الصدر على رأس نتائج الانتخابات العراقية والحكومة المقبلة رهن المفاوضات
تصدر التحالف المدعوم من رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر، الذي اشتهر بقتاله للقوات الأميركية في العراق، نتائج الانتخابات التشريعية التي أعلنت ليل الجمعة السبت، لكنه مازال مرغما على التحالف مع كتل أخرى لحكم بلد ينخره الفساد.
وبعد انتظار استمر أسبوعا كاملا، أظهرت النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة فوز تحالف “سائرون” المدعوم من الصدر بالعدد الاكبر من المقاعد النيابية، في عملية التصويت التي جرت في 12 أيار/مايو وشهدت أدنى نسبة إقبال منذ أول اقتراع متعدد الأحزاب في العام 2005 بعد عامين من سقوط نظام صدام حسين.
وحلّ تحالف “سائرون” الذي يجمع الصدر والحزب الشيوعي وبعض أحزاب التكنوقراط على أساس مكافحة الفساد، في المرتبة الأولى بـ54 مقعدا.
وعلّق الصدر عبر حسابه على تويتر على النتائج بالقول إن “الإصلاح ينتصر والفساد ينحسر”.
أما تحالف “الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري ويضمّ فصائل الحشد الشعبي التي اضطلعت بدور حاسم في دعم القوات الأمنية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية فحلّ ثانيا على مستوى العراق بـ47 مقعدا.
وحلّ ثالثا بـ42 مقعدا ائتلاف “النصر” برئاسة العبادي، المدعوم من التحالف الدولي، في ما يعد صدمة لبعض المراقبين الذين توقعوا أن يحصد رئيس الوزراء ما لا يقل عن 60 مقعدا.
لكن المحلل السياسي هشام الهاشمي اعتبر أن “حظوظ العبادي تراجعت كثيرا في البقاء لولاية ثانية”.
وشكّل عراق ما بعد صدام حسين نظامه السياسي بطريقة معقّدة تفرض قيام تحالفات برلمانية، بدأت المفاوضات حولها منذ بداية الأسبوع الحالي، لمنع عودة الديكتاتورية والتفرّد بالحكم.
وعقب كل انتخابات تشريعية تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية، وليس بعيدا أن تخسر الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات التشريعية قدرتها على تشكيل حكومة، بفعل تحالفات بين الكتل البرلمانية.
لذا، فمن الممكن قانونيا ودستوريا بالشكل النظري استبعاد “سائرون” من التشكيلة الحكومية، على غرار ما حصل في العام 2010، بتشكيل تحالف برلماني يجمع العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، ويسمي رئيس مجلس الوزراء.
-البحث عن “عراب” الحكومة-
لكن يبدو أن المفاوضات الجديدة ستكون معقدة، وسط التوتر الراهن بين واشنطن وطهران بفعل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني.
ويلقي كل من الولايات المتحدة وإيران بثقله في العراق اليوم لتقرير ماهية التحالفات التي ستحدد “عراب” الحكومة المقبلة.
والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران والولايات المتحدة على حد سواء. فلا واشنطن تنسى “جيش المهدي” الذي أدمى صفوف القوات الاميركية بعد الاجتياح العام 2003، ولا طهران تنسى المواقف العدائية لسليل آل الصدر المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع، وآخر تلك المواقف كان زيارته إلى السعودية، عدو إيران اللدود.
وفي إطار المساومات، بدأت طهران منذ بداية الأسبوع، بحسب مصادر سياسية، اجتماعات للحد من نفوذ الصدر.
وذكر أحد المشاركين في تلك الاجتماعات لوكالة فرانس برس أن قائد “فيلق القدس” اللواء قاسم سليماني كان في بغداد وشارك في اجتماع مع أحزاب شيعية بارزة وأخرى صغيرة، وأنه “أبدى اعتراضه على التحالف مع سائرون وقائمة عمار الحكيم، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي والحزب الديموقراطي الكردستاني (مسعود بارزاني)”.
-“تكنوقراط”-
على خط آخر، أجرى المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي في العراق بريت ماكغورك، جولة عراقية، شملت خصوصا إقليم كردستان، لبحث موضوع التحالفات مع جميع الأطراف.
لكن الهاشمي اعتبر أن “الأسبوع الماضي كان أسبوع تفاهمات، والآن تبدأ التحالفات”.
وأوضحت رافائيلي أوبيرتي من مركز “بي أم آي” للأبحاث لفرانس برس أن “المحتمل أن يحاول الصدر تشكيل ائتلاف شيعي واسع النطاق، خصوصا مع العبادي، إضافة إلى السنة والأكراد”.
وحصدت اللوائح السنية نحو 35 مقعدا، فيما حصل الأكراد على أكثر من 50 مقعدا.
وتداركت أوبيرتي “لكن من المحتمل أن يتضمن ذلك مفاوضات مطولة، خصوصا بالنظر إلى تجزئة المشهد السياسي الذي من شأنه أن يعقّد الأمر”.
وقد يعيد التاريخ نفسه بين طهران وواشنطن، اللتين اتفقتا ضمنيا في العام 2014 على إزاحة نوري المالكي من الحكم، واستبداله بالعبادي حينها.
ودعا العبادي في مقالة نشرت في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إلى “وزراء تكنوقراط” وحكومة “غير نخبوية، تمثل الشعب وليس جزءا أو طرفا معينا”، وهو ما يطالب به مقتدى الصدر.