سويسرا وتونس توسّعان تعاونهما الإستراتيجي الثنائي
أطلقت سويسرا أمس استراتيجيا جديدة للتعاون متعددة المحاور مع تونس يستمر تنفيذها أربع سنوات (من 2017 إلى 2020). وتأتي هذه الإستراتيجية بعد استكمال خطة تعاون أولى استمرت خمس سنوات.
واحتفل الجانبان باكتمال الخطة الأولى خلال احتفال أقيم أمس في العاصمة التونسية بحضور وفد سويسري رفيع المستوى قادته وزيرة العدل والشرطة سيمونيتاسوماروغا. وعقدت الوزيرة خلال الزيارة، التي استمرت يومين، جلسات عمل منفصلة مع كل من وزير الداخلية والخارجية والاستثمار الخارجي والتعاون الدولي.
كذلك زارت عدة مشاريع اجتماعية وإنسانية لفائدة الشباب والنساء. وتشتمل الاستراتيجيا الجديدة على ثلاثة أبواب: يتعلق الباب الأوّل بدعم الاصلاحات السياسية وحقوق الانسان، والثاني بدعم النمو الاقتصادي وخاصة التشغيل، والثالث بالهجرة وحماية ذوي الأوضاع الهشة. كما تشمل قسما جديدا يتعلق بالتعاون المغاربي العابر للحدود في المجال الثقافي وخاصة بين المبدعين.
هجرة غير نظامية
يتركز الجانب الاقليمي على معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو السواحل الأوروبية، وكذلك تعزيز التعاون في مكافحة “التطرف المسلح” بحسب ما جاء في بيان صحفي سويسري أرسلت نسخة منه لـ”Swissinfo.ch”.
وامتزجت العاطفة بالتحليل السياسي في الخطاب الذي ألقته سوماروغا أمام حشد من رجال الأعمال وأعضاء الجمعيات الأهلية ومسؤولين تونسيين، عندما روت ذكريات مثيرة عن زيارتها الأولى لتونس في 2012 في أعقاب انتصار “ثورة الكرامة” على رئيس النظام السابق زين العابدين بن علي.
مسار غير متعثر
اعتبرت سوماروغا أن تونس كسبت رهانا هاما لما استطاعت، بالرغم من التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه تجارب الانتقال الديمقراطي في منطقة المغرب العربي، أن تمضي بثبات في تكريس فتح المجال العمومي بكل شجاعة وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، ووضع مسار الانتقال على السكة.
وقالت إن النداء الذي أطلقه التونسيون رجالا ونساء بخروجهم إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة لاقى صدى سريعا في كل أرجاء البحر المتوسط، واستمع إليه السويسريون بانتباه ولم يلبثوا أن تجابوا معه في وقت مبكر. وأضافت أنها زارت وزير داخلية سابق لم تُسمِه (التحرير: في إشارة إلى السيد علي لعريض) في مكتبه بالوزارة، فكشف لها أنه أمضى في السابق سنوات في هذا المبنى، لكن ليس بوصفه وزيرا وإنما بوصفه معتقلا…
وركزت سوماروغا على ضرورة المضي قدما في مسار الانتقال الديمقراطي باعتبار تونس البلد الأكثر تقدما في هذا المضمار على صعيد شمال إفريقيا. لكنها حثت في الوقت نفسه على إيلاء اهتمام كبير لدفع الاصلاحات الاقتصادية إلى الأمام.
وتُمثل سويسرا حاليا أحد الممولين الرئيسيين لتونس والمفوضية العليا للاجئين وخاصة في مجال مساندة اللاجئين المُعوزين. وسيحظى هذا الباب بأكثر من 14 % من إجمالي الامكانات المرصودة في استراتيجية التعاون 2017-2020. أكثر من ذلك، تعهدت سويسرا بإسناد الأجهزة الحكومية وغير الحكومية التونسية في الاستجابة للحالات الانسانية الطارئة المتعلقة بالهجرة.
حصة الأسد
واستأثر القطاع الاقتصادي بحصة الأسد من الاستراتيجيا الثنائية، ولاسيما في مجال إيجاد مواطن عمل. وفي هذا السياق أوضحت سوماروغا أن سويسرا ستساعد على تعزيز طرق إدارة المالية العمومية، بما في ذلك على الصعيد المحلي، وكذلك على تطوير مناخ مناسب للأعمال.
ويشمل هذا الجهد عدة مشاريع للتكوين والتدريب المهني والادماج في مسارات تهدف إلى تنشيط التصدير. كما يشمل أيضا دعم مشاريع مائية مختلفة. وستستأثر هذه المجالات الحيوية بحوالي 71 % من الهبات التي ستمنحها الكنفدرالية لتونس خلال السنوات الأربعة المقبلة.
ويحظى دعم المسار الديمقراطي وحقوق الانسان بقسم مهم من الاستراتيجيا، وسيُرصد له 14.5 % من الاعتمادات المخصصة للتعاون التونسي السويسري، وهي ترمي لترسيخ القيم الديمقراطية وتطبيق المبادئ الواردة في الدستور التونسي، الذي سنه المجلس التأسيسي في 2014، وكذلك إخضاع المسؤولين عن المؤسسات العمومية للمحاسبة.
إلى هذه الميادين الأساسية، لوحظ أن سويسرا ستوسع تعهداتها في مجال الهجرة وحماية السكان ذوي الأوضاع الهشة. وكانت تونس وسويسرا توصلتا في سنة 2012، أي بعد أشهر من ثورة الكرامة التي أطاحت بالنظام السابق، إلى شراكة ثنائية في مجال الهجرة تساعد تونس على صياغة سياسة متكاملة في هذا المجال تكون مطابقة للمعايير الدولية.
مساهمة المهاجرين
لم تنس استراتيجيا التعاون الدور الذي يمكن أن يلعبه المهاجرون التونسيون في سويسرا في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدهم الأصلي. ورصدت لهذا الغرض اعتمادات تشجع المبادرات التي ما فتئ هؤلاء المقيمون في سويسرا (يُقدر عددهم بين 8000 و9000 مقيم) يقومون بها لتعزيز التنمية في بلدهم.
وتشارك في تنفيذ استراتيجيا التعاون الثنائي من الجانب السويسري عدة مؤسسات منها كتابة الدولة للاقتصاد والوكالة الدولية للتعاون والتنمية وقسم الأمن البشري في وزارة الخارجية وكذلك كتابة الدولة للهجرة. ويجري تطبيقها بصفة مشتركة مع الوزارات والوكالات الوطنية التونسية، وكذلك مع الجمعيات الأهلية.
فضاء متوسطي
بحكم إقبال عدة فئات أجنبية على تونس، ومنها طلابُ جامعات وعمالٌ وطالبو لجوء من منطقة الساحل والصحراء، باتت مراقبة هذا الدفق البشري ضرورية للحيلولة دون تحول تونس إلى معبر للهجرة غير النظامية. ولهذا السبب يُولي السويسريون أهمية خاصة للتعاون مع التونسيين لأنهم يسعون إلى إيجاد فضاء سياسي مستقر وديمقراطي حول حوض البحر الأبيض المتوسط تُحترم في كنفه الحريات وحقوق الانسان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.