مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدولة والنخبة في المغرب في مُواجهة أسئلة اجتماعية حرجة

المغنية الامريكية جنيفر لوبيز خلال العرض الذي قدمته يوم 29 مايو 2015 ضمن فعاليات الدورة الرابعة عشرة لمهرجان "موازين" للموسيقى بالرباط. وهو العرض الذي أثار الكثير من اللّغط والجدل لما تخلله من "حركات وإيحاءات تمس بالقيم الأخلاقية"، بحسب شريحة كبيرة من المجتمع المغربي. Keystone

هل هي مجرّد مصادفة أم أمور متعمّدة ومنسّقة...؟ أحداث متتالية شهدها المغرب خلال الأسابيع القليلة الماضية، في علاقة بالجانب الديني والاخلاقي والقيمي: مثلية جنسية، وفنا يقترب من الإسفاف، ودعوات للجهر بالإفطار في شهر رمضان، في مجتمع يبرز تمسكه بدينه وقيمه وأخلاقه ممزوجا بحريات واسعة بحدود لا تمس الجوهر. 

خلال الأسابيع القليلة الماضية، عرف المغرب جدلا واسعا وحادا حول فيلم سينمائي مغربي يتناول الدعارة وسهرة فنية لفنانة امريكية تضمنت حركات ذات إيحاءات جنسية، تم نقلها مباشرة بقناة تلفزيونية رسمية، وحول ناشطتين بحركة “فيمن” الداعية للمثلية الجنسية التقطتا صورا فاضحة في باحة أعرق المساجد بالعاصمة الرباط، ثم قام شابان مثليان مغربيان بالتقاط صور فاضحة بنفس المكان، ودعوة لإظهار الافطار في شهر رمضان الذي بدأ في المغرب يوم الخميس 18 يونيو. 

واذا كان القانون المغربي يعاقب ويمنع هذه المظاهر، فان المجتمع المغربي لا زال متشددا أكثر من القانون، لكن السلطات المغربية تجد نفسها، وهي تطبق القانون وتستجيب لمشاعر ومعتقدات المغاربة، في مواجهة منظمات مغربية، ودولية تنشط في ميدان حقوق الانسان، وإعلام يرى ويتعاطى مع هذه المظاهر بوصفها مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية وتعبيرة من تعبيرات حقوق الانسان 

 البداية من كان ومهرجان موازين

بدأت الحلقة الاولى في مسلسل “الهجوم على المغرب” حسب رأي البعض بتسريب لقطات من فيلم مغربي يحمل اسم “الزين اللي فيك” للمخرج نبيل عيوش، يتناول ظاهرة الدعارة بالمغرب، اللقطات تضمنت مشاهد فاضحة وكلمات سوقية، وقررت وزارة الإتصال والمركز السينمائي المغربي منع عرض الفيلم بقاعات العرض السينمائي بالمغرب رغم عرضه على هامش الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي. 

مخرج الفيلم نبيل عيوش (نجل نور الدين عيوش الداعي لتعليم اللهجة العامية المغربية بالمدارس المغربية) قال إن اللقطات التي تم تسريبها لم تكن ضمن النسخة النهائية للشريط الذي سيُعرض بالقاعات للجمهور، دون أن يجيب عن سؤال لماذا تم تصويرها؟ وفي الأثناء، انطلقت إلى جانب الحملة على الفيلم، حملة مضادة تتحدث عن الإبداع وحرية التفكير. 

في خضم الجدال حول فيلم عيوش، بدأت الحلقة الثانية من المسلسل، حيث انطلق بالرباط مهرجان “موازين” المثير للجدل الذي يتولى ادارته شخصية من داخل القصر الملكي وفيه قدمت الفنانة الامريكية جنيفر لوبيز عرضا فنيا بايحاءات جنسية وقامت القناة المغربية الرسمية الثانية (2M) بنقل العرض مباشرة وكاملا، فقرر رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران تقديم شكاية للهيئة العليا للسمعي البصري (الهاكا) ضد القناة لما اعتبره مسا بأخلاق ومشاعر المغاربة. 

وفي “موازين” أيضا، انطلقت الحلقة الثالثة من المسلسل، حيث تعمّدت فرقة “بلاسيبو” البريطانية قبل تقديم عرضها الذي نقل على شاشة التلفزيون الرسمي ايضا، الإعلان عن تضامنها مع ناشطتين من حركة “فيمن” كانت السلطات المغربية قد اعتقلتهما وابعدتهما من المغرب بعد قيامهما بالتقاط صور وهما تتبادلان القبل بصدور عارية في باحة مسجد حسان التاريخي ومقابل ضريحي الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني.

السلطات تطبّق القانون وتتمسّك بالمؤسسات

السلطات المغربية رحلت يوم الثلاثاء (2 يونيو 2015) الناشطتين الفرنسيتين في حركة «فيمن» مباشرة بعد توقيفهما في مطار الرباط مع منعهما من دخول التراب المغربي مستقبلا وفقا لأحكام القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في البلاد نظرا لقيامهما بالتقاط “لقطة خليعة” تمس بالآداب العامة أمام صومعة حسان في الرباط. 

وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية المغربية أن المواطنتين الفرنسيتين (أو.إف. إل و دي.أو.إم)، البالغتين من العمر 25 و30 سنة على التوالي، دخلتا المغرب وتوجهتا إلى صومعة حسان في الرباط، حيث “صورتا لقطة خليعة داخل مكان العبادة هذا، وهما عاريتا الصدر، مع إبراز شعار يمس بالآداب العامة وأشار البلاغ إلى أن “هذا السلوك الإستفزازي غير مقبول من قبل جميع مكونات الشعب المغربي”. 

وقال بيان لحركة “فيمن” في فرنسا إن الأمر يتعلق بالناشطة الفرنسية مارغريت ستيرن وناشطة أخرى، قامتا بالتعري أمام صومعة حسان للتنديد بـما يواجهه المثليون من هضم لحقوقهم في المغرب ومبادرة للإحتفاء بحقوق المثليين جنسيا، والتنديد بالظلم الذي يطالهم في المغرب. 

في السياق، قامت حركة “فيمن” بإطلاق صفحتها المغربية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحمل إسم “فيمن المغرب” “تتوخى الدفاع عن حقوق ملكية الانسان لجسده” ويظهر في غلاف الصفحة ثلاث ناشطات أجنبيات من الحركة وقد رسمن خريطة المغرب على أجسادهن العارية. 

وفي مساء الثلاثاء 3 يونيو، فوجئ جمهور مهرجان موازين ومشاهدو السهرة المنقولة على شاشة قناة رسمية بأحد أعضاء فرقة «بلاسيبو» يعلن تضامنه مع ناشطتي حركة “فيمن” بنزع قميصه على المنصة وقد كتب على صدره رقم “489” عليه علامة “في”، فيما لون قيثارته بالألوان التي ترمز عالميا للمثلية، إشارة إلى الإحتجاج على الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي، وهو الفصل الذي ينص على محاكمة من يضبط في وضعية شاذة، وقد تصل العقوبة ضدهم إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا، وغرامة مالية.

أحداث متتابعة تثير الشكوك

“مبادرة” ناشطتي “فيمن” تبعها الحلقة الرابعة من المسلسل، حيث قام شابان مغربيان يوم 4 يونيو 2015 بالتقاط صور وهما في أوضاع حميمية في نفس باحة مسجد حسان واعتقلتهما السلطات وقدمتهما للنيابة العامة وتوبعا بتهمتي “الشذوذ الجنسي” و”الإخلال العلني بالحياء” طبقا للقانون الجنائي المغربي. 

وظهرت بعد ذلك (الحلقة الخامسة) في موقع التواصل الاجتماعي”الفيسبوك” صفحة حاملة لاسم “ماصايمينش2015” كتجديد للحركة قبل شهر رمضان التي تدعو إلى الحق في الإفطار العلني خلال الشهر الكريم معتبرة ذلك حقا من حقوق الإنسان ولا يمس مشاعر الصائمين، مؤكدين أن فرض الصيام يقيد حرية الفرد. 

واذا كان المسلسل قد تضمن هذه الحلقات الخمس حتى الآن، فان تداعياته لا زالت مستمرة والنقاش حوله لا زال ساخنا، لكنه اتخذ حتى الآن شكل مُساجلة بين “إسلاميي” حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي بالحكومة من جهة والمنظمات والهيئات “الحداثية” ووسائل اعلام كل منهما، حيث غاب بقية الفاعلون السياسيون والحقوقيون عن هذا الجدال.

هيبة الدولة على المحك

عبد الله بووانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، اعتبر أن ما وقع من أحداث بالمغرب خلال أسبوع واحد، “لم تكن صدفة ولا أحداثا عابرة”، ودعا الفرقاء السياسيين إلى اعلان موقفا واضحا خاصة في هذه الأحداث، حيث أن “مواقف البعض الملتبسة عوض أن يتبنوا موقفا يدعم الحكومة تراجعوا”، وقال عبد السلام بلاجي، عضو الفريق النيابي لنفس الحزب: “إن ما قامت به القناة الثانية سلوك منتهك للدستور، ومنتهك للمرجعيات القانونية للمغرب، ومنتهك لأخلاقيات وسمعة البلد، كما أنه يعطي رسائل خاطئة لعدد من الجهات، ويمس بسمعة ومكانة البلد المعنوية والروحية في افريقيا”.

“لا تراجع على حرية الإعلام” 

قال مصطفى الخلفي، وزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، إن أخلاق المغاربة ليست محط مزايدة، وأن على الجميع أن يدافع عليها، وهو ما يتطلب حسبه، أن يكون الجميع في صف واحد في مغرب قوي يقف فيه الجميع عبر المؤسسات، مؤكدا أن “هذه بلادنا وكلنا معنيون بالوقوف في وجه كل من يستهدف قيمها وأخلاقها وصورتها”.

وأضاف الخلفي، في معرض تعقيبه على تدخلات النواب البرلمانيين بخصوص ما تم بثه على القناة الثانية من مشاهد ذات إيحاءات جنسية مخلة بالحياء ومستفزة للقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع المغربي وصادمة لشعور المشاهدين، أن استقلالية الاعلام مكسب لا تراجع عنها، لكنها تمارس في اطار احترام القانون، مضيفا أنه “إذا خُرق القانون نلجأ للهيئة العليا واذا لم تتخذ القرارات اللازمة نلجأ للقضاء لأنه هو الضمان للإستقرار”.

وأوضح الخلفي أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الوزارة إلى الهاكا، فهي التي تراقب احترام دفتر التحملات، مشيرا إلى أنه هذه الحكومة تحترم المؤسسات وسيادة القانون، وأضاف “أنا عندي الثقة في المؤسسات، وعلينا جميعا التعاون حتى تكون المؤسسات المغربية قوية”. وقال إن استقلالية قطاع الإتصال وحريته في إطار القانون والمؤسسات ولا أحد فوق القانون كيفما كان.

(المصدر: وكالات)

الدكتور أحمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والاصلاح (الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية) أعاد هذه الاحداث الى وهن هيبة الدولة وقال: “إن المغاربة كانوا دوما يشمئزون وينفرون من “هيبة الدولة المضخمة المفزعة، لكننا هذه الأيام افتقدنا هيبة الدولة كيفما كانت، حتى أخذتنا الغيرةُ والشفقة على اختفائها في ظروف غامضة”.

وأضاف الريسوني: “إن هيبة الدولة يعرفها المواطنون جيدا، وترتعد منها فرائصهم على بعد مسافات؛ لكونها محمية بالقوانين وبما فوق القوانين، محمية بالقوانين الإستثنائية والتدابير الاستعجالية، ومحمية بالأجهزة العادية والأخرى الخفية”، وتساءل “لكن ما الذي أصابها هذه الأيام؟ وأين ذهبت؟” وقال أن “السؤال الذي حيّر الناس هو: أليس في البلد قوانين جنائية تم انتهاكها بتبجح سافر؟ أليس في البلد محاكم مختصة هي التي تقرر في شأن أفعالهما؟ ألسنا في دولة القانون؟ أم أن الفصول القانونية والسلطة القضائية والأجهزة المهيبة لا تمتد يدها ولا تنزل سطوتها إلا على المواطنين الغلابة”. 

واذا كان حزب العدالة والتنمية (مسؤولون رسميون أو حزبيون مفكرون) وضعوا “مسلسل” الأحداث في سلة واحدة، فان الجبهة الأخرى تعاطت مع كل حدث لوحده. فقد دافع وزير السياحة لحسن حداد (الحركة الشعبية)، عن حفل النجمة الأمريكيّة جنيفر لوبيز وقال: “ندافع عن مغرب منفتح، وهل سنهتم فقط بحفل فني بغض النظر عن كل الأشياء؟”، واعتبر الوزير أن الإحترام يرتكز على “التعايش بين من يُحبّون هذا النوع من العروض ومن لا يفضلونه، وبين من لا يجدون شيئا صادما لقيمهم في محتوى العرض الذي قدّم بـ “سهرة لوبيز”، وأولئك الذين يجدون عيوبا فيه”.

انقسام النخبة المغربية

بدوره، اعتبر الكاتب والمخرج المغربي، عبد الله الطايع، والمعروف بمثليته الجنسية، اعتقال السلطات للمثليين المغربيين ونشر اسمائهما وصورهما بأنه “تصرف مشين وخطير وأمرا غير مقبول وسلوك وحشي وإجرامي”، وقال: “إن عددا من المغاربة يستمرون في الإنكار والتعمية، حيث أنه كل مرة عندما يثار نقاش جدي حول الحريات الفردية، يصرون على إغلاق باب النقاش باللجوء إلى ما يسمى القيم والأخلاق”. 

ونفت مجموعة “أصوات” لمناهضة التمييز المبني على الجنسانية والنوع الإجتماعي، أية علاقة لها بتصرفات ناشطات حركة “فيمن” في ساحة مسجد حسان، ومبادرة فرقة “بلاسيبو” البريطانية بمهرجان موازين وقالت إنها لا تشارك في مثل نشاط “فيمن” بالمغرب الا انها انتقدت قيام وزارة الداخلية والقناة الأولى بـ”التشهير” بـ”الشابين المعتقلين”، وهوياتهما وصورهما، وذلك حتى قبل صدور حكم قضائي عليهما، لتصدر السلطات حكما مسبقا ضد المعتقلين، غير مبالية لما يشكل ذلك من خطر على المعتقلين وأسرهم”. 

كما نددت المجموعة بـ “التضييق والتحريض” الذي يتعرض له “مناضلو مجموعة أصوات”، عبر وسائل الإعلام المختلفة، مؤكدة صمود الناشطين المثليين بالمغرب، ورفضهم المستمر للتمييز، وتقييد الحريات وحقوق الإنسان بالمغرب”. 

من جهة أخرى، قررت المجلة الأسبوعية “ماروك إيبدو” سحب نسخ عددها رقم 1122 ( من 12 إلى 18 يونيو 2015) الذي يتطرق لموضوع المثلية الجنسية بملف بعنوان: “هل يجب إحراق المثليين؟” من الأكشاك ومن مواقعها الإلكترونية، وذلك عقب “ردود الفعل القوية التي قوبل بها العدد ولاسيما عبر شبكات التواصل الإجتماعي”، واعتذرت لكل قرائها الذين يمكن أن يكونوا قد تعرضوا لصدمة بسبب هذا الموضوع. 

ويبقى السؤال قائما: ما هي الحدود بين الحرية وحقوق الانسان كضمان لتطور المجتمع وتنميته دون تطور مجتمعي حقيقي يتناسب مع ما يطمح اليه الحداثيون من جهة والقانون والقيم التي تصون المجتمع وتحميه من أي انفلات أو انتهاك تذهب به نحو مجهول وصراعات لا مسيطر عليها تودي به، وهو ما يطمح إليه المحافظون من جهة أخرى؟. سؤال لا يقتصر على الساحة المغربية بل تشهده اليوم معظم دول العالم الثالث في شتى أنحاء المعمورة.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية