2005 .. الإتحاد المغاربي يراوح مكانه
عام اخر مر على اتحاد المغرب العربي دون جديد يعطي أملا بتحرك القاطرة المتوقفة على السكة منذ اكثر من عشر سنوات..
فلا اجتماعات مؤسساته انعقدت ولا هياكله تطورت ولا روحه انتعشت، بقي الاتحاد يرواح مكانه ومحرك القاطرة يدور دون ان تتحرك من مكانها قيد أنملة.
كانت الامال بجديد مغاربي قد انتعشت مع الحاح ليبي على عقد القمة المغاربية المؤجلة منذ 1995، فليبيا التي ارادت ان تختتم رئاستها للاتحاد، الذي يضمها مع تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، بإنجاز يسجل لها، وتمسح به “مسؤوليتها غير المباشرة” في تعطيل الاتحاد السنوات الماضية، بعد رفضها احتضان اجتماعات المؤسسات الاتحادية ابان الحصار الذي فرض عليها بسبب ازمة لوكاربي.
تولت ليبيا رئاسة الاتحاد في عام 2003، بعد ان ادركت الجزائر ان المغرب لن يسهل احتضانها للقمة التي – حسب ما جرى عليه العرف – تتوج الدورة الرئاسية. وكانت تأمل ان تكون رئاسة مختلفة وان تتوج رئاستها بعودة الاتحاد الى ما يؤمل منه او الى حد ادنى من الفعل الاتحادي الذي يجدد الامل ويغلب التفاؤل بإمكانية قيام مغرب عربي موحد.
كانت القمة المغاربية تمثل “عقدة العقد”، وحسب اللوائح الداخلية للاتحاد الذي تأسس عام 1989 فإن القمة تعقد في دولة رئاسة الاتحاد في ختام دورتها الرئاسية، لذلك كان مقررا عقد القمة في الجزائر، بلد الرئاسة، في نهاية 1994 أو بداية 1995، لتنتقل بعدها الرئاسة الاتحادية الى ليبيا، لكن طرابلس اعتذرت وطلبت استمرار الرئاسة لدى الجزائر.
وفي ظل توتر جزائري مغربي، وجد القادة المغاربيون انه لا ضرورة للقمة ما دامت الرئاسة باقية لدى الجزائر. وحين قبلت ليبيا تولي رئاسة الاتحاد تمسكت الجزائر بعقد القمة على أرضها قبل الانتقال. ولم تتراجع الجزائر عن موقفها الا بعد ان فشلت آخر محاولاتها في ربيع 2002.
كانت ليبيا تأمل ان تكون سنة 2005، سنة الانفراج المغاربي، وتعززت هذه الامال بعد مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس في أشغال القمة العربية في الجزائر وما تردد عن انفراج في العلاقات الجزائرية المغربية بعد لقائه مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
دعت ليبيا الى التئام القمة المغاربية في شهر مايو وكان الجميع على استعداد للمشاركة فيها، لكن المغرب وجد في برقية بعث بها الرئيس بوتفليقة إلى محمد عبد العزيز زعيم جبهة البوليزاريو، خصم المغرب على الصحراء الغربية، ما يؤشر على استمرار الموقف العدائي للجزائر ويحول دون وئام بينهما وتعاون في الاطار المغاربي وقرر الملك محمد السادس الغياب .. ومع غيابه غابت القمة وعاد الاتحاد المغاربي والمنطقة الى حالتها “الطبيعية”، حالة الخصام والتنافر والتنافس.
سنة بيضاء
من الضفة الشمالية للبحر المتوسط كانت سنة 2004 قد شهدت، خاصة من طرف مدريد وباريس، محاولات وجهود لدفع المغاربيين نحو تصفية توتراتهم وخلق اطار للتعاون بين الضفتين كمجموعتين وليس بشكل انفرادي، لكن 2005 لم تشهد مثل هذه المحاولات والجهود.
فالاوروبيون وجدوا أن ما في الخلافات المعلنة بين العواصم المغاربية خاصة بين الرباط والجزائر، ليس مبررا كافيا او مقنعا للتباعد بينها وتجميد العمل المغاربي المشترك، وان “المماحكة” وسلبيات الماضي المنتهية مسبباتها، لا زالت تحكم علاقات هذه الاطراف. وحذروا من أنه في القرن الواحد والعشرين، قرن العولمة والتكتلات الاقتصادية والسياسية، لا تكون لهذه السياسات سوى العواقب الوخيمة على المنطقة حكومات وشعوب.
تبدد الامل الليبي بإذكاء الروح المغاربية واحتضان القمة وتجاهل الاوروبيون ان لدى جيرانهم بالجنوب اتحاد او اطار يجمعهم وركزوا على علاقاتهم الثنائية مع كل بلد. فكانت 2005 سنة مغاربية بيضاء مظللة باجتماعات تقنية على مستوى الخبراء وصمود الاتحاد امام إعلان بيان وفاته، الى أن اوفدت تونس منتصف الشهر الاخير من السنة، مبعوثيها الى العواصم الشريكة لها حاملين ترشيحا بتولى الوزير المستشار لدى رئاسة الجمهورية الحبيب بن يحيى، وزير الخارجية والدفاع الاسبق، الامانة العامة للاتحاد خلفا لمواطنه الحبيب بولعراس.
وبهذا انتعشت الامال من جديد.. فجميع العواصم المغربية ابلغت الموفدين التونسيين الموافقة على الترشيح الذي ينتظر التئام القمة لاقراره، مع حرص طرابلس على ان يكون التعيين في قمة تحتضنها وليس في مجرد اجتماع لوزراء خارجية دول الإتحاد.
دار لقمان على حالها
واذا كان هذا حال العمل المغاربي المشترك، فإن العلاقات الثنائية لم تكن احسن حالا، فالعلاقات المغربية الجزائرية عرفت انفراجا قصيرا، اذ سرعان ما عاد التوتر والحملات الاعلامية وبقاء العالق في علاقاتهما عالقا.
وبين الاطراف الاخرى بقيت العلاقات على حالها، لا توترات جديدة ولا حميمية اضافية، باستثناء علاقات موريتانيا مع المغاربيين بعد التغيير الذي عرفته في أغسطس الماضي وابعاد العقيد معاوية ولد الطايع عن الرئاسة ونجاح خليفته أعل ولد فال في الحفاظ على العلاقات الايجابية مع المغرب وتحسين العلاقات مع ليبيا والجزائر.
بعد توقيع ميثاق مراكش لاقامة اتحاد المغرب العربي، ظهر يوم 17 فبراير 1989، توجه قادته الخمسة، بسيارة واحدة مكشوفة لاداء الصلاة في مسجد الكتبية، يلوحون بأيديهم لاطفال وشيوخ ونساء ورجال، خرجوا فرحين بتحقيق ما حلمت به عشرات السنين شعوب منطقة تمتد من السلوم الى نواذيبو، وآملين بتعويض لما ضاع من سنون، لكن الامال خبت، بعد اقل من ثلاث سنوات، دون ان يعرفوا لماذا خبت ما دام ما هو معلن من خلافات كان قائما قبل إعلان الاتحاد.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.