أحلام العراقيين تلاشت بعد 15 عاما من الغزو الأميركي
غمرت السعادة أبا علي ذو الأعوام الستين على غرار غالبية العراقيين بـ”رحيل الطاغية” صدام حسين عقب الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003، الذي رآه أملا لعيش رغيد تحول كابوسا داميا خطف ثلاثة من أولاده.
بعد سقوط نظام صدام حسين الذي حكم البلاد لأكثر من 25 عاما، دخل العراق في دوامة عنف طائفي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008، أعقبها بروز التنظيمات الجهادية والعمليات الانتحارية، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
أنتج ذلك النزاع انقسامات داخل المجتمع لم تنته بسبب غياب المصالحة الوطنية الحقيقية وانعدام الاستقرار، خصوصا الاقتصادي، في البلاد.
يستذكر أبو علي وهو سائق سيارة أجرة، الفاجعة التي لحقت بعائلته بعدما قتل ابنه علي (18 عاما) أمام متجره لبيع البطيخ في حي الكرادة وسط بغداد بانفجار سيارة مفخخة في تموز/يوليو 2007، قبل أربعة أيام من موعد زواجه.
بعد ست سنوات، يحكي الستيني بحسرة عن مقتل ولديه الآخرين علاء (23 عاما) وعباس (17 عاما) بالطريقة نفسها وفي المكان نفسه.
يقول أبو علي بكوفيته البيضاء وعباءته العاجية وعيناه تغرورقان بالدموع “لم أنقطع عن زيارة قبورهم، كل أسبوع أو عشرة أيام، هناك أشعر وكأنهم (أحياء) يجلسون حولي”.
يرى هذا الرجل الذي حفر القهر تجاعيد عميقة على وجهه أن “الوضع (في العراق) لا يبشر بالخير. لا أحد يفكر بالشعب، كل طرف وحزب يبحث عن كراسيه”.
يستذكر قيس الشرع (42 عاما) من جهته ان “صدام كان رجلا قويا، كان يسيطر على كل شيء ويخيف العالم كله بأسلحته الكيميائية”.
-“بغداد سقطت عندما سقط التمثال”-
يقول الشرع،الذي يملك صالون حلاقة للرجال كان الأشهر في ساحة الفردوس وسط بغداد حيث كان تمثال ضخم لصدام حسين، إنه كان يتذكر الأخير في كل يوم يفتح فيه المحل ويراه أمامه.
في التاسع من نيسان/أبريل 2003، فضل الشرع مغادرة مكان عمله ومتابعة الأحداث عبر شاشة التلفاز في منزله، من بينها تلك التي تظهر قيام جنود أميركيين بإسقاط تمثال صدام بعد وضع سلسلة معدنية حوله، بحضور مواطنين صدموا من المشهد غير المتوقع حينها.
يرى الشرع أن “بغداد سقطت عندما سقط التمثال” الذي كان يتوسط الساحة التي باتت اليوم مهملة ترمى فيها أنقاض بناء ومحاطة بألواح معدنية.
على غرار معظم الشباب، اعتقد الشرع الذي كان في السابعة والعشرين من عمره آنذاك انه “ستفتح المراقص والمطاعم وسنتمكن من السفر حول العالم”.
لكن الحال لم تكن كذلك، للعامة كما للأحزاب السياسية، وخصوصا الكردية منها في إقليم شمال البلاد الذي يتمتع بحكم ذاتي، رغم دعمها للتحالف الدولي أملا بالحصول على “دولة كردية”.
يقول السياسي الكردي المستقل محمود عثمان (80 عاما) الذي كان عضوا في مجلس الحكم (أول قيادة سياسية عراقية بعد سقوط النظام السابق)، إن “الأميركيين كانت لديهم خطة لإسقاط (نظام) صدام، لكن لم تكن لديهم خطة لتطبيقها بعد صدام”.
يؤكد عثمان أن “نظام صدام حسين كان (…) كابوسا”، لكن “سياسة الولايات المتحدة لم تكن ناجحة منذ البداية”.
-“خطوة إلى الأمام، خمس إلى الخلف”-
أدى قرار الحاكم المدني بول بريمر الذي تولى حكم العراق بعد سقوط صدام حسين، بحل الجيش وقوات الأمن التابعة للنظام السابق، وما أعقبها من قرارات حكومية بينها قانون “اجتثاث البعث”، إلى خلق فراغ أمني أنتج انتشار للسلاح وبروز جماعات مسلحة وتصاعد العنف الطائفي في البلاد.
يقول القيادي في حزب غوران (التغيير) الكردي رؤوف عثمان معروف لفرانس برس “كنا نتوقع بعد صدام، نظاما وطنيا ومجلس نواب بعيد عن الطائفية (…) للأسف ظهرت التوجهات الطائفية والشوفينية”.
تعرضت كل مؤسسات البلاد إلى الضرر خلال السنوات الماضية، بحسب ما يقول عبد السلام السامر الأستاذ المحاضر في كلية الإعلام بجامعة منذ 28 عاما.
يقول السامر “كنا نأمل أن يحصل تغيير في التعليم العالي” بعد انتهاء البعث وكف يده التي كانت تسيطر على عقول الأجيال.
لكن الوضع في العراق تدهور، كما يضيف الأستاذ الجامعي (58 عاما) الذي فقد زميلا له في هجوم مسلح العام 2006.
ودفعت الأقليات الدينية الثمن الأكبر في تلك المرحلة، وفق ما يؤكد ممثلوهم.
ويشير بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو لفرانس برس إلى أن “بلدنا غدا بلد نكبات منذ 15 عاما”.
وبذلك، يلخص الشرع الوضع العام للعراق بالقول إن البلد “يتقدم خطوة إلى الأمام ويتراجع خمسا إلى الخلف”.