيع عضوية الاتحاد ليشمل كل العلماء في كل أنحاء العالم، أمر مستحيل، وذلك لأسباب كثيرة، منها اختلاف الرؤى والانتماءات والفهم لقواعد الدين، إضافة إلى أنه من المُـفترض أن يكون الاتحاد تجمُّـعاً للعلماء أصحاب الفكر والفقه المُـستَـنير، وأعتقد أنه من الأفضل للاتحاد ألا يتوسّـع في ضمّ كل العلماء، حتى لا يكون ذلك عائقاً له عن إنجاز مهامّـه”.
الاتحاد بمواجهة البابا
وبخصوص موقف الاتحاد من تصريحات البابا بنديكتس السادس عشر، بابا الفاتيكان، يؤكد الدكتور حبيب أنه ليس صحيحاً أن الاتحاد قد صعّـد الأمر دون مُـبرّر، ويوضح أن ما قام به الاتحاد هو رسالة لكل القوى التي أصبحت تستهدف الأمّـة الإسلامية. ويرى أنه بسبب موقف الاتحاد، “شعرت الأطراف الأخرى أن هناك أمة قادرة على اتخاذ مواقف مؤثرة، وخاصة بعد موقفه من أزمة الرسوم وكذا التصريحات المُـسيئة”.
فقد مارس الاتحاد ضُـغوطاً على مؤسسة الفاتيكان، وشعرت هذه المؤسسة – للمرة الأولى – بثقل الاتّـحاد ومكانته، حيث جاء ردّ فعل الاتحاد على تصريحات البابا على مستويات عدة. ففي البداية، ترك الاتحاد للبابا الباب مُـوارباً ليبادر بالاعتذار فينتهي الأمر، ولما ثبَـت أنه مُـصرّ على موقفه ورافض للفرصة، بدأ الاتحاد يصعّـد، فأعلن وقف وتجميد الحوار مع الفاتيكان ومنحه فُـرصة أخيرة لسحب العبارات المُـسيئة من محاضرته.
ويضيف حبيب: “فلما رفض البابا سحْـب العبارات وأصَـر على موقفه، دعا الاتحاد كافة المسلمين في العالم إلى “جُـمعة غضب رشيد”، اعتراضاً على إساءة البابا.
القاهرة – همام سرحان
بدأ التفكير في المشروع في عام 1980 بفكرة من الدكتور “علي فخرو” الذي كان يشغل وقتها منصب وزير المعارف في البحرين، حيث تحدث بشأنها مع الدكتور العوا وفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي على هامش ندوة – حول النظم الإسلامية – كانت منعقدة هناك.
ثم تجدد الحديث عن المشروع لأكثر من مرتين مع كل من الدكتور القرضاوي والشيخ الغزالي رحمه الله والدكتور توفيق الشاوي، وبدأ القرضاوي يراسل العلماء والمفكرين الإسلاميين المعروفين بتوجهاتهم التجديدية، ويدعوهم للانضمام للاتحاد حتى جمع 300 توقيعا.
قضية فلسطين:
كان الاتحاد مع قضية فلسطين دائمًا وأبدًا، لا يُغفلها في أي بيان من بيانات مجلس أمنائه، وعقد مؤتمرًا بالدوحة بعنوان (ملتقى علماء المسلمين لنصرة شعب فلسطين)، دعا إليه 40 من فقهاء المسلمين، ومُمثِّلين للفصائل الفلسطينية.
السنة والشيعة:
كما اهتم الاتحاد بقضية العراق التي أمست تُمثل جرحًا آخر، وأوضح ان أخطر ما أصاب الشعب العراقي هو تمزيق وَحدته، بإشعال نار فتنة مذهبية طائفية لا تُبقي ولا تَذر، وقد ندَّد الاتحاد بهذه الفتنة الخطيرة، ودعا إلى إطفائها، وتفويت الفرصة على من أسماهم أعداء الأمة.
خطف المدنيين:
كما برز دور الاتحاد في قضية خطف المدنيين الأجانب بالعراق، فأصدر فتوى مطولة في قضية خطف المدنيين، مستنكراً خطف الذين لا يحاربون، ولا يساعدون المحاربين، كما كان – الاتحاد- ملاذ الوزراء والسفراء من البلاد التي خُطف منها بعض مواطنيها، حيث كانوا يلجئون إليه يلتمسون المساعدة في فكِّ أَسْراهم، حيث لجأ إليه سفراء إندونيسيا، واليابان، ونيبال، وإيطاليا، وفرنسا، وغيرهم. كما أرسل الاتحاد نداءً من أجل المخطوفين الفرنسيين، عبر قناة الجزيرة، وانتهى الأمر بالإفراج عنهما، وقد أرسل وزير الخارجية الفرنسي رسالة شكر وتقدير للاتحاد، وتكرر الأمر مع وزير الخارجية الإيطالي؛ حيث زار رئيس الاتحاد في بيته بقطر، للسبب نفسه، وانتهى الأمر بالإفراج عن المخطوفين، وأرسل هو الآخر رسالة شكر إلى رئيس الاتحاد.
قضية دارفور:
وفي قضية دارفور، سارع الاتحاد بإرسال وفد من رئيسه وأمينه العام، إضافة إلى المستشار فيصل مولوي ود. علي القرة داغي، عضوي المكتب التنفيذي، التقى عددًا من القيادات المُمثلة للاتجاهات المختلفة في الخرطوم، واستمع إليهم وناقشهم، ثم ذهب إلى مدينة (الفاشر) عاصمة دارفور، ولقي عددًا من أهل المدينة، كما زار المخيمات التي يعيش فيها اللاجئون، والتقى الوفد بعدد من اللاجئين أنفسهم، وتحدث معهم، ثم أصدر الوفد تقريره المفصل عن القضية، متضمنًا توصياته، ومقترحاته لحلِّ المشكلة.
الرسوم المسيئة:
وكان من المواقف التي أثبت الاتحاد فيها وجوده، الموقف من الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة التي نشرتها صحيفة “يولاندز بوسطن” الدانمركية، فأصدر الاتحاد أكثر من بيان مستنكرًا هذه الإساءة، ودعا الأمة لإظهار غضبها بغير تهوُّر ولا اعتداء، كما دعا لمقاطعة البضائع الدانمركية، وأعلن يوم (جمعة) حدَّده، ليكون يوم الغضب لرسول الله. وتُوِّج هذا الجهد بمؤتمر البحرين لنصرة الحبيب، وقد كان مؤتمرًا عالميًا كبيرًا، حضره ممثلون من قارات الدنيا، وصدر عنه توصيات وقرارات مهمة، منها: إنشاء (المنظمة العالمية لنُصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنشاء (الصندوق العالمي لنُصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) لتمويل مشروعاتها وأنشطتها، وأوصى وزارات التربية والتعليم في بلدان العالم الإسلامي بوضع منهج للسيرة النبوية الشريفة يدرَّس في مراحل التعليم المختلفة.
الميثاق الإسلامي:
كما كان من إنجازات الاتحاد العلمية المُهمَّة في هذه المرحلة إصدار (الميثاق الإسلامي) للاتحاد، الذي حدِّد الأصول والمبادئ التي ينبغي أن يتفق عليها علماء الأمة في الجملة، والتي تبيِّن مواقف الاتحاد من القضايا الكبرى في العقيدة والشريعة والأخلاق والثقافة والحضارة، كما تبيِّن مواقفه من قضايا فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية وبيئية وحضارية، من قضايا عصرنا، مُعتمِدًا أساسًا على القرآن الكريم أو صحيح السنة، مستنيرًا بأقوال الأئمة، الذين هم موضع ثقة الغالبية الساحقة من المسلمين.
فتاوى الاتحاد:
كما أصدر الاتحاد عدداً من الفتاوى الشرعية والعلمية في قضايا ذات حساسية وأهمية معينة:أولها: فتوى وجوب تقديم العون المالي العاجل للفلسطينيين، ولاسيما في ظروفهم الراهنة، ومشروعية تعجيل الزكاة لهم.
ثانياً: الفتوى التي طلبتها منه منظمة الصحة العالمية، بعد زلزال تسونامي وما ترك من آثار، حيث أفتى الاتحاد لجميع المسلمين الذين يعيشون في المناطق المنكوبة، بجواز أكل الأسماك دون حرج.
ثالثها: فتوى توجب تطعيم الأطفال ضدَّ الشلل، في بعض الولايات النيجيرية، بعدما كانوا يرفضون التطعيم وهو ما أودى بحياة العديد من الأطفال.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.