الحسم العسكري في سوريا مستحيل.. والحل السياسي لا زال بعيدا
بدت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة زاهدة في إنضاج حل سياسي للأزمة في سوريا، ليس فقط لأنها لم تحزم أمرها في شأن التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد من عدمه، وإنما خاصة لأن الإدارة الحالية تكتفي بتصريف الأمور في نهاية الولاية الأخيرة للرئيس أوباما.
ومع التواري الأمريكي (النسبي) عن الساحة السورية، برزت موسكو وطهران والرياض بوصفها المثلث الماسك بمفاتيح الحل. وأظهر الروس بشكل خاص حرصا على الإمساك بجميع خيوط اللعبة فجال وزير خارجيتهم على عواصم القرار الإقليمي، فيما فتحت موسكو قاعاتها الشرفية للوافدين من أطياف المعارضة السورية وممثلي الحكومة والمسؤولين السعوديين (وزير الدفاع ثم وزير الخارجية). غير أن تباعد المواقف الذي ظهر جليا في المؤتمر الصحفي المشترك بين لافروف ونظيره عادل الجبير أكد أن أطنان السلاح التي ستشتريها الرياض من موسكو لن تردم هوة الخلاف حول مصير الأسد.
جيش مُنهك.. وتقسيم في الأفق
بين حلب في الشمال ودرعا في الجنوب وطرطوس واللاذقية في الشرق، فضلا عن الدفاع عن العاصمة دمشق، وصل الجيش السوري النظامي إلى حالة إنهاك متقدمة بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب المستمرة. لذلك اضطر الأسد للتخلي عن المناطق التي تلقى فيها ضربات مُوجعة من أجل تجميع قواته في مدن أكثر حيوية، وخاصة معقله على الساحل. لكن هذا التكتيك جعل سوريا تتقدم نحو التقسيم الفعلي، لاسيما أن الحرب مُرشحة للإستمرار في ظل استحالة الحسم العسكري وغياب أي أفق لحل سياسي.
الخلاف إذن جوهري بين الموقف السعودي من جهة والموقفين الإيراني والروسي المتمسكين (ظاهريا؟) بالأسد، من جهة أخرى. لكن ليس من المستبعد أن تُضحي به موسكو إذا ما وجدت بديلا يضمن مصالحها في آخر بلد حليف لها مُطل على المتوسط. من ذلك مثلا السيناريو المتداول حول تكليف نائب الرئيس فاروق الشرع بالإشراف على المرحلة الإنتقالية. والظاهر أن الإدارة الأمريكية تتجه أيضا إلى التخلي عن الأسد، رغم الإشارات الإيجابية التي ترسلها إليه من وقت إلى آخر. وقد لخص السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد موقف إدارته بهذه الجملة: “إن نظام الأسد يضعف شيئا فشيئا ولا أرى حاجة بنا لربط أنفسنا بجثة”.
مُثلث حيوي
ومع أن كثيرا من المحللين، لاسيما من المعارضة، يتوقعون انهيارا وشيكا للنظام في دمشق بعدما أنهكت ميليشياته وفرّ ثلث عناصرها، مازالت إيران تُراهن عليه لأسباب استراتيجية تتعلق بضرورة استمرار الإتصال الجغرافي بين جنوب سوريا ومناطق حزب الله في لبنان. غير أن المتابعين للحركة الديبلوماسية الجارية يتفقون على أن القرار لم يعد بيد النظام في دمشق وإنما بأيدي الإيرانيين، مُستدلين مثلا بغياب ممثلي الأسد عن المفاوضات التي جرت بين تنظيم أحرار الشام والإيرانيين لوقف إطلاق النار في ثلاث مدن هي الزبداني في ريف دمشق والفوعة وكفريا في ريف إدلب (الشمال)، والتي أظهرت رغبة طهران والأسد الجامحة في الإحتفاظ بمثلث دمشق –حمص- الساحل (ذي الغالبية العلوية). فهذا المثلث يضمن “مجالا حيويا” للنظام ويمنح في الوقت نفسه إطلالة لإيران على المتوسط، وجسرا يؤمّـن استمرار تدفق السلاح إلى حليفها حزب الله في لبنان.
في الأثناء، ذكرت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة أن السعودية عرضت على إيران سحب قواتها وميليشيات حزب الله من سوريا، مقابل وقف الرياض دعمها للمعارضة السورية. وطرحت swissinfo.ch سؤالا عن هذا العرض على الدكتور خالد خوجة، رئيس الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خلال زيارته الأخيرة للدوحة فأجاب: “إذا ما سحبت (طهران) عناصر “حزب الله” وميليشياتها و”أبو الفضل العباس” و”الحرس الثوري” (من سوريا) سينهار النظام حينئذ من تلقاء نفسه”. وأضاف “إذا كان هناك فعلا قبول بالعرض السعودي، فنحن نرحب بسحب إيران لعناصرها تماما لأن مثل هذه الخطوة ستكون لصالح الشعب السوري، فالأسد ليس هو الذي يُحارب ومن يسند النظام هو القوات الإيرانية”.
في السياق، أكدت مصادر سورية لـ swissinfo.ch أن خوجة ركز المحادثات التي أجراها مع الروس خلال زيارته الأخيرة لموسكو على “استبعاد أي دور للأسد في تسوية الأزمة السورية”، وعلى أن تكون موسكو “أكثر انحيازا للشعب السوري”، خصوصا أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سبق أن أكد بعد اجتماع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الأخير “مستعد للتخلي عن الأسد”.
وفي هذا المضمار، شدد خوجة في تصريحه لـ swissinfo.ch قبل سفره إلى موسكو على أنه “لا يجب أن يكون للأسد ولا للمجرمين الذين تورطوا في دماء السوريين أي دور في العملية الإنتقالية، فسوريا الجديدة ينبغي أن تكون بالضرورة خالية من بشار الأسد. هذا موقفنا ولم يتغير، وسنبحث مع الروس التطورات الأخيرة ونطرح موقفنا من العملية الإنتقالية”.
المزيد
“سوريا ضحيّة لفشل المجموعة الدولية في تدخّلاتها خلال العقد الأخير”
تقارب بين أطياف المعارضة
زيارة خوجة إلى موسكو أتت تلبية لدعوة من وزير الخارجية سيرغاي لافروف في أعقاب مسار التقارب بين أطياف المعارضة السورية، إذ وقّـع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في بروكسل على وثيقة مبادئ مع “هيئة التنسيق” التي تضم مُعارضين من الداخل والخارج، كما توصل أيضا إلى وثيقة مماثلة مع “تيار بناء الدولة”، وهو يُجري اتصالات مع الفصائل العسكرية في الداخل من أجل “توحيد المواقف في شأن العملية الإنتقالية”، على ما قال خوجة.
في الأثناء، كيف ترى المعارضة مضمون العملية الإنتقالية المرتقبة؟ تتفق غالبية الأطياف السورية على أن عملية الإنتقال يجب أن تستند على مُخرجات مؤتمر “جنيف1″، أي أن المفاوضات مع النظام ينبغي أن تنطلق من حيث توقف اجتماع “جنيف2” الذي انسحب خلاله ممثلو الأسد من مائدة المفاوضات. وذهب الدكتور خوجة إلى حد القبول بحضور إيران المفاوضات المقبلة “بشرط اعترافها بمخرجات جنيف1، باعتبارها ستصبح (عندئذ) دولة محتلة”. وفي تصريحات أدلى بها مؤخرا في الدوحة، قال حول هذه النقطة: “نحن نتفاوض (نقبل التفاوض) مع إيران على كيفية خروجها وكيفية سحب عناصرها والميليشيات التابعة لها من سوريا ليس أكثر، وترك (الصراع) ليكون بين السوريين أنفسهم”.
بدوره يتفق معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مع هذا الطرح، إذ رد على سؤال swissinfo.ch بشأن مبادرة 23 مايو 2013 التي نصّت على خروج آمن لبشار الأسد مع 500 شخص من عائلته ومساعديه، بقوله: “كانت فرصة ثمينة وأقول إذا كان هذا الحل (ما يزال) مطروحا فليكن اليوم قبل الغد، لكن للأسف الشديد كان النظام في دمشق والمعارضة المتخشبة سببا في تعطيل ذلك المشروع”. ومضى قائلا: “إن غالبية الشعب السوري ممن هم مع النظام أو ضده ترضى بهذا الحل لإيقاف الدم، مع العلم أن ذلك لا يُعطي صك براءة من أية جرائم حصلت، فحقوق الناس لا يمكن أن يُسامح بها إلا أصحابها، وهي موجودة ومُصانة، لكن شلالات الدم إذا كانت ستُحقن بهذا الخروج فليكن”.
تيار مُعارض جديد
أكد الرئيس الأسبق للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مُعاذ الخطيب لـ swissinfo.ch أنه سيزور موسكو قريبا لمتابعة حوارات أجراها مع الجانب الروسي وكان آخرها في وقت سابق من شهر أغسطس 2015 مع وزير الخارجية سيرغاي لافروف في الدوحة. وفي الأيام الأخيرة، أصدر الخطيب، الذي استقال من منصبه في مارس 2013، بيانا أعلن فيه عن تأسيس “مجموعة سوريا الوطن” وحدد فيه موقفه من المبادرات المتداولة لحل الأزمة السورية. وشدد الخطيب على أنه “لا حل في سوريا دون رحيل رأس النظام والمجموعة التي ساقت البلاد إلى المصير البائس الذي وصلته اليوم”.
سيناريو عراقي أو ليبي
في هذا الصدد، يمكن القول أن الهاجس الأكبر للقوى الاقليمية والدولية، التي تخشى من تداعيات إسقاط الأسد، يتمثل في الحيلولة دون تكرار ما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي في 2003، أو ما تشهده ليبيا حاليا من فوضى عارمة نتيجة انهيار الدولة وتفكيك قوات الجيش وأجهزة الأمن، إلا أن الدكتور سنان حتاحت، نائب مدير مركز عمران للدراسات الإستراتيجية (مقره في اسطنبول) أكد لـ swissinfo.ch أن “مجالس أهلية تعمل حاليا في المناطق التي لا تخضع للنظام السوري حيث تُقدم الخدمات المدنية للمواطنين”. وأوضح أن المعارضة تُسيطر حاليا على “7 مجالس محافظات من أصل 14 محافظة سورية، فضلا عن عدد كبير من المجالس المحلية في المدن والبلدات”.
وبالرغم من تشكيل حكومة في المنفى برئاسة أحمد طعمة، فإنها لا تملك الوسائل والإمكانات الكافية لإنشاء إدارة مدنية تُلبي حاجات المواطنين في المناطق المُحررة، ولذا بادر السكان بتشكيل مجالس لإدارة شؤونهم بمبادرتهم الخاصة. وأوضح معن طلاع، الباحث في المركز نفسه أن “هناك حاليا ثلاثة أصناف من المجالس: مجالس اختيرت بالتوافق (خاصة في المناطق التي فيها تنوع اثني) وأخرى بالإنتخاب وثالثة بالتزكية وذلك بحسب المناطق”. وألفت إلى أن “هذا مهم جدا لبقاء الدولة وقيامها بوظائفها بعد نهاية الصراع”، في إشارة إلى التجربتين السلبيتين في العراق وليبيا. لكن يبقى السؤال: بعد كل هذا الدمار والتهجير الجماعي، هل سيكون مصير سوريا مُختلفا عن مآل العراق وليبيا؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.