الودّ السعودي العراقي، سعي خليجي إلى مواجهة النفوذ الإيراني
لم ترق زيارة الزعيم الشيعي العراقي السيد مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات للبعض داخل العراق وخارجه، إلا أن جولته لم تكن إلا حلقة من سلسلة المساعي الخليجية لمواجهة النفوذ الإيراني بدءا من السياسة وصولا إلى الاقتصاد، وفق ما يقول محللون.
بعد عقود من الفتور في علاقات وصلت حد القطيعة، بدا جلياً في الآونة الأخيرة مسارعة الرياض وبغداد إلى تطبيع العلاقات بينهما تدريجيا، بدءا بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العاصمة العراقية قبل أشهر للمرة الأولى منذ 14 عاما.
بعيد ذلك، لبى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعوة رسمية من المملكة في حزيران/يونيو، تلتها زيارات رسمية أخرى لوزراء نافذين بينهم وزير النفط العراقي وشخصيات رفيعة المستوى، كان آخرها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في نهاية تموز/يوليو.
ما لبث الصدر أن عاد من الرياض، حتى توجه إلى أبو ظبي على متن طائرة إماراتية خاصة، في زيارتين وصفهما أحد المقربين من الصدر بـ”ضربة موجعة وقاصمة” في وجه “العملاء”.
يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنار حداد لوكالة فرانس برس إن “استضافة الصدر في الرياض وأبو ظبي تظهر للمنافسين الإقليميين، وخصوصا إيران، أن السعودية والإمارات قادرتان على الاستفادة من الشيعية السياسية في العراق والتأثير فيها”.
يوافق الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مايكل نايتس على هذه الفرضية بالقول إن السعودية والإمارات “ترغبان بتطوير تحالفاتهما داخل العراق من أجل صد النفوذ الإيراني. وبالتالي فإن الاجتماعات مع مقتدى الصدر تعزز وضعه الدولي وتشدد على مواجهته لإيران”.
شهدت العلاقات العراقية السعودية طوال عقود تقلبات كبيرة، وتبادلا للاتهامات التي كان أبرزها من أطراف شيعية للسعودية بدعم تنظيمات متشددة في البلد الغارق بالحروب منذ إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003.
ويعتبر البعض أن العراق ابتعد عن محيطه السياسي العربي مع بدء تصاعد النفوذ الايراني في ظل الفراغ السياسي الذي خلفه سقوط النظام السابق، وأن طهران وجدت في ذلك فرصة لإحكام قبضتها على مفاتيح الحكم في الدولة التي خاضت معها حربا دامية بين عامي 1980 و1988.
وفي هذا الصدد، يشير حداد إلى أن الصدر “سيكون كالفوز بالجائزة. فهو بالأصل شيعي عراقي، غير موثوق إن لم يكن مزعجا لإيران، وله قاعدة شعبية حقيقية وأتباع أوفياء. لكن عليهم (الخليجيون) أن يعيدوا النظر في توقعاتهم حيال إستعداده لتقديم نفسه على هذا النحو”.
-من يدفع ثمن التسويات؟-
في الجهة المقابلة، فإن الخليج والسعودية تحديدا كانوا صريحين في توجيه اتهامات لإيران بدعم فصائل شيعية مسلحة في العراق.
وتتوالى تصريحات في أروقة عدة بأن فصائل الحشد الشعبي قد تكون ورقة تلعب في أي تسوية بين بلاد الرافدين والسعودية.
وقد لعبت تلك الفصائل دورا كبيرا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة الاراضي التي خرجت عن سلطة الدولة بعد الهجوم الكاسح للجهاديين منتصف عام 2014.
وكان آخر تلك المعارك في الموصل، أكبر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية بشمال العراق، والتي أعلن العراق “تحريرها” في تموز/يوليو الماضي.
وبعيد عودته من الرياض، أطلق الصدر تصريحات تدعو إلى حل فصائل الحشد الشعبي ودمجها ضمن القوات الأمنية العراقية.
تلك المواقف تجعل الصدر “جذابا بشكل خاص للسعودية والإمارات”، وفق حداد، الذي يشير في الوقت نفسه إلى أن “الصدر نفسه غير موافق على شيطنة الحشد في العالم العربي”.
لكن وضع حد للنفوذ الإيراني في العراق لن يكون بتلك السهولة، إذ “ما زلنا بعيدين جدا عن اقتراب العلاقات السعودية الإيرانية من أي مكان من عمق أو تعقيد العلاقات العراقية الإيرانية”، كما يقول.
ويوضح حداد أن “التسويات لن تأتي بالضرورة عن طريق الصدر، ويحب التذكير بأن علاقات الرياض-الصدر ليست هي نفسها العلاقات الثنائية بين البلدين”.
يؤكد نايتس في هذا السياق أنه “لم يتم التوصل إلى صفقة ملموسة بعد. العراق والسعودية يريدان إظهار (…) أن التوتر بين إيران ومجلس التعاون الخليجي لا يسمم علاقاتهما”.
ويختصر المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي لفرانس برس الخطوة بالقول إن “إيران كانت تزعم أنها ممسكة بكل خيوط الشيعة، حتى المتخاصمين، إلا أن سحب بعض الخيوط منها مثل التيار الصدري (…) يشكل صفعة قوية لها”.
ولذلك، يرى نايتس أن “طهران ستنظر إلى الشراكة السعودية مع العبادي والصدر كسبب آخر لضرورة رحيل العبادي من منصبه كرئيس للوزراء في انتخابات العام 2018”.
-أول الغيث.. عرعر-
في أعقاب الزيارات المتتالية والمتبادلة خلال فترة زمنية قصيرة، قرر البلدان العمل على إعادة افتتاح منفذ عرعر الحدودي الرئيسي بينهما، والذي كان أغلق قبل أكثر من 27 عاما بعيد غزو العراق للكويت.
وقال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي سعد الحديثي لوكالة فرانس برس إن “هناك اتفاقا مع الجانب السعودي على إعادة تأهيل منفذ عرعر الحدودي وافتتاحه بشكل كامل لأغراض التبادل التجاري والزيارات بين البلدين، وهذا الاتفاق جرى خلال زيارة رئيس الوزراء إلى السعودية” في حزيران/يونيو الماضي.
لكن أي موعد رسمي لم يحدد بعد لتلك الخطوة، رغم فتح المنفذ جزئيا أمام أفواج الحجيج المتجهة لأداء المناسك في مكة.
والأربعاء الماضي، تفقد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي السفير السعودي السابق لدى بغداد ثامر السبهان والمبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي الأربعاء بريت ماكغورك منفذ عرعر في الأنبار، على بعد 430 كلم جنوب غرب الرمادي.
وقد عينت المملكة ثامر السبهان كاول سفير لها في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، لكن بغداد طلبت إبداله في نهاية العام 2016 إثر تصريحات مثيرة للجدل حيال الحشد الشعبي.
وفي هذا الإطار، يشير مراقبون إلى أن افتتاح منفذ عرعر وعودته إلى العمل كرابط تجاري أساسي بين البلدين، سيكون بداية المسار في سحب البساط الاقتصادي من تحت إيران التي تستفيد بشكل كبير من إغراق السوق العراقية بسلعها.