“ايتوس”.. المؤسسة السويسرية التي تريد وضع ضوابط أخلاقية للرأسمالية
تدعم مؤسسة ايتوس الاستثمار المسؤول اجتماعياً وبيئياً منذ عشرين عاماً وتشارك أيضاً بشكل مباشر في تسيير أعمال الشركات لتذكيرها بالممارسات الصحيحة. ورغم جهودها المتواصلة فإن المؤسسة لم تحقق كامل أهداف نضالها بعد، كما أشارت في أوائل شهر فبراير الجاري في برن.
تم نشر هذا المحتوى على
6دقائق
بعد أن بدأت مسيرتي المهنية في الصحافة الإقليمية (المكتوبة والإذاعية) في سويسرا الناطقة بالفرنسية، انضممت إلى إذاعة سويسرا العالمية في عام 2000، في الفترة الانتقالية التي شهدت ولادةswissinfo.ch . منذ ذلك الحين وأنا أكتب عن مجموعة متنوعة من المواضيع، من السياسة إلى الاقتصاد والثقافة والعلوم، بالإضافة إلى إنتاجي لأشرطة فيديو قصيرة حول هذه المواضيع أحياناً. مجالات الاهتمام المفضلة لدي هي العلوم الدقيقة، وخاصة فيزياء الجسيمات، والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء وموسيقى الروك (نعم، هناك أشخاص لا يزالون يستمعون إليها إلى اليوم بالتأكيد! ...)
“نعتتنا الأوساط المالية في زيورخ لمدة طويلة بالشيوعيين الحمر” يقول دومينيك بيدرمان من جنيف مازحاً خلال الاحتفال بالذكرى العشرين للمؤسسة التي يترأسها حالياً، بعد أن أطلقها وأشرف عليها لمدة 18 سنة. إلا أنَّ مجرد إلقاء نظرة على المائتين وخمسين ضيفاً المجتمعين تحت سقيفة فندق بيلفو ذي الخمس نجوم، تكفي لمعرفة أن ايتوس ليست خلية ثورية خطيرة.
فهي في الأساس منبثقة من صندوقي تقاعد (هيئات خاصة تُدير الركن الثاني من نظام التقاعد السويسري)، لا يرغبان باستثمار أموال المُأمّنين لديهما أينما كان ولا كيفما كان. وبما أنَّ الاستثمار في الشركات الكبيرة يعني أن يصبح المستثمر مساهماً فيها، تعودت المؤسسة منذ البداية أن تطرح أسئلة محرجة على مديري الشركات الكبيرة.
ففي عام 2005، وأمام الجمعية العمومية لشركة نستله العملاقة، وجهت ايتوس ضربة قوية بإعلانها عن رفضها لأن يشغل الشخص نفسه منصبي رئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي في آن واحد. وتسبب القرار، المدعوم من قبل أكثر من ثلث المساهمين، بإعادة النظر في النظام الأساسي للمجموعة وبدق المسمار الأخير في نعش هذا النوع من جمع الوظائف على رأس الشركة.
أما اليوم، فقد أصبحت ايتوس رائدة في مجالها، وهي تجمع 223 صندوق تقاعد يديرون معاً أكثر من ربع الـ 800 مليار فرنك من أموال الركن الثاني. وبمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسها، فقد أطلقت مؤشر الأسهم الخاص بها، الذي يزن الشركات المُكوّنة لها وفقاً لمعايير الحكم الرشيد. وخلال بضعة أسابيع، ستستقبل المؤسسة، التي كانت مفتوحة حتى الآن لصناديق التقاعد فقط، أول أعضائها من القطاع الخاص.
سلب الشمال الجنوب
وكانت ضيفة الشرف في الحفل المذكور، وزيرة العدل والشرطة سيمونيتا سوماروغا قد أشادت بحرارة بجهود ايتوس، حتى لو أنه مازال يتعين عمل الكثير فيما يخص المسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات. وذكَّرت النائبة الاشتراكية بأنَّ: «70% من فقراء العالم يعيشون في بلاد سُلبت منها موادها الأولية». وسويسرا هي بلد إقامة بعض عمالقة القطاع، من ذوي الأرباح المزدهرة والممارسات المُدانة في معظم الأوقات.
وأضافت السيدة سوماروغا: «وراء النجاح يمكن أن تختبأ الهاوية» مُذكرةً بـ «بتسمم التربة وبالأطفال الذين يعملون في ظروف أشبه بالعبودية كمجرد أمثلة» حسب ما رأت خلال مشاهدتها لعمليات استخراج البوكسيت في غينيا. كما أكّدت، وسط تصفيق حاد، أنه «يجب ألا تقف الإيرادات عائقا أمام المعايير الأخلاقية».
وبالطبع الموضوع يهمُّ ايتوس. حيث تدعم المؤسسة المبادرة الشعبية «من أجل شركات متعددة الجنسيات مسؤولة»، التي جمعت مؤخراً 120 ألف توقيع وتعتزم ترسيخ إجبار الشركات الموجودة في سويسرا على احترام حقوق الانسان والبيئة، في أنشطتها في الخارج أيضاً.
وفيما لو قررت الحكومة السويسرية (المكونة من حكومة ائتلافية يهيمن عليه اليمين) أن توصي برفض هذه المبادرة، تُذكّر وزيرة العدل والشرطة بأن المشكلة التي تثيرها «هي بالفعل مشكلة واقعية»حتى في مجال تخصّصها، الذي يتضمن ملف الهجرة. ولخصت سيمونيتا سوماروغا قائلة: «حينما تنشأ في بلد لا يقدم لك سبلا للحياة، فالهجرة هي في بعض الأحيان الخيار الوحيد الممكن. ولذا فإن هناك ارتباط قوي بين الشركات السويسرية وقضية الهجرة».
«بناء عالم الغد»
منذ عشرين عاماً، يحقّ لمؤسسة ايتوس أن تفخر بنجاحاتها اللافتة. فمع نمو المؤسسة، يؤكد دومينيك بيدرمان اليوم أنه على مدى السنين «أصبح المستثمرون أكثر وعياً بأهمية القضايا البيئية والاجتماعية والحكومية». على الأقل غالبية المؤسسات الاستثمارية. ويوضح دومينيك بيدرمان أن الأيام القادمة ستكشف عما إذا كان المستثمرون من القطاع الخاص سينضمون إلى إيتوس مع فتح المجال لهم.
بانتظار ذلك، تنشر المؤسسة كُتيباً للتذكير بالمبادئ الثمانية التي توجه عملها. فالانتساب لايتوس يعني التصرف باستقلالية ومهنية وشفافية ومقاطعة الشركات التي تتعارض منتجاتها أو سلوكها مع القيم المُحددة وتقييم الشركات التي يُستثمر فيها وفقاً للمعايير البيئية والاجتماعية والحكومية ومراعاة قوانين حماية البيئة عند الاستثمار.
ولكن هذا ليس كل شيء، فعلى راغبي الانضمام إلى مؤسسة ايتوس أن يمارس باستمرار حقه بالتصويت كمساهم، وبالتالي المشاركة بالجمعية العمومية وطرح الأسئلة والتفاعل مع الإدارة، بل حتى تقديم قرارات من خلال التكاتف مع المساهمين الآخرين. وفي حال لم تأت هذه الإجراءات بنتيجة، توصي ايتوس بصراحة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
قراءة معمّقة
المزيد
آفاق سويسرية
صحف سويسرية: أي مستقبل ينتظر سوريا تحت قيادة أحمد الشرع؟
كيف يمكننا منع احتكار الذكاء الاصطناعي من قبل الدول والشركات الكبرى؟
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على حل العديد من مشكلات العالم، لكن قد تسعى الدول الأغنى والشركات التكنولوجية الكبرى إلى احتكار هذه الفوائد لمصلحتها الخاصة.
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
“سويسرا تتحمل المسؤولية بصفة خاصة” فيما يتعلق بإهدار الطعام
تم نشر هذا المحتوى على
مثل هذه المشروعات مُجدية، إلا أنها غير كافية، كما يصرح المختص بأخلاق الغذاء توماس غروبلي في الحوار التالي الذي أجرته معه swissinfo.ch. swissinfo.ch: حوالي 2،3 مليون طن مواد غذائية سنوياً في سويسرا ينتهي بها المطاف في القمامة. وتعادل هذه الكمية ثلث المواد الغذائية المنتجة للإستهلاك. فهل نحن فسدة؟ توماس غروبلي: نعم، إن تبذير كل هذه…
تم نشر هذا المحتوى على
عندما دخل اتفاق باريس بشأن التغييرات المناخية حيز التنفيذ في وقت سابق من شهر نوفمبر الجاري، تم الترحيب بالخطوة باعتبارها انجازا كبيرا باتجاه السيطرة على ارتفاع درجات الحرارة فوق كوكب الأرض، إلا أن المزاج العام - مثلما تعكسه تصريحات الدبلوماسيين السويسريين وتقارير وسائل الإعلام - تغيّر غداة اختتام مؤتمر "كوب 22" الذي نظمته الأمم المتحدة في مراكش إلى ما يُشبه الفزع..
قيودٌ صارمة تُهدّد الشركات والمُستهلكين على حدّ سواء
تم نشر هذا المحتوى على
يُدرك الإقتصاد جيّداً التحديات البيئية التي تعترضه وهو على استعداد لمواجهتها. إلا أنّ مبادرة حزب الخضر اعتباطية ومبنيّة على حجج غير ملائمة تندرج في إطار الإقتصاد المخطط. وتريد المبادرة، من خلال طريقة قياس غير علمّية، إجبار سويسرا على تقليص الموارد التي تستهلكها عادة بأكثر من الثلثين. وقد أشارت الحكومة الفدرالية ومجموعة من الخبراء إلى استحالة…
أهم شركة سويسرية لصناعة الأسلحة تعزز حضورها في دولة الإمارات
تم نشر هذا المحتوى على
قررت مجموعة “رواغ” RUAG السويسرية لصناعة الأسلحة التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الكنفدرالية تعزيز تواجدها الميداني في أبوظبي ابتداء من العام القادم. في المقابل، أثارت الخطوة حساسية مُضاعفة بالنظر إلى الحرب الأهلية الدائرة في اليمن المجاور وإلى حالات سُجّلت سابقا تتعلق بانتقال أسلحة من تصنيع شركة “رواغ” عبر المنطقة باتجاه بلدان أو أراض تخضع لتضييقات…
تم نشر هذا المحتوى على
يحقّ لمدينة سانت إيمييه أن تتباهى بسجلها. فقد شهدت ولادة العديد من الأسماء الكبيرة للساعات السويسرية فيها مثل: لونجين وتاج ـ هوير وبلانكبين وشوبارد وأيضاً بريتلينج. فهذه البلدة الصغيرة، التابعة لكانتون برن، التي يتجاوز عدد سكانها بالكاد 5000 نسمة، والواقعة عند سفح جبل شاسيرال، إحدى أعلى قمم سلسلة جبال الجورا على ارتفاع (1607) متر، تحتضن…
سويسرا تراقب عن كثب السباق العالمي للإستيلاء على الأراضي الخصبة
تم نشر هذا المحتوى على
“ما يحصل من استحواذ على الأراضي على المستوى العالمي هو نموذج حقيقي للاستعمار الجديد، حيث أن الدول الغنية مستمرة في الاستيلاء أكثر فأكثر على أفضل أراضي البلدان الفقيرة، في الوقت الذي يعاني فيه ثلثا سكان هذه الدول من الجوع “، وفق قول هانس رودولف هيرينرابط خارجي، المهندس الزراعي وخبير الحشرات، السويسري الحائز على العديد من…
مُساعدات سويسرية تموّل أبحاثا حول المحاصيل المحوّرة جينيا في الهند
تم نشر هذا المحتوى على
في عام 2005، صوّت السويسريون لفرض حظر لمدّة خمس سنوات على الكائنات المعدّلة وارثيا في المجال الزراعي. وبعد ذلك، مُدّدت هذه الفترة من طرف البرلمان الفدرالي حتى عام 2017. وفي شهر يونيو الماضي اقترحت الحكومة السويسرية تمديد هذا الحظر مرة أخرى إلى حدود عام 2021. مع ذلك، اكتشفت swissinfo.ch أن الحظر السويسري المؤقت على الكائنات…
تم نشر هذا المحتوى على
بعد أيام من إعلانه نهاية السرية المصرفية، قرر البرلمان السويسري التخلي، وكالمعتاد تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي ومن مجموعة الـعشرين ومن منظمة التعاونا لإقتصادي والتنمية، أيضا عن الأنظمة الضريبية التفضيلية للشركات الأجنبية، وفقا لنص مشروع الثالث لإصلاح الضريبة الخاصة بالشركات، الذي تمّ اعتماده يوم الثلاثاء 14 يونيو الجاري من قبل البرلمان، ولكنه قد يتعرّض للإفشال عن طريق استفتاء شعبي بمبادرة من اليسار.
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.