استمرار الإضطرابات في ليبيا يُـربـك الأسواق النفطية العالمية
تدرس الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدِّرة للنفط (أوبيك) زيادة إنتاجها، لمواجهة ما تسبَّـبت فيه الأزمة الليبية من طفرة في الأسعار، فيما يرى جِييْ كاربونير، الأستاذ في معهد الدراسات الدولية والتنمية في جنيف، بأن الإنتاج الليبي لا يمكن تعويضه.
ووفقا لسلطات النقل البحري في لندن، فإن الاتصالات مع موانئ النفط الليبي قد توقّـفت منذ يوم الثلاثاء 22 فبراير 2011، بسبب الأوضاع التي تشهدها البلاد، كما أدّت الأزمة الليبية إلى قفز أسعار النفط وإلى هبوط في الأسواق المالية الآسيوية والأوروبية.
وقال رئيس شركة ايني ENI الإيطالية وهي أكبر شركات النفط الأجنبية العاملة في ليبيا إن الإنتفاضة أوقفت صادرات ليبيا من النفط فعليا، كما أدت الأزمة في ليبيا إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى نحو 120 دولارا للبرميل مما أثار قلقا بشأن تعافي الاقتصاد العالمي.
وقد قامت swissinfo.ch بمحاورة جِييْ كاربونير، الذي يشغل أيضا مديرا للمجلة الدولية للسياسات الإنمائية، وسبق له أن شارك في مفاوضات جولة أوروغواي لمنظمة التجارة العالمية وشغل عضوية المديرية العامة للجنة الدولية للصليب الأحمر، كما أنه خبير في إدارة الموارد النفطية.
swissinfo.ch: ليبيا هي الدولة النفطية الأولى التي تتعرّض لاضطرابات سياسية، فما هو المتوقَّـع؟
جِييْ كاربونير: الملاحظ حاليا، أن هناك زيادة متسارِعة نوْعا ما في الأسعار، وهي مرتبطة في الأساس بالتوتّـر الذي يعتري اللاّعبين في السوق، باعتبار أنهم يتسارعون في استباق ما يتوقّـعونه من صعوبات متزايدة في إمدادات النفط، كما يتوقعون قفزات باهظة في الأسعار، والمتعيّـن بالنسبة لنا، هو انتظار التطورات في الوضع السياسي الليبي وما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة. ويبدو أن أمامنا أسبوع أو أسبوعين لنبدأ في استيضاح الأمور.
ومن الطبيعي، أن نتفهّـم هذا التوتر القائم في ساحات التداول، ما دام الطلب العالمي في تزايد، في الوقت الذي يتعرض فيه مستوى الإنتاج إلى انخفاض كبير، ولا يمكن الاستهانة بمُـنتِج كبير مثل ليبيا، التي من المتوقّـع أن تؤدّي الاضطرابات فيها إلى توقّـف الإنتاج بالكامل، ومن الصّـعب لأي مُـنتِج آخر أن يقدِر على تعويضها بيْـن عشية وأخرى.
وبالنسبة لبلد كسويسرا يعتمد على استيراد النفط، فالوضع يفرض ضرورة السّـعي الجادّ من أجل تأمين مَـصادر أخرى لإمدادات النفط والغاز، تكون غنية ومتنوعة، بالإضافة إلى تعزيز الجهود الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة، خاصة الطاقة المتجدّدة.
وما يحدث اليوم للنفط في ليبيا، يمكن أن يحدث في غضون سنوات قليلة لليورانيوم في النيجر، ثالث أكبر مُـنتج في العالم، ولنا أن نتصوّر كيف يمكن أن تتفاقم الأمور إذا ما تغلْـغل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
إذا ما طالت الإضطرابات بلدانا أخرى في المنطقة، فكيف سيكون الحال بالنسبة للنفط والغاز؟
جِييْ كاربونير: يمكن للوضع أن يصبح حرِجا، إذا ما توقّـف إنتاج النفط في ليبيا، حيث لن يكون بمقدور المخزونات الإستراتيجية في البلدان المستورِدة أن تسدّ النقص الكبير، إلا لفترة وجيزة. أما إذا وصلت الاضطرابات إلى الجزائر، فعند ذلك يضيق الأمر كثيرا ويصبح حَرِجا بالفعل.
وإذا ما طالت الاضطرابات، التي تلفّ العالم العربي، بلدا كالسعودية، التي صار لها زمن وهي متربّـعة على العرش العالمي لإنتاج البترول، فإن من شأن هكذا سيناريو أن يُحدِث أزمة نفطية حقيقية، وعندها سيكون ما حصل في العامين 1973 و1979 ما هو إلا مجرد سحابة عابِـرة وأن أمامنا فواجِـع.
إلى أي مدى يمكن لمصير القذافي أن يؤثر على إمدادات النفط؟
جِييْ كاربونير: على كل حال، النفط موجود في ليبيا، بِـغضِّ النظر عن نظام الحكم، وإن مصلحة البلاد في بيع النفط، سواء أكان الحكم للقذافي أم لحكومة ديمقراطية أو كانت هنالك حالة انتقالية، باعتبار أن النفط يشكِّـل مصدرا رئيسيا للاقتصاد الليبي ولخزينة الدولة، ولذلك، لا أستطيع أن أتصوّر أن الحكومة الجديدة يُـمكن أن توقف الإمدادات أو أن تجري تغييرات جوهرية على محفظة العملاء.
ولعلّ أسوأ ما يمكن أن نتوقّـعه، فهو وجود مرحلة انتقالية غير مستقِـرة وعنيفة، تفصل بين نهاية حقبة استبدادية وإقامة نظام ديمقراطي، مع انعدام الأمن في طرابلس وفي مناطق الإنتاج، مما يؤدّي إلى انسحاب الأجانب العاملين في حقول النفط وإلى القصور في صيانة مرافق الإنتاج.
على فرض سقوط نظام القذافي، الذي أصبح وشيكا، هل من المناسب أن تبقى ملكية مرافق إنتاج النفط تابعة للدولة، أم أن من الأولى إخضاعها للملكية الخاصة؟
جِييْ كاربونير: هذه مسألة سياسية، ولكن من الناحية العملية، نجد بأن الاتِّـجاه السائد لدى الدول المُنتِجة، أن تقوم بإنشاء الشركات التي تتبع للقطاع العام وتديرها الدولة وتدخل هذه الشركات بعلاقات تعاون ومساهمة مع الشركات الغربية الكبرى، ومن ثَـم – وبشكل متزايد – مع الشركات الصينية والماليزية، التي تقوم بدورها بتزويد التكنولوجيا والمعرفة.
وثمّة استثناء في هذه القاعدة، كما هو موجود في بعض الدول التي بدأت الإنتاج حديثا، مثل النيجر وغانا، حيث تقوم شركات البترول الغربية والشركات الصينية بالعمل دونما حاجة لوساطة شركات وطنية أو حكومية محلية، ولستُ أتصور بأن يكون للأحداث الجارية تأثير في تغيير هذا الواقع أو تغيير بوْصَـلة السوق النفطية.
هناك علاقة بين الديمقراطية والنفط والتنمية، كيف ترون هذه العلاقة؟
جِييْ كاربونير: الملاحَـظ أن البلدان النفطية، غالِـبا ما تعتمد على عائدات النفط كمصدر شِـبه وحيد للدخل، حتى انتشر بين الناس مُـصطلح “لعنة الثروة النفطية” وهناك تلازم بين البترول وبين الأنظمة الاستبدادية، باعتبار أن هذه الأنظمة تُـحافظ على وجودها من خلال توزيع خيْـرات البلاد على حفنة قليلة من أصحاب النفوذ.
ثم إن هذه الدول المُـنتجة للنفط، لا تحتاج لأن تُـقيم نظاما ضرائبيا تجني من خلاله الأموال والمداخيل عن الأنشطة الرِّبحية للمواطنين، لأنها أنظمة مُـعتمِـدة أساسا على عائدات النّـفط، التي تدفعها في الغالب الشركات الأجنبية. وبالنتيجة، تشعر الدولة بأنها في حل من أي مسؤولية أمام مواطنيها، طالما أنها تحصُـل على الأموال من شركات النفط، فهي ليست كالدولة في النظام الديمقراطي التي تعتمد ميزانيتها على مساهمات المواطنين، وبالتالي، هي مسؤولة أمام شعوبها.
ولذلك، أنا مُـقتنع بأن قيام نظام ديمقراطي في تلك البلدان، سيصُـبّ في مصلحة التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل، إذ تبدأ المجموعات التي لها مصالح خارج قطاع النفط، بالضغط باتجاه مصالحها التي تتوزّع على القطاعات المُـختلفة، كالزراعة والخدمات وغيرها، فتنشَـأ بذلك تعدُّدية الهيكل الاقتصادي وتتعزّز السياسات الاقتصادية المتنوعة.
ولعلّي هنا أشير إلى النموذج النرويجي، باعتبار أن النرويج قد بدأت منذ السبعينات باستغلال نفطها، ولكونها دولة ديمقراطية، فقد قامت منذ الوهلة الأولى بتركيز النقاش حول أنجَـع الطُّـرق في الاستفادة من الثروة النفطية، فقرّرت استخدام عائدات ثروتها من الذّهب الأسود في دعْـم التنمية الاقتصادية في القطاعات المتنوّعة، ووضعت خطةً تطمح على المدى الطويل إلى إنشاء صندوق يضمَـن الرخاء للأجيال القادمة، تحسُّـبا لعهد ما بعد النفط.
تحتل ليبيا المركز 18 عالميا في إنتاج النفط وتضخ حولي 1,8 مليون برميل يوميا، أي حوالي 2٪ من الإنتاج العالمي للنفط، كما تنتج نحو 0,5٪ من الإنتاج العالمي للغاز، فيما تنتج المنطقة الواقعة بين الجزائر وإيران 36٪ من النفط في العالم.
ووفقا لإحصاءات شركة بريتيش بتروليوم، فإن لدى سويسرا ما يقرب من 3,3٪ من احتياطي النفط عالميا، و0,8٪ من احتياطي الغاز العالمي.
ووفقا لاتحاد النفط السويسري، شكل النفط الليبي في عام 2008 ما نسبته 75٪ من مجموع واردات سويسرا من الوقود، وهو ما قيمته 3,3 مليار فرنك سويسري، بينما هو اليوم حوالي 11٪ فقط.
منذ أزمة الرهائن بين برن وطرابلس، أصبحت سويسرا تستورِد النفط بشكل رئيسي من أذربيجان وكازاخستان.
في عام 2010، لم تتجاوز واردات سويسرا من ليبيا الـ 485 مليون فرنك سويسري، ولم تستورد سوى النفط.
وباختصار، فإن سويسرا لا تخشى أن يلحقها أي ضرر جرّاء تأثير الإضطرابات المستمرة في ليبيا على إمدادات النفط.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.