“النشوة والإبتهاج لا يكفيان لحلّ مشكلة المناخ”
بعد نشوة الفرح والخطب التي رحّبت بالإتفاق الذي تم التوصّل إليه يوم السبت 12 ديسمبر 2015 في ختام مؤتمر المناخ في باريس ووُصف بأنه "خطوة تاريخية"، تبدأ المرحلة الأصعب في هذا المسار: تجسيد الإلتزامات الطموحة التي وافق عليها 195 بلدا. وعلى الرغم من عظم المهمّة، تبدو الصحف السويسرية متفائلة إلى حد ما، ذلك أن "مكافحة الإحتباس الحراري يُمكن أن توفّر فرصة للنمو الاقتصادي".
معظم الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنيْن 14 ديسمبر 2015 علقت على اتفاق باريس بشأن المناخ بالتساؤل: “هل هي لحظة سوف تنقش على صفحات كتب التاريخ، أم هي ببساطة صفحة أخرى من صفحات سياسة مناخية تفتقر إلى الثقة والمصداقية تُمارس منذ ربع قرن؟”. في المقابل، تراوحت نبرة افتتاحية صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر في زيورخ بالالمانية) بين النشوة والحذر تجاه الأهداف الطموحة التي أعرب عنها المجتمع الدولي.
صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) اختارت أن تكون في معسكر المتفائلين، وكتبت منوهة بأن “ما يقرب من 200 بلد يمثلون الغالبية العظمى من مسببي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون قد وضعوا خلافاتهم جانبا –أو البعض منها على الأقل- للإنخراط معا في معركة المناخ (…)، فهناك إذن مجال للترحيب بالطموح الذي يسعى اتفاق باريس إلى تحقيقه”.
أما التحدّي الآن فيتمثل في “تحويل النص إلى واقع، والذهاب إلى ما هو أبعد مما تحقق حتى الآن”، مثلما يعتقد كاتب افتتاحية هذه الصحيفة التي تضيف أن “الوقود الاحفوري، المسؤول عن ثلاثة أرباع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبط بالأنشطة البشرية، لا يمكن أن يكون جزءً من مستقبل الطاقة على كوكب الأرض”.
في الأثناء، يبدو أن هناك عدّة عوامل تجعل صحيفة “لوتون” تعتقد أن العالم اختار مسار الإقتصاد النظيف، حيث “انخفضت كلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل كبير. ولم يعد جزء من القطاع المالي يستثمر أصوله في الوقود الأحفوري، الذي بات يُنظر إليه على أنه قطاع مخاطره كبيرة جدا”، أما المؤلم فهو أن “الصين التي تواجه مستويات كبيرة من التلوّث ليس أمامها من خيار سوى التحرّك وبسرعة”.
الإختبار القادم في عام 2016
بالنسبة لصحيفة “لاتريبون دي جنيف” (تصدر بالفرنسية في جنيف) فإن نتيجة محادثات باريس “مذهلة” بالتأكيد، ما يدعو إلى اليقظة بحسب كاتب الإفتتاحية الذي يُلاحظ أن “الزخم الذي أحدثته الدبلوماسية الفرنسية خلال الإعداد لهذا المؤتمر ساعد على دفع “الماستودونت” أي القوى العظمى، كالولايات المتحدة، والصين، وجنوب افريقيا، والهند،… إلى إدراك صدق هذا التحرّك”، وإلى استيعاب أن “الأضرار الشديدة التي تُعاني منها من آثار التلوّث لم تعد محل شك في الوقت الراهن”.
في السياق، “يجدر التساؤل حول ما إذا كانت البلدان الدائرة في فلك القوى العظمى السابقة الذكر مقتنعة فعلا بالإتفاق الذي تم التوصّل إليه، وأنها ستعمل من أجل المصادقة عليه على المستوى الوطني. وسيكون من الملفت للنظر خصوصا كيف ستحترم البلدان المنتجة للنفط، من الرياض إلى كاراكاس، الإلتزامات التي قطعتها على نفسها في باريس يوم 12 ديسمبر 2015”.
صحيفة “لاليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ) حيّت بدورها “المنعرج” الذي خطّه مؤتمر المناخ بباريس (COP21 )، مشددة في نفس الوقت على ما اسمته “القصور في الوسائل” لتحقيق الأهداف المضمنة في وثيقة الإتفاق الذي جاء في 31 صفحة والذي تم اقراره في ضاحية لوبورجيه قرب العاصمة الفرنسية. وكتبت هذه اليومية في افتتاحيتها: “إذا كان كوكب الارض، وبفضل هذا الإتفاق، سوف يتنفس بشكل أفضل قليلا، فإنه لن يكفّ عن الدوران بعد يوم السبت 12 ديسمبر، وربما لن تقلّ حرارته عما مضى. وعلى الحكومات، المسؤولة الأولى على المحافظة على النظام المناخي العالمي، اتخاذ الإجراءات اللازمة، وفي أسرع وقت ممكن، وسيكون الإختبار الأوّل في ربيع 2016 المقبل، مع بداية عملية التصديق على الإتفاق من طرف البرلمانات الوطنية”.
وحتى إذا لم يتم انقاذ العالم حتى الآن، ومع الإقرار بأن الطريق المؤدية إلى الخروج من الوقود الأحفوري ستكون طويلة وشاقة، رحبت صحيفة “بليك” (تصدر بالألمانية في زيورخ) بـ “الإشارة التي وُجّهت إلى كل الذين ظنوا حتى الآن أن حماية المناخ موضوع يقتصر على الحالمين من أنصار البيئة”. وأضافت الصحيفة الشعبية الواسعة الإنتشار أن “أولئك الذين سيتجاهلون هذه الإشارة سوف يُنبذون في محادثات المناخ في المستقبل.. ولهذا السبب فحسب، يُمكننا أن نفرح في هذا اليوم التاريخي (في إشارة إلى يوم 12 ديسمبر 2015)”.
معجزة أم كارثة؟
بالمقارنة مع ما كان سيكون عليه هذا الإتفاق، فإن ما حدث يُعدّ معجزة. وبالمقارنة ما كان يجب أن يكون، فإن هذا الإتفاق يُعدّ كارثة صحيفة “لوكورييه”
بنفس النبرة، أشارت صحيفة “أرغاور تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في آراو) إلى أنه من المُغري بالتأكيد استخدام صيغ التفضيل، ولكنها استدركت مُنوهة إلى أن “التدابير المتخذة ليست سوى الشروط الأساسية لتحقيق الأهداف المُسطرة”. ومع ذلك، فإن الفرحة العارمة التي انفجرت بعد التوصّل إلى الإتفاق “تعكس ارتياح المجتمع الدولي”، الذي بدا “مُستعدا – على الرغم من تباين المصالح – للإقرار بوجود مشكلة الإحتباس الحراري”، حسب الصحيفة.
وفي نظرة أكثر نقدية، تبنت صحيفة “لوكورييه” (تصدر بالفرنسية في جنيف) الصيغة التي اعتمدتها صحيفة “الغارديان” البريطانية لتلخيص موقفها من النص الذي اعتُمد ليلة السبت الماضي في باريس في ختام مؤتمر المناخ الذي نظمته الأمم المتحدة، واعتبرت أنه “بالمقارنة مع ما كان سيكون عليه هذا الإتفاق، فإن ما حدث يُعدّ معجزة. وبالمقارنة ما كان يجب أن يكون، فإن هذا الإتفاق يُعدّ كارثة”..
علاوة على ذلك، تعتقد “لوكورييه” أن “تحقيق أهداف (اتفاق المناخ) المتمثلة في خفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون يظل بعيد المنال، ويمرّ حتما من خلال مصادر الطاقة النظيفة، ولكن أيضا من خلال تدابير مثيرة للجدل مثل آلية التعويض أو الحبس الجيولوجي لغاز ثاني أوكسيد الكربون”. ومن جهة أخرى، لم تفاجأ الصحيفة بأن اتفاق باريس “لا ينص على الخروج من الوقود الأحفوري، ولا يشكك في تنقلنا بواسطة الكيروسين (الوقود المستخدم في الطائرات)”.
حماية المناخ يمكن أن تكون عملية مربحة
تُقاس القدرة التنافسية لبلد ما من خلال السرعة التي يُدير بها عملية التحوّل في مجال الطاقة. وهذا ينطبق أيضا على الشركات والمستثمرين صحيفة “سودأوستشفايتز”
بدورها، دعت صحيفة “تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ) سويسرا “البلد الغني” لكي تتحمّل مسؤولية أكبر في حماية المناخ على المستوى الدولي، وأضافت أن “الأمر متروك الآن إلى البرلمان لتحسين الأهداف المناخية، حتى تتمكّن سويسرا من القيام بدور رائد على مستوى الحماية الدولية للمناخ”، إلا أنها أعربت عن الأسف لأن “الأغلبية (الجديدة في البرلمان – التحرير) ذات توجهات يمينية لا تستجيب لنداء كهذا، وترفض اقتناص الفرص المتاحة امام الإقتصاد، والمؤسسات المالية، وصناديق التأمين”.
مع ذلك، تشير صحيفة “سودأوستشفايتز”، (تصدر بالألمانية في خور بكانتون غراوبوندن) إلى أن اتفاق المناخ يبعث برسائل واضحة إلى الإقتصاديين مفادها أنه من المفيد جدا الآن الإستثمار في حماية المناخ، وأضافت أن “القدرة التنافسية لبلد ما تُقاس من خلال السرعة التي تدير بها عملية التحوّل في مجال الطاقة. وهذا ينطبق أيضا على الشركات والمستثمرين”، حسب رأيها.
وبالفعل، فهذا هو ما دعا إليه بيرتران بيكار تحديدا على أعمدة Agefi (يومية اقتصادية ناطقة بالفرنسية). فقد ذهب هذا المغامر السويسري، الذي شارك في بعث مشروع الطائرة الشمسية “سولار أمبولس”، إلى أن الخطاب الأيكولوجي (أي المدافع عن البيئة) لا بدّ أن يتغيّر، كما يرى أنه “يجب التوقّف عن التشكيك والحديث عن تكلفة الطاقة المتجددة”، لأن “منطق الربح هو الذي سوف يتقدّم بقضية البيئة”. وأضاف بيكار: “لنتكلّم عن الفرص المتاحة بدلا من الحديث عن المشكلات. إذ يُوجد اليوم ما يكفي من التكنولوجيا النظيفة للإرتقاء بالجدوى الطاقية إلى مستوى خفض الإنبعاثات الغازية بنسبة النصف، واستخدام الموارد الطبيعية (…) ولا بدّ من التوجّه إلى الإستثمارات المُربحة بدلا عن المانحين المسلّمين بالأمر الواقع”.
“اتفاق تاريخي”
أقرت 195 دولة مساء السبت 12 ديسمبر 2015 اتفاقا تاريخيا في باريس لمكافحة الاحتباس الحراري الذي تهدد تداعياته كوكب الارض بكوارث مناخية، وذلك بعد سنوات عدة من المفاوضات الشاقة.
وأعلن رئيس قمة المناخ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وهو شديد التأثر “اأظر (الى الوجوه) في القاعة وأرى ان رد الفعل ايجابي ولا اسمع اعتراضا، تم تبني اتفاق باريس حول المناخ”.
واستمر التصفيق دقائق عدة في قاعة المؤتمر وسط تبادل التهاني، بعد ست سنوات على فشل مؤتمر كوبنهاغن الذي عجز عن التوصل الى اتفاق مشابه.
وصعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى المنصة وامسك بيد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وفابيوس في حين تعانقت مسؤولة المناخ في الامم المتحدة كريستيانا فيغيريس طويلا مع كبيرة المفاوضين الفرنسية لورانس توبيان.
ورحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما السبت 12 ديسمبر أيضا باقرار مؤتمر باريس المناخي اتفاقا “تاريخيا وقويا” لمكافحة الاحتباس الحراري، معتبرا انه قد يشكل “منعطفا للعالم”.
وقبل بدء الجلسة الاخيرة للمؤتمر عصر السبت اعلنت اكبر مجموعة من الدول المشاركة فيه وهي مجموعة ال77 + الصين (134 دولة ناشئة ونامية) موافقتها على مشروع الاتفاق الذي أدخلت عليه اخر تعديلات ليلة الجمع 11 – السبت 12 ديسمبر.
وقالت نوزيفو مكاكاتو ديسيكو سفيرة جنوب افريقيا والمتحدثة باسم مجموعة ال77 + الصين “نحن موحدون جميعا وسعيدون بالعودة الى ديارنا ونحن نحمل هذا الاتفاق”.
وكان فابيوس اعلن ظهر السبت لدى تقديم مشروع الاتفاق “وصلنا تقريبا الى نهاية طريق وبداية طريق اخرى”، داعيا الدول الى اعتماد هذا “الاتفاق التاريخي”.
ولم يحصل تصويت لان الاجماع مطلوب في اطار اتفاقية المناخ للامم المتحدة.
وكان بان كي مون دعا الدول الى “انهاء العمل” لمكافحة الاحتباس الحراري الذي يزيد من مخاطر الجفاف والفيضانات وذوبان الجليد.
ورأت منظمة “السلام الأخضر” (غرينبيس) كما عدة منظمات غير حكومية قبل اقرار الاتفاق انه يشكل “منعطفا” ويضع مصادر الطاقة الأحفورية “في الجانب الخاطىء من التاريخ”.
ويرمي المشروع الى احتواء ظاهرة الاحتباس “لابقاء ارتفاع حرارة الارض دون درجتين مائويتين” ويدعو الى “مواصلة الجهود لجعل هذا الارتفاع 1,5 درجة مائوية”. وهو هدف اكثر طموحا من الدرجتين المائويتين والذي كانت ترغب به الدول الاكثر تأثرا.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب، بتاريخ 12 ديسمبر 2015)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.