بعد 150 عاماً، هل يرد التاريخ الاعتبار للمُرشدين تاوغفالدَر؟
قبل 150 عاما، ذهب أب رفقة ابنه من قرية زيرمات لإرشاد مجموعة المُتسلقين في رحلة صعود إلى قمة ماترهورن. الإنجاز كان تاريخيا لكن نهايته كانت مأساوية. وفي عام 2015، انطلق جيل جديد من أسرة تاوغفالدر في مغامرة من نوع مختلفة. فهم يتقمّصون شخصية أسلافهم ضمن إنتاج مسرحي عالي الجودة في الهواء الطلق، في عرض للقصة التي اشتهر بها الجبل، والقرية، وإسمهم.
“باربرا، أرجوك”!
مع ترديده لهذه الكلمات يتقدّم شاب في العشرين من عمره بخطوات واسعة عَبْر أرضية إحدى الفنادق الفاخرة في قرية زيرمات الجبلية، وهو يُمسك بكتفي إمرأة شابة في انتظار ردِّها على سؤاله.
“إفعلي ذلك من أجلي باربارا”.
هذا الشاب الذي يتدرّب للمرة العاشرة تقريباً لمعظم الساعة المُنقضية على أداء دوره في إحدى المشاهد الرئيسية لمسرحية “قصة جبل ماترهورن” ما هو إلّا ديفيد تاوغفالدَر، السليل المباشر للمرشدَين بيتَر تاوغفالدَر (الأب والإبن)، الّذَين شاركا في أول صعود ناجح على الجبل الشهير. واليوم، يجد ديفيد نفسه في موقف غير عادي، يلعب فيه دور جده الأعلى تاوغفالدَر الإبن، في عمل فني طموح يشارك فيه والده جوزيف أيضاً بدور تاوغفالدَر الأب.
ويؤدي ديفيد تاوغفالدَر هذا الدور أمام روماين مولَّر، التي تلعب دور باربارا سالتسبيرغير، خطيبة بيتر تاوغفالدَر،[المُرشد الشاب الذي رافق والده في قيادة المُستكشف ومُتسلق الجبال الإنجليزي إدوارد ويمبر وفريقه في أول صعود ناجح على جبل ماترهورن].
“يبلغ عمر والدي اليوم خمسين عاماً، وأنا أبلغ الثالثة والعشرين. وهذا مقارب لعمر جدي الأعلى ووالده عند صعودهما الجبل [في 14 يوليو من عام 1865]، كما قال تاوغفايلَر الأبن بعد الإنتهاء من تدريباته المسرحية لهذا اليوم.
“ونحن نعرف التاريخ جيدا في عائلتناً؛ فقد تحدثنا عنه مراراً، لذا فإن أدائنا لهذا العمل الفني أمر مُحبب بالنسبة لنا”، كما أضاف.
وخلال حياتهما اليومية، يعمل كلاً من تاوغفالدَر الأب والإبن معاً في الشركة الإئتمانية للعائلة في قرية زيرمات السياحية الخلابة. وكنت قد التقيت بجوزيف الذي يتصف بشخصية أكثر تحفظاً من إبنه إلى حد ما قبل بضعة أشهر أثناء قراءةٍ للمشاهد التمثيلية أمام الصحافة.
“كنا أنا وابني مُناسبَين لهذه الأدوار”، كما قال. “نحن في نفس عمر أسلافنا تقريباً عندما تسلقا الجبل، وكلانا ينتمي لعائلة تاوغفالدَر، ويبدو أن المخرجة توصلت إلى اختيارنا بشكل تلقائي بعض الشيء”.
وقد باتت حكاية الصعود الأول لجبل ماترهورن اليوم جزءً لا يتجزأ من قصة أولئك المغامرين الذين لقوا حتفهم في هذه المحاولة، والخلاف الدائر منذ ذلك الوقت حول ما إذا كانت وفاتهم ناتجة عن تمزق عرضي بالحبل، أو بسبب عمل تخريبي.
تسليط الضوء على حكاية قديمة
واليوم، وبعد انقضاء قرن ونصف على هذه الحادثة، هل وُفِقَت النسخة الإنجليزية في تغطية ما يخص دَليلي عائلة تاوغفالدَر تماماً، أم أن هناك المزيد الذي يُمكن أن يُقال حول وجهة نظرهما للأحداث؟ هذا هو الموضوع الذي يود بعض الأشخاص معالجته في هذه المسرحية، والذي يستطلعه السيناريو.
“كانت هناك نظريات مختلفة في عام 1865 والأعوام اللاحقة”، كما قال ديفيد تاوغفالدَر. “أن يكون الحبل قد قُطِعَ بشكل عرضي، أو أن تاوغفالدَر الأب قطع الحبل أثناء النزول، أو – وهذا ما نُرَجِّح حدوثه – أن يكون إدوارد فيمبَر قطع الحبل أثناء الصعود لأنه أراد أن يكون أول من تطأ قدمه قمة الجبل، ومن ثمَّ لم يكن لتاوغفالدَر الأب ما يكفي من الحبل المناسب للنزول”.
ولكن، هل يهتم الناس اليوم حقاً بمعرفة حقيقة ما جرى قبل 150 عاماً؟ هنا تتباين الآراء. وقد دفع ذلك ماتياس تاوغفالدَر، ابن عم جوزيف والذي يعمل كمصور معروف، لأن يأخذ على عاتقه مهمة تقصي الإحتمالات المختلفة بشكل موسع. وفي هذا السياق أيضاً، أخرج التلفزيون السويسري العام برنامجاً من جزئين على غرار برامج التحقيقات في مسرح الجريمةرابط خارجي، لدراسة هذا اللغز الذي ظل بدون حل.
“كان فيمبر الشخص الوحيد القادر على توضيح ما حدث، لإنه كان يتحدث الإنجليزية، في حين لم يكن للمُرشدين تاوغفالدَر معرفة بها، كما يوضح ديفيد تاوغفالدَر. “نحن نرى أن المسرحية مهمة بالنسبة لنا، لأنها تمثل نوعاً من رد الإعتبار لسمعتهم”، في إشارة إلى الجانب الآخر للحكاية التي يأمل أن يطلع الناس عليها.
من جانبها، وصفت ليفيا آن ريشارد، مخرجة المسرحية إعداد القصة كوقت “تصادمت فيه الثقافات المختلفة”، حيث وجد سكان زيرمات الذين “يجلّون هذا الجبل كثيراً” أنفسهم في اتصال مباشر مع الزوار الإنجليز الذين جاءوا لتسلقه.
وتود ريشارد بدورها معرفة حقيقة ما حدث عندما انقطع الحبل، مشيرة إلى أن المسرحية :”سوف تفسر الإختلافات”.
لكن المسألة بالنسبة لعائلة تاوغفالدَر شخصية جداً. “هذه فرصتنا لنقول قصتنا”، كما قال جوزيف تاوغفالدَر، مضيفا “أنت لا تستطيع العثورعلى أي معلومات بشأن المُرشدين تاوغفالدَر، ولكن بوسعك أن تقرأ عن فيمبَر في كل مكان.”
مسرحية للشعب
ولكي يرى هذا الإنتاج النور، جمعت ريشارد طاقماً من الممثلين يتألَّف من 35 شخصاً. ومن بين هؤلاء لا يوجد سوى 5 ممثلين مُحترفين، أما البقية فأشخاص عاديون يعيشون في زيرمات، لم تطأ أقدام بعضهم خشبة المسرح من قبل.
مع ذلك، سوف يمثل هؤلاء من 9 يوليو وحتى 29 أغسطس على مسرح ضخم في الهواء الطلق أمام آلآف الأشخاص المتوافدين من جميع أنحاء العالمرابط خارجي، في عمل لا يخلو حتى من وجود بعض الحيوانات كالأبقار والحمير.
“لن يكون بوسعك تمويل إنتاج يؤديه 35 ممثل محترف أبدا”، تقول ريشارد ضاحكة. “ولكن عدم الإقتصار على اشتراك المهنيين في العمل يتميز بالحداثة في نفس الوقت، ولا سيما مع مشاركة عضوَين من عائلة تاوغفالدَر. وهذا القدر من الأصالة لن تجده عند شخص محترف”.
ويعكس أداء المسرحية بلغات متعددة أحد الجوانب السويسرية الأصيلة، حيث يمكن الإستماع إلى مزيج متواصل من الألمانية، والإنجليزية، واللهجة السويسرية – الألمانية المحلية المحكية في كانتون فاليه، حيث تقع قرية زيرمات.
“لم أجد نفسي مضطرة لتغيير أيّ شيء بخصوص اللّغات. لقد كتبتُ النص بالأسلوب الذي تصوّرت أن الناس كانوا يستخدمونه في حديثهم مع بعضهم البعض فقط”، كما توضح ريشارد.
وحيث لم يعرف سكان زيرمات الكثير من الإنجليزية في ذلك الوقت، باستثناء بضع كلمات هنا وهناك، فإنهم يتحدثون الألمانية في المسرحية عندما يخاطبون الزوار الإنجليز.
وبدورهم، يترجم الإنجليز ما فهموه للأشخاص الآخرين في مجموعتهم، والذي لا يخلو على الأغلب من التخمين أو التفسيرات الشخصية.
“أحد المواضيع التي يركز عليها العمل هو سوء الفهم [بسبب اللّغة]، وهو أحد العوامل التي أدّت إلى وقوع هذه الكارثة”، كما قالت ريشارد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.