هل تنجح إعادةُ توطين حيوان البيسون الأوروربي في سويسرا؟
كان قد انقرض في أوروبا. ويُعاد الآن توطينُه في سويسرا. إنه حيوان الويسنت، المعروف أيضاً بالبيسون الأوروبي. ولكن هل يحتمل البلد المكتظّ بالسكان مثل هذا الحيوان البري الضخم؟
يمدّ عالم الأحياء أوتو هوتسغانغ، المتخصص في الحيوانات البرية، ذراعَه مشيرًا بإبهامه إلى حيوان ويسنت يرعى على الحافّة فوقنا. ويقول: “إذا ما غطّى الإبهامُ الحيوانَ بأكمله، فمعنى ذلك أننا بعيدون عنه بالقدر الكافي”.
كنا نقف على مسافة حوالي خمسين متراً من الويسنت، وهي المسافة الآمنة رسمياً. ولا يجب الاقتراب أكثر من ذلك، إذا ما كان المرء في حظيرة مفتوحة.
قبل ذلك كان السيد هولتسغانغ الذي يشرف على مشروع “الويسنت في الوادي”، قد حدد موقع الحيوان إلكترونياً. ذلك لأن مساحة الحظيرة المفتوحة والواقعة في بلدية فِلشنرور بجبال جورا في كانتون سولوتورن، تبلغ خمسين هكتاراً. وهي مساحة تعادل ما يزيد عن سبعين ملعباً لكرة القدم، مليئة بالمراعي ومساحات الغابات.
يمرّ اثنان من حيوان الويسنت المطوّقان بجهاز لتحديد الموقع الجغرافي (GPS)، والذي يرسل موقع الحيوان مرة كل ساعة، حتى يسهل إيجاد باقي القطيع الصغير. وتظهر البيانات أن هذه الحيوانات تبقى كثيراً في الغابة.
جدير بالذكر، أن حيوانات الويسنت تلك تعود في الأصل إلى منتزه لانغنبرغ للحياة البرية بمدينة زيورخ، حيث لم تتوفر لها مساحة من أراضي الغابات. لذلك، ومنذ سبتمبر من عام 2022 تم توطينها في بلدية فِلشنرور. ولقد استغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر، إلى أن استكشفت هذه الحيوانات كل مساحة الحظيرة المفتوحة، بحسب تصريح السيد هوتسغانغ.
ويبدو على أفراد القطيع الشعور بالراحة في موطنها الجديد. ولربما تمكنت في يوم ما من الحياة في شبه حرية.
وتجدر الإشارة إلى أن إعادة توطين حيوان الويسنت في المناطق التي انقرض بها أمر يتماشى مع توجه عالمي. وذلك لعدة أسباب، من بينها أن تواجده قد يدعم التنوع الحيوي. حيث تلعب بولندا دوراً رائداً في أوروبا في هذا المجال، تليها دول أخرى في شرق أوروبا.
قطعنا حوارنا لبرهة، إذ قام شخصان أثناء تجوالهما بفتح بوابة المرور إلى الحظيرة المفتوحة. وكان هناك طريق يؤدي مباشرة إليها. ألا يوجد خطر عليهما من الحيوانات البرية، التي قد يصل ارتفاع كتفها إلى 1،90 متراً؟ يردّ السيد هولتسغانغ، الذي يسمي حيوانات البيسون الأوروبي “العمالقة الوديعة”، بالنفي.
“لقد لاحظتهما حيواناتُ الويسنت بالفعل. إنها حيوانات شديدة الانتباه. وهي تلاحظ كل شيء.” ولكن لأن الزائرَيْن لا يمثلان خطراً عليها، فإنها تستمر في الرعي بمنتهى الهدوء النفسي. “إنه منظر غاية في الروعة بالفعل”، يقول بينما يستمر الشخصان في سيرهما.
أثناء زيارتنا في شهر مايو المنصرم، كان القطيع يتكون من خمس حيوانات. وكان من المنتظر أن تلد الأنثى الحامل في شهر مايو عجلاً صغيراً. “إنه أول عجل ويسنت يولد منذ 1000 عام في سويسرا”، مثلما كتبت وسائل الإعلام في عناوينها. واليوم يتكون القطيع من بقرة “رئيسية”، وبقرتين أخرتين، وعجلين، وثور.
تنحدر جميع سلالات الويسنت الموجودة حالياً من اثني عشر حيواناً فقط
كان حيوان الويسنت قد انقرض في أوروبا تقريباً. ففي مطلع القرن العشرين لم يكن هناك سوى ما يقارب 800 حيواناً طليقاً من حيوانات الويسنت فقط، وذلك بالأساس في أقصى شرق أوروبا، مثلما يوضح السيد هولتسغانغ.
حيث أطلقت النار في عام 1919 على آخر حيوان ويسنت من تلك التي كانت تعيش في سهول بولندا. وبحسب تصريحات مونيكا فاسيله، المتخصصة في التاريخ الإيكولوجي بجامعة ماستريخت الهولندية، فقد اتخذت خطة في أوروبا عام 1924، لحماية حيوان الويسنت.
آنذاك، كان يعيش حوالي 54 فرداً من تلك الحيوانات في الأسر، ولم يتكاثر منها سوى اثنا عشر حيواناً. فجميع سلالات حيوانات الويسنت التي تعيش اليوم تعود إذن إلى الاثني عشر حيواناً تلك. وقد بدأت أول محاولات لإعادة توطينها في البرية منذ عام 1952.
فقد قامت فاسيله بإجراء أبحاثها حول إعادة توطين حيوانات الويسنت في جبال الكاربات برومانيا. حيث جاء في ردّها عبر رسالة إلكترونية: “إنها مشروعات معقدة للغاية، وتتطلب معلومات متخصصة على العديد من الأصعدة، لتحقيق حياة صحية للحيوانات، وخفض مستوى الضغط النفسي لها، ودعم استقلالها”.
في هذا السياق من المهم أن يظل المسؤولون عن المشروع “منفتحين، حتى يتمكنوا من تكييف استراتيجياتهم وقت الضرورة”. وفي الآونة الأخيرة تبين، أن ممارسات إعادة توطين الويسنت” قد بدأت تشهد الانتقال (تدريجياً) من منهج مقيد، يستلهم تربية الماشية، نحو منهج يتميز بالقليل من التدخلات أو بعَدمِها”.
فضلاً عن ذلك، يجب إشراك السكان المحليين في مثل تلك المشروعات، على حد قول فاسيله. “فبغض النظر عن حجم الحيوان، فإنه من اللازم إجراء حوار دقيق مع السكان في تلك المناطق.” أما فرص نجاح المشروع السويسري، فلا يمكن تقييمها إلا من خلال البحث العلمي، كما تؤكد الخبيرة.
أثر المشروع على الأشجار
في الأثناء ابتعدت حيوانات الويسنت عنّا قليلاً، فاستطعنا استخدام الطريق الصاعد نحو الغابة. لقد أردنا رسم صورة لكيفية متابعة المشروع علمياً.
بالفعل يأتي الباحثون والباحثات من مختلف الجامعات والمعاهد مراراً وتكراراً إلى هنا، لأخذ عينات أو إجراء قياسات، بهدف فهم مدى تأثير حيوانات الويسنت على البيئة.
اليوم، هناك باحثان من مجال علم النبات في الغابة، حيث يقومان بقياس ما قضمته الحيوانات من الأشجار الصغيرة. ولأن الباحثين لا يمكنهما تحديد أي الحيوانات قام بأية قضمة، فإنه من المهم مقارنة الوضع السابق باللاحق.
يتم أخذ القياسات دائمًا في نفس النقاط في العلبة. تحدد شبكة عشوائية هذه العينات الـ 120، حيث أن كلّ 50 مترًا هي نقطة قياس. وفي هذا الصدد، تسجل عالمة الأحياء نيكول إيميش شجرتين من كل فئة ارتفاع ثم تقارنهما بالبيانات المستمدة من القياسات السابقة.
لقد ذهبت بالفعل إلى هذا الجزء من الغابة مرتين قبل أن يُسمح لثور البيسون بالاستيلاء عليه. وتقول: “إن تأثير الغزلان والشامواه مهم للغاية بالفعل. حتى دون وجود البيسون”.
ليس موضع ترحيب من الجميع
“إنه فعلاً بالونٌ تجريبي تمّ إطلاقه بشكل جيّد”، بهذه العبارات يصف دانيل هيغلين مشروعَ إعادة توطين حيوانات الويسنت. يعمل عالِم الأحياء البرية كرئيس تنفيذي لـ مؤسسة حماية النسور الملتحية ،وهو ليس من المشاركين في المشروع، كما أنه أحد الخبراء في مجال إعادة توطين الحيوانات في البرية.
وحسب قوله، فإنه يجب أن تتوفّر ثلاثة شروط لإعادة توطين الحيوانات، أولها إجراء دراسة شاملة مسبقاً، وثانيها القيام بالمتابعة علمية. وثالثها تقبّل السكان للأمر.
وهذه النقطة الثالثة بالذات عصية على التحقق في بلدية فِلشنرور. صحيح أن هناك ما يعرف بمجموعة الاتصال، إلا أنه وبحسب وسائل الإعلام، كثيراً ما تقع خلافات متكررة، خاصة مع ممثلي المزارعين. وربما يعود ذلك أيضا إلى فشل مشروع مشابه في ألمانيا.
تحدثنا مع السيد هولتسغانغ في هذا الشأن. فكان ردّه: “هناك المؤيدون بلا قيد أو شرط. وآخرون يرون أنه أمر جيد لكنه ليس ضرورياً. وبالطبع هناك المعارضون بصورة مطلقة، مثلما هو الوضع في كل مشروع”.
لذلك يسعد المسؤولون عن المشروع، حينما يقوم الأطفال بزيارته أيضًا. فمنذ البداية قدمت فصول مدرسية لمشاهدة حيوانات الويسنت. وقد أدى ذلك إلى أن اصطحب الأطفال لاحقاً آباءَهم إلى هناك. “إذن فقد قام الأطفال نفسهم بعمل توعوي”، بتعبيرة هولتسغانغ.
حيوانات الويسنت تساعد في التنوع الحيوي
بدورها تعد كارين هيندنلانغ، مديرة منتزه لانغنبرغ للحياة البرية بمدينة زيورخ، واحدة من المبادِرات في مشروع حيوان الويسنت. فمنذ عام 1969 تعيش حيوانات الويسنت في حديقة الحيوان القائمة على أطراف غابة زيل جنوب مدينة زيورخ. ولذلك فهيندنلانغ سعيدة بالتجربة وتأمل في اكتساب معارف جديدة حول هذا الحيوان وأثره على الزراعة، مثلما كتبت لنا في بريدها الإلكتروني.
“فبسبب سلوكها الرعوي تترك تلك الحيوانات أثرها على الحياة النباتية وتخلق زراعة متنوعة وذات أنماط كثيرة من الغابات الوضيئة والمراعي”، بحسب قولها.
ويشارك منتزه لانغنبرغ للحياة البرية أيضاً في البرامج الأوروبية للتربية المحافِظة على الأنواع، والتي تقوم من خلالها حدائق الحيوان بتربية تلك الأنواع من الحيوانات المهددة بالانقراض، تربية تهدف إلى الحفاظ على قاعدة جينية عريضة قدر الإمكان. لذلك فإن هناك سجلّاً للسلالات التي تنحدر منها حيوانات الويسنت والتي تعيش في جبال جورا بكانتون سولوتورن.
المزيد
جبال الألب السويسرية خلابة، فهل هي متنوعة بيولوجيًا؟
نوايا لإطلاق الحيوانات في البرية؟
بالنظر إلى المستقبل، من المزمع توسعة الحظيرة المفتوحة التي تضم حيوانات الويسنت في خريف عام 2024، لتصل إلى مساحة 100 هكتاراً. وفي إطار التجربة، هناك حالياً نوعان من الأسيجة المحيطة بها. أحدهما زمام كهربائي ذو ثلاثة أسلاك على ارتفاع يتراوح بين نصف متر، ومتر واحد، ومتر ونصف. من ناحية أخرى يوجد في بعض المناطق زمام من الأحبال السلكية على ارتفاع مترين ونصف.
بهذا الشكل، يتم التأكد من تمكن حيوانات برية أخرى من المرور داخل الحظيرة. وكما لو أنه برهان على نجاح ذلك، ظهر فجأة أمامنا أحد الأيائل على طرف الغابة ـ داخل الحظيرة المفتوحة. يعلق هولتسغانغ بالخصوص: “لقد رأينا الأيائل في أول يوم داخل الحظيرة المفتوحة بالفعل، وذلك بالقرب من حيوانات الويسنت”.
بعد مرور ثلاثة سنوات على إقامة الحظيرة المفتوحة سيتوجب على المسؤولين عن المشروع تقديم تقرير يجيب عن الأسئلة التالية: ما هو أثر حيوانات الويسنت؟ كيف كان التقبل المجتمعي لها؟ كيف يمكن تحمل المشروع، من الناحية الاقتصادية، بالنسبة لإدارة الغابات والزراعة؟ وبناء على التقرير، سيتمكن الكانتون من اتخاذ قرار باستمرار المشروع أو توقّفه.
أما المرحلة الثانية من المشروع فهي مرحلة شبه الحرية للقطيع. حيث يمكن إزالة السياج كي تتمكن حيوانات الويسنت من الحركة بحرية إلى حد ما. يشرح هولتسغانغ بالقول: “في تلك الحالة ستكون الحيوانات ما تزال مزودة بجهاز إرسال، أي أنها ستظل تابعة للجمعية”. ويعني هذا أن تبادر الجمعية بتعويض أية خسائر وأن تظل مسؤولة كذلك في حالة حدوث أي مشكل للحيوانات، سواء بسبب إصابتها بأمراض أو إذا ما أصبحت عدوانية.
أما إمكانية إطلاق الحيوانات بحرية كاملة، فذلك أمر لا يزال مجهولا . ففي نهاية المطاف يجب أن يتقدم الكانتون الذي يحتضن الموقع، وهو كانتون سولوتورن، بطلب في هذا الشأن إلى وزارة البيئة الفدرالية.
في الأثناء، تحرّك القطيع دون أن نلاحظه تقريباً في اتجاهنا. يقول يقول هولتسغانغ: “لقد أصبحنا الآن على مقربة شديدة منها. أو بمعنى أدق، لقد اقترب الحيوان منا أكثر من اللازم. سننتظر الآن لنعرف ما الذي ستفعله هذه البقرة. فإذا ما استمرت في سيرها فقط، سيكون جيداً. أما إذا ما سارت نحونا، فسيكون علينا الانسحاب.”
في النهاية سارت بقرة الويسنت مبتعدةً في منتهى الوداعة . حقًّا إنّها عملاقة مسالمة.
تحرير: صابرينا فايس
ترجمة: هالة فرّاج
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.