سائقو السيارات في سويسرا: هل هم “أبقار البلد الحلوب” بالفعل؟
عقب تصويت الناخبين السويسريين لصالح شق النفق الطرقي الثاني بالغوتهارد في موفى فبراير المنصرم، يتوقع لوبي مُستخدمي المركبات في سويسرا دعماً مُتزايداً لمبادرته الشعبية التي أسماها "مبادرة البقرة الحلوب"، والتي سيتم الإقتراع عليها يوم 5 يونيو القادم.
“مبادرة البقرة الحلوب” بين مُؤيّد ومُعارض
تعتبر الرابطة السويسرية لمستوردي السيارات “أوتوـ سويس” القوة الدافعة الرئيسية وراء مبادرة “البقرة الحلوب”، بالإضافة إلى اتحادات النقل البري الرئيسية الثلاث: الإتحاد السويسري للنقل البري (ASTAG)، ونادي السياحة السويسري (TCS) ونادي السيارات في سويسرا (ACS) والإتحاد السويسري للفنون والحرف. بدوره يوصي حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) باعتماد هذه المبادرة.
كان مطلقو المبادرة يأملون بالحصول على دعم قطاع الإقتصاد أيضاً. لكن رابطة أرباب العمل السويسرية Economiesuisse إختارت الوقوف إلى جانب الصف المعارض المبادرة، وهو الموقف الذي اعتمدته الحكومة الفدرالية أيضاً.
تمثلت الأطراف المناهضة للمبادرة بالأساس في الحزب الإشتراكي، والحزب الديمقراطي المسيحي، وحزب الخضر، وحزب الخضر الليبراليين والحزب البورجوازي الديمقراطي (المحافظ). وحسبما يبدو، وقفت غالبية صفوف الحزب الليبرالي الراديكالي في المعسكر الرافض للمبادرة، الذي انضمت إليه أيضاً الرابطة السويسرية للنقل العام، والجمعية السويسرية للنقل والبيئة ورابطة المزارعين السويسريين.
وتطالب هذه المبادرة باستخدام العائدات الضريبية المتأتية من الرسوم المفروضة على الزيوت المعدنية لتمويل المشاريع الخاصة بالطرق البرية حصراً. وحتى الوقت الراهن، كانت نحو 1,5 مليار فرنك (1.57 مليار دولار) متحصلة من مجمل هذه الإيرادات البالغة 3 مليار فرنك تصب في الميزانية العامة للدولة.
من جهتهم، يدفع سائقو المركبات في سويسرا ما يقرب من 7.2 مليار فرنك سنويا للخزينة الفدرالية على شكل ضرائب ورسوم. أما الجمعيات الرئيسية للسيارات في البلاد، فتقدر هذا المبلغ بـ 9 مليارات حتى، مع إحتساب الإيرادات المتأتية من ضريبة القيمة المضافة.
وتشتكي هذه الأطراف من الإستنزاف المتزايد لأصحاب المركبات الذين أصبحوا “يُحلَبون كالأبقار”، ما جعلهم يطلقون تسمية ” البقرة الحلوب” على مبادرتهم.
ووفقاً لهذه المبادرة التي تحمل رسميا عنوان “من أجل التمويل العادل لحركة المرور”، ينبغي تأمين العجز المالي الوشيك في مشاريع تحسين البنية التحتية للطرق البرية من خلال تخصيص كامل عائدات الضريبة المفروضة على الزيوت المعدنية (أي مبلغ 3 مليار فرنك بأكمله) لهذا الغرض.
وفي الوقت الراهن، لا تُرصد سوى 50% من هذه العائدات (أي نحو 1.5 مليار فرنك سنوياً) لأغراض تطوير البُنية التحتية لحركة المرور. أما المبلغ المُتبقي، فيذهب في العادة إلى الموازنة الفدرالية العامة لتمويل مشاريع ومهام أخرى.
وبحسب مُطلقي هذه المبادرة، تضاعفت الضرائب والرسوم التي يدفعها مستخدمو الطرق ست مرات منذ ستينيات القرن الماضي، حيث “يساهم مستخدمو السيارات بنحو سدس إجمالي الموازنة الفدرالية. مع ذلك، لا يُستَخدم جزء كبير من هذا المال لصيانة الطرقات، بل يذهب لتمويل مشاريع عامة أخرى”، كما تقول دوريس فيالا، العضوة في لجنة المبادرة.
وتدعو عضوة مجلس النواب عن الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين الوسط) إلى الإمتثال لمبدأ ‘الملوث يدفع’، كما تطالب بفصل واضح للإرتباط في التمويل القائم حالياً. وعلى حد قولها :”أريد أن أكون قادرة على رؤية المكان الذي يتدفق إليه كل فرنك”.
وتؤكد فيالا أنها لا تستهدف وضع وسائل النقل العامة في زاوية غير مؤاتية، ولكنها ترمي إلى تعزيز عملية تمويل متوازنة. مع ذلك ترى النائبة عن كانتون زيورخ أن تمويل مشاريع السكك الحديدية من خلال ضرائب الطرقات هو أمر غير مؤات. وكما تقول :” مع استخدامه من قبل 75% من المسافرين، يُعتبر الطريق البري أهم وسيلة للتنقل إلى حد بعيد. وفي المقابل، لا يستخدم سوى نحو 19% من المسافرين السكك الحديدية”.
كما تشير فيالا إلى أن استخدامات الطرق تتعدى مجرد المركبات إلى الدراجات والباصات وحافلات النقل التابعة لهيئة البريد السويسري أيضاً، مع عدم إغفال قضبان الترام الممتدة في الشارع. “مع ذلك لا تولى هذه الشوارع العناية التي تستحقها”.
“مهملة بشكل سافر”
وعلى الرغم من أنَّ سائقي المركبات هم “بقرة سويسرا الحلوب” بحسب مُطلقي المبادرة، إلّا أن هؤلاء يجدون أنفسهم عالقين في الزحام على نحو متزايد، على الرغم من أهمية مسألة الوصول في الوقت المحدد بالنسبة للعاملين في الشركات والإدارات العمومية. “على الرغم من الزيادة الحاصلة في الضرائب والرسوم، وتنامي الطلب على إستخدام الطريق، إلّا أنَّ أعمال الصيانة وتحديث وتوسيع البنية التحتية مهملة بشكل سافر”، كما يجادل لوبي مُستخدمي السيارات.
على الجانب الآخر، تقول إيفي آلّيمانّ، عضوة مجلس النواب عن الحزب الإشتراكي إن حجج المبادرين هذه ليست سوى “أنين من لوبي السيارات للحصول على المزيد من المال”. وبحسب رئيسة رابطة للنقل والبيئة التي تدعو إلى حركة نقل صديقة للبيئة، أصبحت قيادة المركبات أرخص في السنوات الأخيرة حتى، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار وسائل النقل العام بنسبة تناهز 30%.
في الوقت نفسه، تجد آلّيمانّ أن ما يحدث اليوم من تخصيص جزء فقط من الضرائب والرسوم المفروضة على مستخدمي المركبات لأعمال صيانة وتوسيع الطرق البرية هو أمر عادل وصحيح. وكما تقول معلِّقة :”أين سنجد أنفسنا في نهاية المطاف لو أننا خصصنا الضريبة المفروضة على تذاكر المسرح لتعزيز الحركة الثقافية فقط، أو لو قمنا باستخدام الضريبة المفروضة على المشروبات الكحولية للوقاية من المخدرات أو الحفاظ على وجود الحانات حصراً”؟
وتتفق رئيسة رابطة النقل والبيئة على ضرورة وجود شبكة مواصلات جيدة لتحقيق الإزدهار الإقتصادي لسويسرا. لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن شبكة الطرق والسكك الحديدية ممتازة بالفعل. وبحسب النائبة عن كانتون برن، لن يؤدي التوسع اللامحدود لشبكة الطرق إلى القضاء على الإختناقات المرورية.
كما أشارت آلّيمانّ إلى أن مشاريع البنى التحتية لهذه الطرق متى ما رَكَّزَت على أوقات الذروة حصراً، سوف تصبح غير قابلة للتمويل في مرحلة ما. ومثلما قالت :”بدلا من الإعتماد على الخرسانة، ينبغي الإستثمار في الحلول الذكية. وهذا قد يكون من خلال خلق نظام حوافز يؤدي إلى توزيع أفضل لحركة المرور، أو خفض عدد السيارات على الطرقات”، على حد قولها، لأن حركة النقل – بما فيها وسائل النقل العام – قد بلغت حدودها القصوى.
النائبة الإشتراكية تعتبر أن التمويل الحالي المخصص لشبكة الطرق البرية متوازن. وهي ترى أن من شأن تغيير التقسيم القائم أن يكون خطيراً، لأن مبلغ الـ 1.5 مليار فرنك الإضافي الذي تُطالب به المبادرة “سوف يُفتقد في مجالات أخرى”.
هذا الرأي تشاطره الحكومة الفدرالية، بما في ذلك الوزير أولي ماورَر، الذي يَدعم حزبه (حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ) هذه المبادرة. ويخشى وزير المالية في الحكومة الفدرالية من أن يؤدي إعتماد المباردة إلى الإخلال بتوازن الميزانية الفدرالية.
وكما جاء في بيان صدر عن وزارة المالية، فإن قبول المبادرة “قد يسفر عن ضرورة اتخاذ تدابير تقشفية صارمة”. وبالإضافة إلى الجيش، سوف تشمل مثل هذه التخفيضات قطاعات أخرى مثل الزراعة والتعليم والبحوث، كما أشار نفس البيان.
الإقتراح الحكومي: شوكة في العين
من جهتها، وبغية التوصل إلى تمويل طويل الأمد لشبكة الطرق البرية، تقدمت الحكومة الفدرالية بمقترح مُضاد غير رسمي يدعو إلى إنشاء صندوق وطني للطرق والتجمعات الحضرية (NAF)، يتم تمويله من المصادر المالية القائمة (ضريبة الزيوت المعدنية، الضريبة المضافة على الزيوت المعدنية ومُلصق ضريبة استخدام الطرق السريعة) فضلاً عن ضريبة إستيراد السيارات. وللعلم، تؤول الموارد المتأتية من هذه الضريبة الأخيرة إلى الخزينة الفدرالية العامة في الوقت الراهن.
في الأثناء، وافقت الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي (أي مجلس الشيوخ) على الإقتراح الذي تقدمت به الحكومة، ولكن مع بعض التعديلات التي جاءت متوافقة مع روح المبادرة، إلّا أنَّ النقاش في الغرفة السفلى (أو مجلس النواب)، والذي يُسَجِّل فيه لوبي مستخدمي السيارات حضوراً أقوى لم يبدأ بعد.
على الجانب الآخر، تعلَّق النائبة فيالا على هذا المقترح بالقول :”على الرغم من أن المقترح يقر بمواجهتنا لفجوة تهدد عملية التمويل، لكنه يريد مع ذلك ملء هذه الفجوة من خلال فرض زيادة أخرى في الضرائب على الوقود”. وحيث يمثل هذا الحل شوكة في العين بالنسبة لمطلقي المبادرة، فإن مقترحهم يُطالب أيضاً بأن تكون الكلمة الأخيرة للناخبين عندما يتعلق الأمر بخطط لاستحداث أي ضرائب أو رسوم أو نفقات أو الزيادة فيها.
من جهتها، تعتزم النائبة الإشتراكية آلّيمان تأييد اقتراح الحكومة الفدرالية، وتقول: “على المدى البعيد، سوف يتيح وجود مثل هذا الصندوق تمويل مشاريع صيانة البنية التحتية للطرق البرية وتوسيعها بشكل إنتقائي – ولا سيما في المناطق الحضرية. أما مبادرة “البقرة الحلوب” فمن شأنها أن تملأ الخزينة المخصصة لصيانة الطرق بشكل يوفر المال لمشاريع طرق لا معنى لها على الإطلاق”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.