2007: سحابة سوداء تظلِّـل نجاحات الاقتصاد السويسري
شهد قطاع المال والأعمال في سويسرا، المعروف بتماسكه، تصدّعا في عام 2007 بسبب أزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة، والتي بدّدت الفرحة بسنة اقتصادية ناجحة.
وتكبد كل من يو بي إس UBS، أكبر مصرف سويسري، وسويس ري، أعظم شركة عالمية لإعادة التأمين، وبشكل أقل مصرف كريدي سويس ولوجيتيك، الشركة المصنّـعة لفئران الحاسوب، خسارة كبرى بسبب انهيار قطاع القروض العقارية غير المضمون في الولايات المتحدة.
لقد تكبّـد مصرف يو بي إس خسارة تُـقدّر بأكثر من خمسة عشر مليار فرنك سويسري، بسبب استثمارات غير مضمونة في الولايات المتحدة، واتّـجه إلى الاستثمار في سنغفورة ومنطقة الشرق الأوسط. وبلغت هذه الاستثمارات البديلة 13 مليار فرنك سويسري (11 مليار دولار أمريكي)، في شكل تمويلات مستعجلة لاستعادة الثقة في الأسواق المالية.
وفي سنة 2007، فقد المصرف مديره التنفيذي، بيتر ووفلي، وكذلك رئيس قسمه المالي ورئيس قسم الاستثمارات المصرفية، كما أعلن عن الاستغناء عن خدمات 1.500 موظف يعملون في قسم الاستثمارات المصرفية، غير أنه من المتوقع أن يظل رئيس المصرف مارسيل أوسبيل في مهامه، برغم حملة الانتقادات القوية التي تواجهه.
وقبل انفجار الأزمة بقليل، أعلن رؤساء المؤسسات المالية السويسرية خُـطة طموحة تهدِف إلى مواجهة التحدِّيات المرتقبة وإلى تمكين سويسرا من استعادة موقعها، كأحد المراكز المالية الثلاثة الأقوى في العالم.
وعمدت السوق السويسرية للأوراق المالية إلى تنسيق جهودها مع المصارف وقطاعات إدارة الأموال والتأمينات، من أجل تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة وإلى جذب المزيد من الاستثمارات.
ويقول واضعو الخطّـة إن هذه الإصلاحات من شأنها إنشاء 80.000 موطن عمل جديد واستدرار أرباح على الاقتصاد السويسري، ستبلغ 70 مليار فرنك بحلول 2015.
وأعلنت السوق السويسرية للأوراق المالية عن مخطط يهدف إلى تخفيض عدد الموظفين والحد من تكاليف عملياتها التجارية، في ضوء قواعد العمل الأوروبية الجديدة التي خلقت أجواء منافسة حادة.
ويتوقع الخبراء أنه بإمكان الاقتصاد السويسري تجاوز أزمة القروض العقارية غير المضمونة، ويعزز هذا الرأي ما تحقّـق من أرباح تجارية كُـبرى خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، والتي أظهرت زيادة كبيرة على مستوى الصادرات والواردات وفائض تجاري يتجاوز 10 مليار فرنك سويسري (8.5 مليار دولار أمريكي).
نمو اقتصادي قوي
وتُـبيِّـن مؤشرات اقتصادية أوّلية على أن معدل نمو إجمالي الناتج الداخلي سيتجاوز 2.8% هذه السنة وأن هذا النمو سيتواصل، على الرغم من تباطؤ معدل النمو المتوقع سنة 2008، وقد ساعد تراجع قيمة الدولار على التخفيف من آثار التضخم وفي التعويض عن ارتفاع أسعار النفط، ولكن من الممكن أن تشهد بعض المصارف وبعض الشركات تراجعا في مدّخراتها، التي تحتفظ بها في شكل عملات صعبة من الدولارات في السنة القادمة.
وحققت صناعة الساعات وأسواق المجوهرات نتائج جيِّـدة سنة 2007، في حين واجه قطاع صناعة العقاقير والأدوية (الصيدلة) تقلُّـبات، على الرغم من أنه حقق كذلك نتائج ممتازة.
وأعلنت نوفارتيس (أكبر شركة سويسرية لإنتاج الأدوية) عن نيَّـتها في إلغاء 2.500 موطن شغل لتوفير احتياط سنوي يبلغ 1.6 مليار فرنك سويسري (1.18 مليار دولار)، بعد أن تراجعت أرباحها بسبب المنافسة على مستوى الأدوية الموجهة للاستخدام العام، وتشديد القواعد المتحكِّـمة في السوق.
وتبدو هذه الشركة الكبرى، التي يوجد مقرها الرئيسي بمدينة بازل السويسرية، في طريقها لخسارة قضية قانونية رفعتها ضد قرار الحكومة الهندية الرافض لاحترام براءة الاختراع، التي تحمي الدواء المضاد لمرض سرطان الدم (اللوكيميا).
وأعلن فرانس هومـّر، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة روش المنافسة لنوفارتيس، أنه قرّر اعتزال وظيفته السنة القادمة، بعد أن شهدت العديد من المؤسسات السويسرية تجديدا على مستوى إداراتها العليا.
ورحّـب مصرف يو بي إس UBS وكريدي سويس بمديره التنفيذي الجديد، ومن المنتظر أن يتم تعيين مدير تنفيذي جديد كذلك لشركة نيستلي العملاقة في مجال صناعة المواد الغذائية في شهر أبريل القادم. كما ودّعت شركة نوبل للعلاج الطبيعي للأسنان رئيستها هيليان كانبا، في الوقت الذي تم عزل إنغا بيلا بعد أن تم إلحاق شركة إعادة التأمين كوفيريوم بشركة سكور الفرنسية المنافسة لها.
ودائما على مستوى البيع والشراء، غيّـرت شركة سويسرا للتأمين على الحياة إستراتيجية عملها عبر إغلاق مصرفها الخاص “بانكا ديل غوتاردو” وفروعها بهولندا وبلجيكا، قبل الإعلان عن نيتها شراء المؤسسة الألمانية للاستشارة في مجال الاستثمار (AWD).
الغزو الأجنبي
وقد أصبح “الغزو الأجنبي” لسويسرا على كل لسان، بعد أن تم اتهام المستثمرين الرّوس والنمساويين بسوء استغلال الفراغ التنظيمي الحاصل على مستوى قواعد بيع وشراء بعض من أفضل الماركات الصناعية السويسرية.
وقام الملياردير الروسي فيكتور فيكسلبيرغ في غفلة من الجميع، بتوحيد جهوده لفترة محدّدة مع مجموعة فيكتوري النمساوية الخاصة، من أجل الهيمنة على أسهم كبرى في العديد من الشركات، إلى حين اتِّـهامهما من طرف سولزر، إحدى الشركات المستهدفة، بالقيام بعمليات غير مشروعة، ونتج عن هذا الاتهام مراجعة القواعد المعمول بها.
ولا زالت اتهامات شركة سولزر تثير زوبعة وأدت إلى المطالبة بعزل موظفين سامين بمصرف كانتون زيورخ، بعد أن ثبت تورّطهم في مساعدة المستثمرين الأجانب والتآمر معهم.
وتواصل شركة الهندسة السويسرية السويدية ABB تحقيق نجاحات، بعد عملية التوسع الأخيرة وإبرامها لعدد من العقود العالمية المربحة، مستفيدة من فوائد تزايد الطلب على الطاقة التقليدية والمتجددة.
لكن عدم الاستقرار يظل يحيط بالاقتصاد العالمي، وليس معلوما حجم تكلفة الخسارة التي ستتسبّـب فيها أزمة قروض العقارات غير المضمونة (تذهب التوقعات الحالية إلى أنها ستتجاوز 300 مليار دولار) وإلى أي حدٍّ تتسع دائرة الاستثمارات غير المضمونة.
وستشكِّـل السنة القادمة اختبارا حقيقيا للسوق المالية السويسرية، المعروفة بحساسيتها الشديدة للمخاطرة.
سويس انفو- ماتيو ألّـن – زيورخ
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
في شهر ديسمبر، رفع معهد الاقتصاد السويسري KOF توقّـعاته لمعدل نمو إجمالي الإنتاج الداخلي لسنة 2007 و2008 إلى 2,9% و2,1% على التوالي، وقد كانت توقعاته السابقة تذهب إلى 2,8% و1,9% على التوالي.
تتوقع كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية أن يبلغ معدل نمو إجمالي الإنتاج الداخلي 2,3% هذه السنة و1,9% سنة 2008.
يتوقع المصرف الوطني السويسري أن يبلغ معدل النمو 2.5% (2007) و2% (2008).
تذهب توقعات معهد بازل للشؤون الاقتصادية BAK إلى أن يكون معدل النمو 2.7% سنة 2007 و2,3% سنة 2008.
هي القروض التي تمنح في مجال العقارات ولأشخاص ذوي دخل محدود وبنسبة فائدة محدودة، ويتم تجميع هذه القروض وبيع أسهمها كقروض غير مضمونة في الأسواق المالية.
وشهد هذا الصنف من المعاملات بداية من السنة الماضية تصدّعا وشرخا، بعد أن ازدادت الهوة اتساعا بين العجز في المدفوعات من جهة، ورغبة المستثمرين في سحب الأسهم بسبب تراجع قروض الرهن، خاصة من طرف الشركة المالية للقرن الجديد.
ومع تفاقم الأزمة، اتّـسعت لتشمل المصارف التي اشترت رهانات القروض العقارية غير المضمونة، وكانت أكثر المؤسسات المالية تضرُّرا من هذه الأزمة على وجه الخصوص، بنوك الاستثمارات الأمريكية كسيتي غروب Citigroup وميريل لانش.
أما مصرف يو بي إس، فقد تكبّـد خسارة قدرها 15 مليار فرنك سويسري، بسبب استثمارات غير مضمونة، وكان نصيب سويس ري من الخسارة 1.2 مليار ولوجيتيك 78 مليون فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.