بابل احدى عجائب العالم والرمز الوطني الاهم في العراق
من الجنائن المعلقة أو ضحية نهب الحروب، ومن واجهة الحضارة أو أنموذج مدينة الهلاك، من رمز لصدام حسين أو قاعدة للغزاة الذين أطاحوه، شهد موقع بابل طوال أكثر من أربعة آلاف عام العظمة كما الانهيار، على غرار العراق الذي يعدها رمزا وطنيا لا يندثر.
تمتد حقبات عدة هناك تحت شمس العراق الحارقة، من وهج الأكاديين والبابليين في بلاد ما بين النهرين الخصبة، إلى جنون العظمة لدى صدام حسين الذي أعاد بناء منازل وقصور نبوخذ نصر على أنقاضها، وصولا إلى انعدام السياح.
– “رائع” و”حزين” –
يمشي فرزاد صالحي (38 عاما) مع صديقه فقط إضافة إلى دليل سياحي، بين ممرات بابل. وبين صور السيلفي والمقارنات مع برسيبوليس، يقول رجل الأعمال الإيراني “هذا رائع!”.
لكنه يستدرك مباشرة “من المحزن أيضاً عدم رؤية أي سائح، على الحكومة أن تبذل المزيد لجذب الزائرين من كل مكان”.
ذلك لأن صدى بابل، الموقع المترامي على مساحة عشرة كيلومترات مربعة وأدرج اليوم على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، يتردد أبعد من العراق.
فهناك الجنائن المعلقة، المشهورة عالميا أكثر منها محليا، وبرج بابل التوراتي، الذي سيكون بالنسبة لعلماء الآثار زقورة بابل، وهو صرح ديني أكدي، إضافة إلى نبوخذ نصر الثاني.
وهذا الملك البابلي بنى بوابة عشتار الشهيرة الضخمة من الطوب الأزرق عليه نقوش حيوانات أسطورية تحمي أحد المداخل الثمانية لبابل.
– من الفرات إلى شبريه –
بعدما نقلت بآلاف القطع مع بداية القرن العشرين في حقائب الآثار الاستعمارية، عادت تلك البوابة منتصبة اليوم، لكن بعيدا عن ضفاف نهر الفرات، بل داخل متحف في برلين على ضفاف نهر شبريه.
والعراق، الذي يعلم أنه غير قادر على استعادة البوابة الأصلية التي يبلغ طولها 28 متراً وعمرها نحو 2600 عام، راضٍ بنسخ باهتة عنها.
وتزين تلك النسخ ذات الألوان السيئة المطاعم وغيرها من مراكز التسوق في جميع أنحاء العراق، وحتى مدخل مطار بغداد.
كل طالب عراقي تقريبا زار في رحلة مدرسية موقع بابل، الذي يبعد نحو مئة كيلومتر جنوب بغداد. إضافة إلى أن الكتب المدرسية لا تخلو من يشرح تاريخ هذا المعلم.
وكان يمكن نبذ هذا التراث بعد سقوط نظام صدام حسين. وكان بالإمكان أيضا أن تجسد تلك المدينة فترة الوثنية ما قبل الإسلام بالنسبة للأحزاب الدينية الموجودة في السلطة حاليا.
يقول مدير الآثار في البصرة قحطان العبيد، قدم ملف بابل لدى اليونيسكو، إن المدينة “هي الأولى في العالم حيث تفصل فيها مناطق المعابد الدينية والقصور السياسية”.
وبحسب مستشارة التراث العالمي لدى الحكومة العراقية جيرالدين شاتلار “يبدو مستحيلا التخلص من بابل في السرد الوطني العراقي”.
– “فخر وطني” –
حتى النقوش البارزة التي يظهر فيها صدام حسين تحت شعاره المفضل -“تباً للمستحيل!”- لا تزال بارزة في قصره المطل على الموقع الذي أدرجته اليونيسكو على لائحتها.
أسفل المعلم، امتداد كأنه بلا نهاية للطوب الرملي الذي يمر بين أشجار النخيل. لكن ذلك لا يعني أنه لم يدفع ثمنا باهظا.
أولا، كان عامل الزمن، إذ أن الطوب الخام ينهار بمجرد تعرضه للهواء، إضافة إلى النزاعات التي توالت في العراق طوال العقود الأربعة الماضية.
وأخيراً، التقلبات السياسية وعمليات النهب والتخريب التي قام بها الجنود الأميركيون والبولنديون الذين اتخذوا المكان مقرا لهم بين عامي 2003 و2005، وفقا للعبيد.
يقول في هذا الصدد “لقد تركوا أطناناً من النفايات العسكرية، وأعادوا حتى طلاء بوابة عشتار عند المدخل باللون الأسود”.
على مدى السنوات العشر الماضية، قامت السلطات الأثرية العراقية وصندوق الآثار العالمي، بعملية مسح وتنظيف وتحديد مسار الزائرين وتدريب الموظفين.
وتشير شاتلار، وهي أيضاً باحثة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، إلى أن إدراج اليونيسكو لبابل اليوم “اعتراف مهم وخبر سار للسلطات التي تأمل في أن تعزز الفخر الوطني”.
– “جذورنا” –
للعراق خمسة مواقع مسجلة لدى اليونيسكو، ثلاثة منها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، في بلد شن فيه تنظيم الدولة الإسلامية قبل خمس سنوات عملية “تطهير ثقافي”.
بعد 35 عاما من حكم البعث ضمنها عقد من الحصار، ثم 15 عاما من العنف الطائفي والجهادي، يسعى العراق -الذي يقول إن لديه ما لا يقل عن سبعة آلاف موقع أثري- للعودة إلى الساحة الثقافية والسياحية.
لكن قبل النجاح خارجا، تعول جهات الآثار العراقية على قائمة اليونيسكو لتعبئة المسؤولين بعد سنوات من انقطاع الاموال التي كانت تنفق على المجهود الحربي.
ومع اقتراب انعقاد اللجنة في باكو، تم تخصيص “50 مليون دولار لبابل”، بحسب العبيد الذي يأمل أيضا خلق حالة من “الوعي”.
تقول المهندسة المدنية غدير غالب (24 عاما) وهي في الموقع منذ عام إن الرهان محسوم بالنجاح.
تضيف لفرانس برس “بابل تجعلني فخورة، هنا جذورنا وجذور الحضارة. أجدادنا بنوا كل ذلك، الآن علينا حمايته”.