مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قانون جديد يُطلق يد برن في التعاطي مع الأصول المنهوبة

عند التصويت، نجحت الحكومة في تمرير القانون الجديد لكنها فشلت في إقناع أغلبية النواب بإلغاء مبدإ سقوط المتابعات القضائية بالتقادم. Keystone

دوفالييه، ماركوس، موبوتو،.. أو مؤخرا زين العابدين بن علي ومبارك وبشّار الأسد... تطول قائمة الطغاة الذين نهبوا أموال شعوبهم وأودعوها المصارف السويسرية. وحتى وقت قريب، كانت برن تلتجئ في كل مرة إلى قانون استثنائي لتجميد ودائع يشكّ في سلامة مصدرها، وللسماح بالتحقيق بشأنها. لكن هذه الصفحة طويت بإقرار مجلس النواب يوم الأربعاء 10 يونيو الجاري مشروع قانون يهدف إلى تقنين تدخّل الجهات السويسرية.

هذا المشروع الذي أيّده 136 نائبا واعترض عليه 54 آخرين، ووافقت عليه كل الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمانرابط خارجي باستثناء حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، من شأنه أن يضع حدا للحاجة إلى الإجراءات الاستعجالية والاستثنائية، وأن يقنّن كل الخطوات المتمثّلة في تجميد الاصول غير المشروعة ومصادرتها، وإعادتها إلى أصحابها الحقيقيين. فقط نواب حزب الشعب رأوا فيه إجراء غير مفيد، ومن الوهم على حد زعمهم، “الإعتقاد أنه سيسمح بإعادة تلك الاموال إلى الشعوب المظلومة”.

هذا الموقف المعارض ردّ عليه المؤيدون، مثل النائب الديمقراطي المسيحي عن جنيف غيوم بارازّونّي بالتأكيد على أن هذا النص: “يضفي مشروعية ديمقراطية على إجراء قانوني استعجالي وطارئ”. أما بالنسبة لأرسولا شنايدر، النائبة الاشتراكية عن كانتون فريبورغ فأهميته تكمن في كونه يتعلّق بقضية تضع مصداقية سويسرا على المحكّ، وبالنسبة إليها “لا نستطيع من جهة تخصيص كثيرا من الأموال للمساعدة على التنمية في البلدان الفقيرة، ومن جهة أخرى الاحتفاظ بأصول منهوبة، كان يجب أن تصرف في تمويل مشروعات البنية التحتية، والتعليم والصحة في تلك المناطق”. 

ما الجديد في هذا القانون؟

بفضل هذا القانون، وفي انتظار إقراره نهائيا من طرف مجلس الشيوخ (الغرفة العليا للبرلمان)، سوف يصبح بإمكان الحكومة السويسرية اتخاذ قرار بتجميد الأصول غير المشروعة في انتظار الحصول على تعاون قضائي مع البلدان المعنية بعد سقوط الطغاة أصحاب تلك الودائع. ولكن ليحصل ذلك، لابدّ من أن تكون قضية الفساد معلومة وجلية في ذلك البلد، وأن تمسّ بطريقة أو بأخرى بمصالح سويسرا. 

دخل القانون الفدرالي الجديد المتعلّق بإعادة الودائع غير المشروعة حيّز النفاذ في أول فبراير 2011.

يسمح هذا القانون للمحكمة الإدارية الفدرالية بمصادرة الأصول المجمدة التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة إذا كانت البلدان الأصلية المعنية قد أخفقت في إجراء الملاحقات القضائية.

بموجب القانون الجديد، بات يتوجب على المُودع إثبات مشروعية كسب الأموال، وليس فقط على المدعي أن يثبت بأن الأموال قد سُرقت.

أصبحت الحاجة إلى هذا القانون واضحة بعد عجز حكومتي هايتي، والكونغو الديمقراطية في توفير الأدلة القانونية الكافية لإستعادة أموال رئيسيْهما السابقيْن: جون كلود دوفاليي، بالنسبة للأولي، وموبوتو سيسي سيكو، بالنسبة للثانية.

في هذه الحالة، تُستخدم الأصول لتمويل برامج يستفيد منها سكان البلدان المعنية، لتحقيق المنفعة العامة. 

كذلك الإدانة المسبقة لهذا الدكتاتور او ذاك لن تكون شرط ضروريا في المستقبل. فتجميد الأصول المشكوك في مصدرها سوف يصبح ممكنا حتى بالنسبة للذين لا يزالون في السلطة إذا كان التغيير لا مفرّ منه. لكن أغلبية النواب مثلما رفضوا انتظار سقوط الحكام الفاسدين لمصادرة ودائعهم كما يريد حزب الشعب، رفضوا كذلك مقترح الاشتراكيين وحزب الخضر الذين كانوا يرغبون في أن يسمح القانون بتجميد اموال المسؤولين الذين يتورّطون في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. 

ويذهب هذا القانون إلى أبعد من ذلك، حيث يسمح للحكومة بتجميد الاموال، كخطوة أولى من اجل مصادرتها، حتى لو كانت الحكومة في البلد الأصلي ضعيفة وليس بإمكانها تقديم ما يثبت المصدر غير المشروع لتلك الاصول. ويحتفظ مشروع القانون الجديد بالأحكام الوارد في قانون 2011 المتعلّق بإعادة الأصول المنهوبة. وبفضل هذا القانون تم تفادي إعادة ودائع مالية مهمّة إلى أقارب الدكتاتور الهايتي السابق جون كلود – دوفالييه.

الإضافة الأخرى والمهمّة ايضا، سماح هذا القانون بتقديم شكوى للمحاكم الإدارية في سويسرا بغرض مصادرة الأصول التي اتخذ قرارا بتجميدها. والهدف من ذلك هو تجنّب الاضطرار إلى إعادة الودائع المجمّدة إلى الطغاة الفاسدين بسبب فشل التعاون القضائي مع البلد الأصلي. ويبدو أن الحالة المصرية كانت ماثلة بلا ريب في مخيلة أصحاب هذا المقترح. 

نقائص وتضييق

ولكن ككل نص قانوني، لا يخلو التشريع الجديد من بعض النقائص. فقد قرّرت الأغلبية (102 مقابل 87) الإبقاء على مدّة التقادم وفقا لما هو منصوص عليه في قانون العقوبات السويسري، وفي ذلك محاولة للإبقاء على بعض التوازن، خاصة وأن القانون الجديد يعتبر أصحاب الودائع المشكوك في سلامتها متهمين حتى تثبت براءتهم على خلاف القاعدة الأصلية “المتهم برئ حتى تثبت إدانته”. كذلك ضيّق القانون الجديد دائرة الأشخاص الذين يمكن أن تتعرّض أموالهم للتجميد والمصادرة، أي الأشخاص المتورّطون مباشرة في الاحتفاظ بتلك الاموال. 

وقد ظهرت الحاجة أكثر إلى هذا القانون مباشرة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي. إذ في غياب أساس قانوني واضح، اضطرت الحكومة السويسرية للجوء إلى اتخاذ اجراءات استثنائية، واصدار مراسيم لتجميد ودائع تعود ملكيتها إلى الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وإلى نظيره المصري حسني مبارك والمقربين منهما. وظهرت الحاجة إلى ذلك مرة أخرى مع سقوط الرئيس الأوكراني السابق فيكتور لانيكوفيتش وأقاربه. فكان لابد من اضفاء طابع ديمقراطي على هذه الإجراءات بتحويلها إلى قانون مُصادق عليه من طرف البرلمان الفدرالي.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية