نعم للغذاء العادل، ولكن بأي ثمن؟
هل تعرف دوما كيف يتم إنتاج ما تأكله؟ تهدف مبادرة "الغذاء العادل" إلى إضفاء مزيد من الذوق والأخلاق على المائدة السويسرية، وهي من وجهة نظر المؤيدين للمبادرة وسيلة لتعزيز الإنتاج المستدام، أما من وجهة نظر المعارضين فهي مثالية قد تكون مكلفة للمستهلكين.
يجب على المواطن السويسري أن يستهلك المواد الغذائية التي تلبي أكثر المعايير البيئية والاجتماعية صرامة، هذا هو ما تطالب به المبادرة الشعبية وعنوانها: “من أجل غذاء صحي، وعادل، وصديق للبيئة”، واختصارا (مبادرة الغذاء العادلرابط خارجي). التي أطلقها حزب الخضررابط خارجي (حزب أنصار البيئة ، يسار)، والتي سيتم عرضها على التصويت الشعبي يوم 23 سبتمبر 2018.
للمبادرة خلفية انطلقت منها، وهي فضائح الأطعمة العديدة التي هزّت أوروبا في السنوات الأخيرة، والتي كان من بينها فضيحة اللازانيا بلحم الخيل، حيث اكتُشف في عام 2013 أن بعض المأكولات الجاهزة، والمتداولة في معظم الدول الأوروبية، تحتوي على لحوم الخيل بدلا من اللحم البقري المذكور ضمن المحتويات، وقد تمّ سحب هذه المنتجات من الأسواق في سويسرا وفي باقي الدول الأوروبية.
أيضا، كان لطريقة إنتاج الفواكه والخضروات في منطقة ألميريا جنوب اسبانيا، المعروفة باسم “مزرعة أوروبا”، أثرا في تهييج القضية وإثارة النقاش السياسي، فالفراولة والطماطم والباذنجان… تزرع بكثافة في البيوت الزراعية (الدفيئات) الضخمة لتملأ رفوف محلات الأسواق الأوروبية على مدار السنة، وذلك بالاعتماد إلى حدّ كبير على المهاجرين، الذين يعملون في ظروف بائسة ومقابل بضعة فرنكات في الساعة.
هذه الفضائح، ألقت بظلال من الشك حول موثوقية نظام تتبع المنتج وظروف إنتاج الأغذية.
تطالب مبادرة “الغذاء العادل” بتعديل المادة 104أ من الدستور الفدراليرابط خارجي، بحيث تلتزم الحكومة الفدرالية بتعزيز إمدادات المواد الغذائية الآمنة والجيدة، والتي لابد أن يكون إنتاجها متوافقا مع احترام البيئة والموارد والحيوانات وظروف العمل العادلة.
وتحقيقا لهذه الغاية، يتعيّن على السلطات وضع معايير تُطبّق سواء على المنتجات السويسرية أو المستوردة، فعلى سبيل المثال، بالرغم من أن سويسرا كانت في عام 1981 أول دولة تحظر إنتاج البيض في البطاريات (أقفاص ضيّقة)، إلا أن استيراده لا يزال مسموحا، ونفس الشيء ينطبق على كبد الأوز وأفخاذ الضفادع ومنتجات الفراء.
وفي حال قبول المبادرة فإنه سيتم حظر استيراد جميع المواد الغذائية التي لا تستوفي المعايير السويسرية المتعلقة بحماية الحيوان، وستتحمّل السلطات الفدرالية مسؤولية التأكد من تطبيق تلك المعايير، وسيتعيّن عليها ضمان الحد من الآثار السلبية لنقل الأغذية والأعلاف وتخزينها على البيئة، فضلاً عن اتخاذ التدابير اللازمة للحد من هدر الغذاء.
ترى الحكومة الفدراليرابط خارجية أنه لا داعي للمبادرة التي تَقدّم بها حزب الخضر، وأكدت بأن سويسرا تنتج حاليا نحو نصف حاجتها من المواد الغذائية، وأن هذه المنتجات ملزمة باستيفاء معايير عالية، من حيث السلامة والجودة والاستدامة، ولذلك تعتبر الحكومة أن معظم مطالب المبادرة هي بالفعل متحققة وأنه لا حاجة للتغيير الدستوري.
وأما بشأن المنتجات المُستوردة من الخارج، فقد أشارت الحكومة الفدرالية إلى أنها تشارك منذ وقت في وضع معايير دولية تهدف إلى تعزيز الإنتاج الغذائي المستدام، وحذّر بالتالي من مغبة نشوء تعارض مع الاتفاقات الدولية في حال إقرار المبادرة، وبالأحرى أن تنشأ أيضا مشاكل فيما يتعلق بالتزامات سويسرا باتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وعودة، على سبيل المثال، إلى قضية البيض المُنتَج في البطاريات، وهي الطريقة التي تحظرها سويسرا، وتريد المبادرة أن تحظر الاستيراد من هذا المنتج أيضا، فهذا يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية التي تنص على عدم جواز حظر الواردات إلا لأسباب صحية.
ناهيك عن أن المبادرة بحد ذاتها تتطلب إنشاء نظام مراقبة “مرهق ومكلف” للتحقق من ظروف الإنتاج، بما في ذلك الأغذية المنتجة في الخارج، والعمل بهكذا مقترح قد يؤدي إلى رفع الأسعار، أكثر مما هي مرتفعة أصلا في سويسرا.
في المقابل، تعوّل الحكومة على الشفافية كمبدأ تفاهم مع المستهلك بدلاً من الحظر أو التقييد، وفي مقابلة مع التلفزيون السويسري قال وزير الداخلية آلان بيرسيه: “عندما تكون المنتجات المستوردة غير متوافقة مع معايير الإنتاج السويسرية، فيجب ذكر ذلك على ظهر العبوة”، وبالتالي يمكن استيراد البيض المُنتج في بطاريات بشرط أن يحمل ملاحظة: “لا يُسمح في سويسرا بإنتاج البيض في بطاريات”.
من سوء طالع المبادرة، أنها منيت بالفشل حتى على مستوى غرفتي البرلمان، حيث رفضها المجلس الوطني (مجلس النواب) بأغلبية 137 صوتا مقابل 37 صوتاً وامتناع 23 عضواً عن التصويت، وأسقطها مجلس الكانتونات (مجلس الشيوخ) بأغلبية 32 صوتاً مقابل 3 أصوات مؤيدة وامتناع 9 أعضاء عن التصويت.
وقد وجد الخضر أنفسهم يدافعون لوحدهم عن مشروعهم، فجميع الأحزاب الأخرى تعارضهم، وتعتقد الأغلبية البرلمانية أن المادة الدستورية المتعلقة بالأمن الغذائي، والتي تم إقرارها في استفتاء 24 سبتمبر 2017، تؤدي الغرض وتعزز الأمن والاستدامة الغذائية، ولذلك بدا أن الاقتراح التشريعي الجديد عديم الجدوى، حتى أن الاشتراكيين لم يدعموا اقتراح حلفائهم الطبيعيين.
ومن جهة أخرى، اعتبر بعض النواب أن النص المقترح غير قابل للتطبيق، ومن هؤلاء النائبة عن حزب الشعب (يمين شعبوي)، سيلين آمودرو، التي أثارت خلال إحدى جلسات النقاش جملة من التساؤلات حول ما اعتبرته “وهم” مراقبة المنتجات الخارجية فقالت: “كيف سنتمكن من رسم خطة للمراقبة؟ وهل سيُسمح لنا بقياس جودة المياه في شينان (إحدى مناطق الصين) لنعرف ما إذا كان إنتاج الشاي الأخضر بعيدا عن مخاوفنا؟”.
وفي معرض الرد، أوضح حزب الخضر بأنه لا يقصد من خلال تطبيق مبادرته تقييد الحرية التجارية، ولا فرض حظر على الاستيراد، على حد قول أديل تورينز، النائب عن حزب الخضر، وإلا لصعّبنا الأمر جدا، و”لوضعنا سويسرا في خلاف مع المجتمع الدولي”، وإنما القصد هو الالتزام بزيادة وعي المواطن ووضع شروط على التجار والموزعين.
ويعتقد الخضر بأن التصويت الشعبي الكاسح لصالح مبادرة الأمن الغذائي في العام الماضي، كفيل بعدم اعتبار مبادرة الغذاء العادل عديمة الجدوى، لأن المادة الدستورية الجديدة، بحسب أديل تورينز، ليست سوى: “مبدأ. وهي إيجابية بالتأكيد، ولكن يُخشى أن تبقى حبرا على ورق”، وفي رأيها أن نص مبادرة الخضر سيتيح اتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيق ما يصبو إليه المواطنون.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.