مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشركات السويسرية لا زالت متوجّسة من السوق الليبية

تتطلب عملية إعادة الإعمار في ليبيا موارد مالية ضخمة كما تثير شهية العديد من الدول في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية Reuters

بعد مرور ثمانية أشهر من مقتل الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي وسقوط نظامه، لا تزال الشركات السويسرية غير متحمِّـسة للقيام بالأعمال التجارية في هذا البلد الشمال إفريقي.

وفي حين تبدو بعض الشركات متحرّجة من الكشف عن مصالحها، تبدو أخرى عازِفة، بسبب حادثة احتجاز وسِجن موظفَيْ شركة “ايه بي بي ABB” في عام 2008 واستمرار حالة الضبابية، رغم السير شبه الطبيعي للحملة الإنتخابية ولعملية الإقتراع يوم السبت 7 يوليو الجاري.

في الوقت ذاته، لم تُجْدِ لا إغراءات أرباح عقود إعادة بناء البنى التحتية الليبية، التي دمرتها الحرب، ولا وجود شركات تجارية من بلدان أخرى، في إقناع رجال الأعمال السويسريين للسفر إلى ليبيا بأعداد معتَـبرة.

وجدير بالذكر أن الشركات التجارية، الفرنسية والإيطالية والبريطانية والدانماركية، مضت عليها أشهر وهي تمارس نشاطها في البلاد وتخوض سباقا لتُؤمِّـن لنفسها موطِـئ قدم في سوق المشاريع والأعمال التجارية المستقبَـلية، في مقابل الولايات المتحدة، التي تطمح هي الأخرى لأن يكون لها النّصيب الأكبر من الكعكة.

سباق تجاري

ومن المؤكّد، بأن يكون لبلدان الإئتلاف الغربي، التي شاركت في طلائع الدّعم العسكري المُقدّم من الأمم المتحدة للثوار الليبيين خلال الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد خلال عام 2011، الحظوة في ليبيا “الجديدة”، الأمر الذي أشارت إليه الصحف الألمانية، حيث قالت بأن بعض شركات بلادها لاقت برودا في الاستقبال بعد أن امتنعت الحكومة عن التصويت في الأمم المتحدة، بخصوص قرار التدخل العسكري في ليبيا.

في الأثناء، أظهر قطاع الأعمال السويسري، إعراضا ملحوظا عن الانضمام إلى سباق الحصول على عقود ليبية. وقالت شركة البناء “امبلينيا Implenia” وشركة انتاج الإسمنت “هولسيم Holcim” لـ  swissinfo.ch  إنه لا يوجد لديهما تخطيط لدخول سوق ليبيا.

في المقابل، ما فتئت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، التي تدعم الصادرات السويسرية في السوق العالمية، تنصح الشركات المحلية باعتماد مبدأ “ترقَّـب لتَـرى”، وأفادت بأنها تلقّت استفسارات من عدد قليل جدا من الشركات حول التجارة في ليبيا.

وبالنسبة لشركة “ايه بي بي ABB” السويسرية السويدية، المتخصّصة في مجالات الطاقة والبُنى التحتية، فيرى المراقبون بأن لديها أسبابا وجيهة للانخراط في الساحة الليبية وللبقاء بعيدا أيضا، حيث أنها مكثت في البلاد عدّة سنوات، ثم وجدت نفسها في عام 2008، تواجه مصيرا خاطئا، هو في الأساس نزاع دبلوماسي بين سويسرا وليبيا.

ففي 19 يوليو 2008، عمدت سلطات طرابلس آنذاك إلى احتجاز اثنين من موظّفي الشركة، بحجة انتهاك مزعوم لقانون تأشيرات الدخول والإقامة، كردِّ فعل على قيام سلطات مدينة جنيف قبل أربعة أيام (15 يوليو 2008) بتوقيف هانيبال القذافي، نجل معمر القذافي، إثر اتهامه بالاعتداء بالضرب وسوء المعاملة لاثنين من خدمه الخاص.

محنة الرهائن

وفي فبراير 2010، سمحت السلطات الليبية لأحد الرَّجلين، وهو رشيد حمداني، بمغادرة البلاد وأبقت الآخر، وهو ماكس غولدي، رهن الاحتجاز أربعة أشهر، قبل أن يطلق سراحه ويعود إلى بلاده في يونيو من نفس العام.

ولم تكتف السلطات الليبية باحتجاز موظّـفَيْ شركة “ايه بي بي ABB”، بل عمدت أيضا إلى إغلاق مكاتب الشركات السويسرية العاملة في البلاد، كما قامت بسحب أرصِدتها من البنوك السويسرية وتقليص إمدادات النفط إلى سويسرا وخفض العدد المسموح به لرحلات طيران الخطوط الجوية السويسرية، وانتهى بها المطاف إلى فرض حظر تجاري على سويسرا في نهاية عام 2008.

وفي وقت لاحق، تقلص حجم الصادرات السويسرية إلى ليبيا من 282 مليون فرنك سويسري (حوالي 293 مليون دولار) في عام 2008 إلى 98 مليون فرنك (102 مليون دولار) في العام الماضي، وبشكل كبير، انخفض حجم الواردات من ليبيا إلى سويسرا من 3,3 مليار فرنك في عام 2008 إلى 485 مليون فرنك في العام الماضي.

هذا الهبوط الحاد في حجم الواردات من ليبيا، سببه شبه الحصري، القيود التي فرضها نظام القذافي على صادرات النفط الليبي إلى سويسرا، وهو ما اضطر الحكومة السويسرية إلى اتخاذ إجراءات بديلة تكفل لها تأمين إمدادات النفط من مناطق أخرى.

وبعد سقوط نظام القذافي، رفعت القيادة الليبية الجديدة المؤقتة، الحظر التجاري عن سويسرا، في يناير من عام 2012. وفي ضوء حاجة البلاد المُـلِـحة، خاصة بعد الدمار الذي تسبّبت به الحرب الأهلية، عاينت شركة “ايه بي بي ABB” دواع مصلحية وواقعية واضحة، كفيلة بأن تُـغريها بولوج السوق الليبية الجديدة، مدفوعة بخِبرتها وعلاقتها السابقة، بمشاريع تطويرية للبنية التحية والطاقة .

أوضاع غير مستقرة

رغم كل شيء، لا زالت الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، بعيدة عن الوضوح، في ظل وجود العديد من العشائر المتناحرة والمتنافسة على ملء فراغ السلطة الذي خلَّـفته الإطاحة بالدكتاتور المخلوع، وكان من المقرّر أن تبدأ في منتصف شهر يونيو 2012 عملية التصويت بشأن انتخابات تُؤسس لحكومة مُـنتَخّـبة، لكن جرى تأجيلها إلى 7 يوليو 2012.

وما دام هذا هو الحال، فإن شركة “إيه بي بي ABB”، على ما يبدو، تريد أن تكون على حذر وأن يكون تقدّمها في السوق الليبية خطوة خطوة، وقد صرح أنطونيو ليجي، المتحدث باسم الشركة، لـ swissinfo.ch قائلا: “استأنفت شركة ايه بي بي العمل في ليبيا ببُـطء، ولا يزال مستواه منخفض، ونحن نراقب الحالة الأمنية ونتابعها عن كثب”.

وفي غضون ذلك، تبقى كامل المعاملات التجارية ذات العلاقة بالسوق الليبية، في مستوىً منخفض، تَحَيّنا لفرصة ربما ينجلي عنها المستقبل وبشكل رئيسي، يبقى قطاع الطاقة دون غيره في الوقت الراهن، هو المستحوذ على المعاملات التجارية بين البلدين.

ومن جهة أخرى، يُفتَرض من ليبيا هي أيضا أن تعمل بشكل جاد لاستعادة سمعتها في سويسرا، فحتى عام 2008 وهي تعتبر المزوِّد الرئيسي للكنفدرالية بالنفط، إلا أنها تراجعت إلى المركز الثالث في قائمة الموردين الحاليين، بعد كل من كازاخستان وأذربيجان.

وفي نفس السياق، يُعاني الفرع السويسري لشركة النفط “تام أويل” TAMOIL الليبية، من مشاكل على صعيد مصفاة البترول التابعة للشركة والموجودة في منطقة كولومبيي، حيث تبيّن من خلال فحص كشفي، قامت به سلطات كانتون فالي في وقت سابق من هذا العام، بأن المصفاة بحاجة إلى تحسينات جَمّة لجعلها تتماشى مع المعايير البيئية.

ومن جانبها، وعدت تام أويل باستثمار الملايين لهذه المهمة، بيْـد أنها ستواجه عمليات كشف وفحوص مصيرية خلال فترتَيْ الخريف والصيف المقبليْن، وحينها، سيحِـق لسلطات الكانتون أن تأمر بإغلاق المصفاة، إن هي أخفقت في إقناع المفتِّشين.

بلغ الناتج الاقتصادي الليبي (الناتج المحلي الإجمالي) نحو 77,9 مليار دولار بحلول نهاية عام 2010، وِفقا لصندوق النقد الدولي، بينما لا تتوفر بيانات العام الماضي، نظرا لأن البلاد كانت تحت وطأة حرب أهلية طاحنة استمرت تسعة أشهر.

وفقا لتقديرات الخبراء، بلغت تكلفة الحرب الأهلية الليبية، التي أودت بحياة نحو 30 ألف شخص، حوالي 6-8 مليار دولار، معظمها بسبب تَعَطّل تصدير النفط.

يعتمد الاقتصاد الليبي أساسا على النفط والغاز، وتساهم عائدات الوقود الأحفوري بنصف الناتج المحلي الإجمالي، وهي جُـل صادرات البلاد.

يقدر احتياطي النفط الليبي بحوالي 46,4 مليار برميل، وحوالي 55 تريليون قدم مكعّب من احتياطيات الغاز الطبيعي.

تعتمد الصناعة في البلاد، إلى حدٍّ كبير، على معالجة المُنتجات الزراعية والمنسوجات والبناء، بالإضافة إلى صناعة السِّلع الاستهلاكية الأساسية.

تأسست بورصة الأوراق المالية في ليبيا في عام 2007 واستأنفت التداول في شهر مارس من هذا العام بـ 10 شركات مدرجة، تبلغ قيمتها 3,1 مليار دولار.

(المصدر: الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة، الدليل السنوي لعام 2012)

ارتفعت الصادرات السويسرية إلى ليبيا بشكل مطرد بين عامي 1990 و2008 من 93 مليون إلى 282 مليون فرنك سويسري.

بحلول عام 2008، لم تكن تُمثّل الصادرات السويسرية إلى ليبيا سوى 0.13٪ من مجمل الصادرات السويسرية.

استحوذ قطاع الطاقة على معظم الصادرات، كما نالت الزراعة والمواد الكيماوية والأدوية وتشطيب المعادن والأحجار الكريمة، حصة بارزة.

وفي نهاية عام 2011، تقلّص حجم الصادرات السويسرية إلى ليبيا، ليبلغ نحو 98 مليون فرنك سويسري، أي ما يعادِل 0.04٪ فقط من مجمل الصادرات السويسرية.

كما تراجعت الواردات بشكل مُـذهل، بفعل تأثير النزاع الدبلوماسي، على واردات سويسرا من النفط الليبي.

في عام 2008، اعتبرت ليبيا المزوِّد الرئيسي لسويسرا بالنفط ، بقيمة بلغت 3,3 مليار فرنك سويسري.

في عام 2010 تراجعت قيمة واردات سويسرا من النفط الليبي إلى نحو  483 مليون فرنك سويسري فقط.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية