“كلما زادت السرية.. كلما كان ذلك أفضل”
كيف يُمكن أن يظل الإتصال قائما بين عدُوّين لدودين؟ في إطار تفويضها لحماية المصالح، تساعد سويسرا المُحايدة على عدم انقطاع حبل المباحثات. في هذا السياق، عمل تيم غولديمان أثناء شغله لمنصب سفير سويسرا في إيران كقناة لربط الإتصال بين واشنطن وطهران.
على مدى خمس سنوات وتحديداً من 1999 حتى 2004، عمل غولديمان، الذي يشغل حالياً مقعداً في مجلس النواب عن الحزب الإشتراكي، كسفير لسويسرا في طهران وقام بالتوسّط بين العدوتين اللدودتين إيران والولايات المتحدة بعدما قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية بالجمهورية الإسلامية في أعقاب احتجاز دبلوماسيين أمريكيين كرهائن في طهران حيث طلبت آنذاك المساعدة من سويسرا. ومنذ ذلك الحين: كلما أرادت الولايات المتحدة التواصل مع إيران، فإنها تسلك في ذلك الطريق غير المباشر عبر الدبلوماسيين السويسريين في طهران وواشنطن. وفي موفى شهر أكتوبر الماضي، وقعت سويسرا تفويضاً متبادلاً لتمثيل مصالح كل من إيران والسعودية.
ولكن لماذا يُلتجئ إلى الكنفدرالية السويسرية؟ “لأن سويسرا قامت بمهمة حماية المصالح خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وقد اشتهرت بذلك”، على حد قول تيم غولديمان. “إن سويسرا فخورة بالقيام بهذا الدور تماماً”، بحسب رأيه. فما يسمى بـ “المساعي الحميدة لسويسرا” يذيع صيت هذه الدولة المحايدة في العالم، “كما أن هذا الدور ذو فائدة عظيمة”، على حد قول غولديمان. وبالفعل، فإن جزءا من هذه “المساعي الحميدة” يتمثل في تفويض سويسرا لحماية مصالح الغير.
تفويض حماية المصالح
يتمتع تفويض حماية المصالح بتاريخ طويل في سياسة سويسرا الخارجية. حيث أنه يساعد بعض الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية أو أحدهما في الحفاظ على تقديم خدماتها وإقامة الحد الأدنى من العلاقات عن طريق سويسرا. وقد أدى حياد سويسرا في الحرب العالمية الثانية إلى تمثيلها لمصالح 35 دولة من خلال 200 تفويض منفرد. وحالياً تتمتّع سويسرا بأربعة تفويضات لحماية المصالح: فضلا عن التفويض الذي وقعته مؤخرا مع إيران والمملكة العربية السعودية، تمثل سويسرا مصالح روسيا في جورجيا وجورجيا في روسيا، وكذلك مصالح الولايات المتحدة في إيران ومصالح الأخيرة في مصر.
“إن تفويض حماية المصالح ليس مهمة للوساطة”، كما يوضح غولديمان. “فهو لا يتجاوز دور ساعي البريد”. إلا أن مهمة إيصال الرسائل عبر تفويض كهذا تتم في سرية تامة.
“تكتم الأمر قدر الإمكان”
كلما زاد توتر الوضع السياسي، وكلما خرجت الصراعات للعلانية أكثر، كلما كان من الأهمية بمكان أن يظل الحوار بين الأطراف المتصارعة قائماً برغم دق طبول الحرب علانية. أما ما إذا كانت هذه القناة للتواصل سوف تستغل فإنه أمر يعود إلى الأطراف المعنية، كما يؤكد غولديمان. “ما إذا كانوا يريدون إخبار بعضهم البعض بأمر ما وكيفية تصرفهم حيال ذلك فإنه شأنهم وحدهم”. ولكن من الأهمية أن تكون هذه القناة قائمة و”أن يتم التكتم بشأنها قدر الإمكان”. وهنا يتطلب الأمر التحفظ الدبلوماسي الكامل. “لابد أن تكون العملية غير قابلة للتسريب بتاتاً”، وإلا أصبحت مهددة، هذا بحسب تصريحات غولديمان. فلا تستطيع سويسرا أن تضمن نجاح هذا الدور إذا تم في العلن. فكلما كان عملها خفي كلما كانت فرص نجاحه أكبر.
يحظى تيم غولديمان النائب في البرلمان الفدرالي عن الحزب الاشتراكي برأي قوي على المسرح السياسي السويسري، وهو لا يخشى لا الكلام العلني ولا الصراعات. ففي منصبة السابق وبصفته دبلوماسي محنك وناجح كان على دراية بقيمة وضرورة الصوت الهاديء. فبدون التحفظ واحترام الطرفين لا يمكن تصور تحقيق أي نجاح، بحسب قوله. وهذا يسري أيضاً على ممارسة تفويض حماية المصالح.
الطريق غير المباشر عبر سويسرا
يوضح غولديمان سير العملية أثناء فترة عمله بطهران: إذا ما أرادت الولايات المتحدة التواصل مع إيران فإن واشنطن كانت تبلغ الرسالة لسفارة سويسرا في العاصمة الأمريكية. ومن الولايات المتحدة كان محتوى الرسالة يُرسل عن طريق وزارة الخارجية في برن أو مباشرة عن طريق التمثيل السويسري في طهران، حيث يتلقاه السفير تيم غولديمان ويسلمه للإيرانيين. وهو يحكي أن الفاكسات المشفرة كانت أثناء فترة عمله هي أئمن وسيلة لإيصال الرسائل عبر القارات. وعن طريقها كان يمكن إرسال فاكسات مشفرة وغير قابلة للتنصت.
إلا أن مهمة تفويض حماية المصالح أكبر من مهمة ساعٍ للبريد: ذلك لإنه بخلاف ساعي البريد فإن من يوصل الرسائل هنا يعرف محتواها. “لكن هذا لا يعطيه الحق في التعليق على هذا المحتوى”، يؤكد غولديمان. إلا في حالة ما إذا كان الشخص الآخر يرغب في الحصول على مزيد من المعلومات ـ وهنا تلعب الدبلوماسية دورها. “فأثناء عملية تسليم الرسائل تطرح أسئلة يمكن فهمها على أنها أسئلة للاستيضاح”، كما يشرح السفير السابق.
أما مدى تأثير الرسول على عملية التواصل وفي النهاية على المناخ العام بين الطرفين، فإنه يتوقف على شخصه وأسلوبه وهيبته. ويضيف تيم غولديمان: “لقد حاولت أن أوسع المهمة التي أقوم بها بشدة وأن أصل بها إلى أقصى مدى يمكن أن يخدم مصلحة الطرفين”.
“لقد كانت الولايات المتحدة مهتمة بشدة بتقدير السفارة السويسرية في إيران للوضع السياسي هناك”، يتذكر غولديمان. “لقد أبلغت ما سمعته”، يقول مضيفاً أن هذا يفوق بالتأكيد دور ساعي البريد. “فإذا كان الطرفان متفاهمين ضمنياً على استغلال المجال كلية وأن يتم التوسع فيه، فإن الأمر يسير على ما يرام”.
وتقتضي خدمات سويسرا لإيصال الرسائل بصفتها “ساعٍ للبريد” بحتمية وجود علاقات بينها وبين الراسلين والمستقبلين، كخط مباشر لا تحظى به بعض الأمم الأخرى. بهذا يستخدم تفويض حماية المصالح كمفتاح لتحقيق بعض مطالب سويسرا في علاقاتها الثنائية، على حد قول البعض.
“إن قدرتنا على لعب هذا الدور لأمر جيد”، كما يؤكد تيم غولديمان. “فهذا يخدمنا من نواحٍ أخرى”. إلا أنه يحذر من المبالغة في تقدير هذا التأثير. “فالولايات المتحدة لن تكون أكثر لطفاً إزاء سويسرا فيما يتعلق بمسائل الضرائب، فقط لإن سويسرا تمثل مصالحها في إيران”.
ومنذ حصول سويسرا على ذلك التفويض الأخير لتمثيل مصالح كل من إيران والسعودية تفاقم الصراع بين الدولتين. فهل ستصبح مهمة ممارسة التفويض أكثر صعوبة لسويسرا لهذا السبب أم أنها سوف تصبح غير ذات جدوى؟ “على العكس تماماً. ففي هذه الحال يكون هناك أهمية أكبر لوجود قناة للاتصال”، على حد قول تيم غولديمان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.