خلف جدران الفاتيكان .. حياة مفعمة بالتنوّع والثراء
يظهر معرض للصور تستضيفه متاحف الفاتيكان نمط حياة الحرس السويسري البابوي بعيدا عن مظاهر الزي الرسمي والأعلام الخفاقة. أما الغرض من هذه التظاهرة فيتمثل في تقديم هذا الجيش - الأصغر والأقدم في العالم – في هيئة غير تلك المعروفة حتى الآن لدى الجمهور.
من المعروف أن البابا فرانسيس يحرص على أن تكون أبواب الكنيسة الكاثوليكية مفتوحة للجميع، وأن لا تكون حصنا منيعا لأشخاص معزولين داخلها. وفي هذا السياق، قرر الحرس السويسري، المسؤول عن أمنه، بدوره الإنفتاح على الجمهور، أقله من خلال معرض صور فريد من نوعه يُقام داخل متاحف الفاتيكان.
وبالفعل، يسلط معرض “حياة الحرس السويسري.. رؤية خاصة” الضوء على الكواليس السرية لما يُعرف بـ “جيش الفاتيكان”.
وتظهر الصور المعروضة اللحظات الخاصة التي يعيشها الحراس، بعيدا عن أنظار السياح، داخل أسوار الفاتيكان، في إطار الحياة الخاصة لكل فرد منهم. ويقول أنطونيو باولوتشي، مدير متاحف الفاتيكان: “إنها صور تعكس حياة نبيلة وقديمة، ولكن أيضا حياة شباب نذروا أنفسهم لخدمة البابا”.
الصور توثّق الحياة اليومية والروتين الذي يتبعه هؤلاء الشباب. وأوضح كريستوف غراف، قائد الحرس السويسري البابوي، أن الغاية من هذا المعرض “ليس إظهار الحراس كما لو أنهم أبطال استثنائيون أو أنهم يعملون كملائكة تحرس البابا، بل نحن نريد أن نقوم بواجبنا في صمت وبتفان وتواضع”.
التظاهرة في سطور
يضم المعرض 86 صورة من جملة 150 صورة تُوجد في الدليل المصاحب له.
الصور إما بالألوان أو بالأبيض والأسود فقط. أما التعاليق على الصور، فقد كتبها الحراس أنفسهم.
وشدّد غراف في حديث إلى swissinfo.ch على هامش المعرض على أن الحرس البابوي “ليس خدمة عسكرية عادية. إنها خدمة للبابا، وللكنيسة، ولابد من توفّر الحب للإثنيْن للقيام بهذه الخدمة”.
ويصبح هذا العمل أكثر إلحاحا وإثارة عندما يتعلّق الأمر بشخصية مثل البابا فرانسيس، الذي يُعارض البروتوكولات الجامدة. وبالنسبة لقائد الحرس: “تظل الخدمة مهمّة. ولا تتبع البروتوكول بدقة. وصحيح أنه لضمان الأمن والسلامة، تتسبّب في بعض الأحيان في المزيد من المشاق، ولكننا متعوّدون على ذلك، وهو أمر جيّد. إنه يحتاج إلى ممارسة حريته. أعتقد أنه يرغب في ذلك، ونحن حريصون على أن نحقق له ما يريد. في الوقت نفسه، نحن مسؤولون على سلامته وأمنه، وعلينا أن نكون منتبهين لكل هذه الجوانب”.
المزيد
ما وراء الزي الرسمي للحرس البابوي السويسري
من جهته، يُكمل أورس بريتنموزير، الرقيب والناطق باسم الحرس السويسري – الذي يعتبر أن مهمّتهم حساسة ومعقّدة، خصوصا في هذه الأوقات التي تخيّم فيها على الأوضاع التهديدات الإرهابية – قائلا: “أنا أتكلّم بصفتي ممثلا للحرس البابوي، ومن الواضح أننا لا نُغمض أعيننا عن هذه التهديدات. والأوضاع التي نشهدها تؤلمنا جدا. والبابا يندّد بأعمال العنف، وهو بان للجسور، ويريد أن ينفتح على بقية الأديان. نحن نرى أنه بالإمكان أن يتعايش الجميع بسلام – الأديان الواحدة بجنب الأخرى – ونحن نؤمن فعلا بذلك”.
صداقة
مقابل التحية التي يتوجّه إليه بها الحرس السويسري، يرد البابا فرانسيس عبر إيماءة بالرأس أو مصافحة باليد. هذه العلاقة التي لا تتخذ طابعا عسكريا، إضافة إلى الفرص المتاحة أيضا للتكلّم معه مباشرة، تعزّز الثقة بين وريث عرش القديس بطرس وجيشه. والصور التي تؤثث المعرض تخلّد هذه اللحظات الإنسانية القوية، إضافة إلى علاقة الصداقة بين أفراد الحرس البابوي على وجه الخصوص.
العديد من هذه الصور هي عبارة عن لقطات لحراس في أوقات فراغ أو خلال الإجازات أو أيضا أثناء الحصص التدريبية، فضلا عن الإحتفالات مثل مراسم أداء القسم. ومن بين هذه اللقطات مثلا واحدة للمصوّر فابيو مانتنيا الذي التقط صورة لإبن كريستوف غراف وهو بصدد وضع قبعة أبيه على رأسه. وعلّق المصوّر على هذه اللقطة بالقول: “صوّرتُ الطفل الذي يستخدم قبّعة أبيه وهو يبتسم، ويبدو عليه الفخر والإعجاب، والسعادة تبدو على محياه. أتصوّر، أنه بالنسبة لأي طفل، عندما يرى أباه يلبس البدلة العسكرية يكون شديد الإعجاب به. وهذه من الصور المفضّلة لديّ”.
لقد فاجأت النتيجة النهائية حتى أفراد الحرس أنفسهم. فهم تقريبا لا يرون أبدا الصور “المسروقة” التي يلتقطها لهم السياح. ويشير أورس برايتنموزر، الذي يعمل في صفوف الحرس البابوي منذ 20 عاما بأن هذا المعرض “يسلط الضوء على عملنا اليومي المعتاد. وعندما نشاهد هذه الصور، نقول لبعضنا البعض إنه من الجيّد معرفة مدى الثراء والتنوع الذي يتسم العمل الذي نقوم به، وإلى أي حد هو مفعم بلحظات جميلة”.
كان أفراد حراسة البابا هم أوّل زوار هذا المعرض. حيث يظهر البعض منهم مرات عديدة في الصور المعروضة. وهذا هو حال بنيامين كروازيي، من بلدة “جيمال” بكانتون فو. وبالنسبة لهذا الشاب البالغ من العمر 23 عاما، فإن هذه الصور “تصدر عن وجهة نظر مثيرة للإهتمام، لأنها تُظهر العمل في عالم له أبعاد فنّية وتاريخية ويلفه الهدوء. وقبل أن آتي إلى هنا، كنت أرى الحارس كشخص حاد المزاج، مثلما نراهم في الكنائس”.
الصمت والفراغ والوحدة، أبعاد لا تغيب كذلك عن الصور التي التقطها فابيو مونتنيا.. ممرات لا نهاية لها، ومدارج بلا حدود يحرسها أفراد لا يتحركون. ويعلّق أورس برايتنموز على ذلك فيقول: “نحن لا نقول ذلك، ولكن البقاء ست ساعات كاملة واقفا، حتى ولو كان ذلك ليس للحراسة، أمر متعب جدا. نحن نعمل ستة أيام، تليها ثلاثة أيام في الإحتياط والراحة. وإذا كان البابا ليس لديه برنامج معيّن، يمكن للحارس أن يخرج لزيارة إيطاليا أو سويسرا. الآن، الوضع أفضل من ذي قبل”.
الواقعي والافتراضي
المرور من العزلة التامة إلى الحشود الغفيرة بساحة القديس بطرس، حالتان لا تفصل بينهما في بعض الأحيان سوى بضع دقائق. وعلى الحرس البابوي السويسري أن يكون قادرا على حسن التعاطي مع الجمهور الغفير. ولهذا، يتلقى الحراس دروسا في علم النفس. ويؤكّد أورس بيتنموزر، الذي يظهر شخصيا في إحدى الصور بالمعرض في مكان ما بساحة القديس بطرس أن هذا التعاطي “يتطلّب مرونة ذهنية كبيرة جدا، كما علينا الإستعداد، والحفاظ على اللياقة البدنية، ثم النوم الجيد”.
خطر العزلة
تشكل العزلة واحدة من الأخطار التي تهدد الحرس السويسري ولهذا السبب تحديدا لا يُسمح لأفراده باستخدام الإنترنت أو الهواتف النقالة داخل الفاتيكان، حتى أثناء فترات الإستراحة.
أوضح أورس براتنموزر الذي يعتقد أن التعايش الجيد بين أفراد الحرس أمر أساسي كيف أن “الشاب اليوم، خلال أوقات فراغه، يميل إلى العزلة. فشبكات التواصل الإجتماعي، هذه الأدوات الإفتراضية التي يتواصل فيها المستخدم مع العالم قاطبة، كل ذلك يحصر أكثر فأكثر دائرة الحياة العادية. السماح لهم فقط بالمطالعة وبالكتابة ينشط لدى الفرد الإرادة في مواجهة الوقائع الحالية والتاريخية، والتثقف وزيارة إيطاليا لاحقا، وهو ما يُعتبر تجربة ثرية وغنية”.
يتفق الحارس بنيامين كروازيي مع رئيسه، ويقول: “لدينا نفس الإهتمامات المعروفة لدى أقراننا من الشباب، ولكنني متفق مع القيود التكنولوجية. لأن تلك الإهتمامات تُفقدنا الكثير من الوقت، وتجعلنا لا نستفيد من الكثير من الأشياء المهمّة في الحياة. الحظر يساعدنا على التفكير والإهتمام بأشياء أخرى، مثل الفنون التي تحيط بنا، وأهمّ من ذلك أنها تمنحنا فرصة للتفكير في أنفسنا”.
ولكن ما الذي يختفي خلف البدلة العسكرية؟ بالنسبة للقائد غراف، الجواب واضح لا يحتمل أي لبس: “شبان سويسريون، كاثوليك، يقومون بدورات وبصلوات، وبالأنشطة الرياضية البدنية، ودروس تقوية في اللغة الإيطالية، وبمتوسط عمر يتراوح بين 20 و23 عاما”.
أخيرا، يؤكّد غراف أنه “في كل عام تقريبا، يقرّر أحد الحرّاس أن ينضمّ إلى المؤسسة الكاثوليكية”.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.