لماذا يجب على الأمم المتحدة إصلاح مجلس الأمن
بعد مضي أكثر من ثلاثة أرباع القرن على إنشائها، تبدو الأمم المتحدة مصابة بمختلف أمراض الشيخوخة، وفي حالة لا تسمح لها بالقيام بوظائفها الأصلية، ناهيك عن الاضطلاع بأداء المهام الجديدة الملقاة على عاتقها بموجب التطورات المتلاحقة التي طرأت على النظام الدولي.
واليوم المحافظة على السلم والأمن الدوليين في عالمنا المعاصر بات يتطلب رؤية ومنظومة مختلفة كليا للآليات التي يمكنها تحقيق الأمن الجماعي للبشرية، وليس فقط للدول، في عالم تحول فعلا إلى قرية كونية صغيرة. وهذا الأمر يتحقق في المقام الأوّل عبر إصلاح مجلس الأمن.
عندما تأسست الأمم المتحدة عام 1945، بدا العالم حينئذ منقسما إلى ثلاث فئات: مجموعة الدول المتحالفة والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ومجموعة الدول المهزومة في تلك الحرب، ومجموعة الدول أو الأقاليم الخاضعة للاستعمار.
ما الذي تغيّر؟
اليوم، يبدو العالم مختلفا تماما. فالدول التي هزمت في الحرب العالمية الثانية أصبحت قوى عالمية كبرى تطالب لنفسها بمقاعد دائمة في مجلس الأمن. والأقاليم التي كانت خاضعة للاستعمار الأوروبي استقلت جميعها والتحقت تباعا بالأمم المتحدة، ما رفع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من 51 دولة عند التأسيس إلى 191 دولة حاليا، ما ساعد على تحولها إلى مؤسسة كونية تضم جميع دول وشعوب العالم تقريبا، وذلك لأول مرة في تاريخ البشرية.
على صعيد آخر، لم تعد مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين قاصرة على الحروب بين الدول، وإنما أضيفت إليها مصادر أخرى كثيرة، كالحروب الأهلية والأخطار البيئية والفقر. فضحايا الأمراض المعدية والجريمة المنظمة أصبحت أكبر بكثير من ضحايا الصراعات المسلحة بين الدول.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن نظام الأمن الجماعي, كما تضمنه الميثاق، ولأسباب كثيرة في مقدمتها نظام التصويت في مجلس الأمن وصعوبة تحقيق التوافق بين الدول دائمة العضوية، لتبين لنا أن الأمم المتحدة, بميثاقها الحالي الذي لم تطرأ على نصوصه أي تغييرات تذكر، وبآلياتها الحالية قد أصبحت عاجزة عن مواكبة التطورات العالمية، ولم تعد ملائمة لقيادة النظام الدولي الراهن.
نظام الأمن الجماعي الجديد المطلوب لتحقيق السلم في عالمنا المعاصر يجب أن يكون قادرا على التعامل مع كافة مصادر التهديد التي تواجه البشرية، وأن يكون مزودا بآليات تمكنه فعلا من مواجهة كافة تلك الأخطار في جميع الأوقات، وليس فقط مجلسا يجتمع بعد اندلاع الأزمات أو الحروب، وأن توضع تحت تصرفه كافة الإمكانات والموارد التي تمكنه من القيام بكافة المهام التي تتطلبها تطورات نظام دولي معولم ومتداخل المصالح،بدلا من الاكتفاء بموارد محدودة تعتمد على رضاء والتزام الدول الأعضاء، وأن يُدار استنادا إلى مبادىء وقواعد عامة وإجراءات دقيقة وواضحه، بدلا من المبادىء والقواعد العامة التي تتسم غالبية نصوصها بالغموض والقابلة لتفسيرات متعارضة. وأن يكون قابلا للمساءلة والمراجعة والمراقبة, وليس نظاما يتمتع بسلطات مطلقة ولا يخضع لأي إشراف أو رقابة سياسية أو قضائية. وتلك كلها شروط لم تعد متوافرة في نظام الأمن الجماعي الذي تديره الأمم المتحدة حاليا والمصاب بما يشبه الشلل التام، كما سبقت الإشارة.
التشكيل الحالي لمجلس الأمن، وهو الآلية الوحيدة المسؤولة عن إدارة نظام الأمن الجماعي، وفقا لنصوص الميثاق الحالي، لا يعكس الخريطة الفعلية لموازين القوى العالمية القائمة حاليا. فهناك توجد قارات بأكملها، مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية، لم تخصص لها أي مقاعد دائمة، بينما تحظى أوربا الغربية وحدها بثلاثة مقاعد من مقاعده الخمس الدائمة، ولم يعد مقبولا أن تحظى دول مثل فرنسا أو المملكة المتحدة بمقعد دائم لكل منها، بينما تحرم دول أخرى مثل ألمانيا واليابان من هذا الحق. وتتيح طريقة اتخاذ القرار في مجلس الأمن الحالي لأي دولة دائمة العضوية أن تعطّل بمفردها صدور قرار لا ترغب فيه، حتى ولو حظي بموافة جميع الدول الأخرى الأربعة عشر. لذا يجب أن يتسع تشكيله ليعكس بصورة أفضل لموازين القوى القائمة حاليا في النظام الدولي، وأن يسمح بتمثيل أكثر عدالة لمختلف القارات والحضارات والثقافات، وأن تتغير طريقة اتخاذ القرار فيه للحيلولة دون تمكين أي دول بمفردها، أو أي تكتل على أساس جغرافي أو أيديولوجي، من شل إرادة المجتمع الدولي أو الحد من قدرة المجلس على الاضطلاع بمسؤولياته.
ما الذي يتطلب الاصلاح؟
ولأن مجلس الأمن الحالي لا يجتمع إلا عند الضرورة، وفي الحالات التي تهدد باندلاع نزاعات مسلحة بين الدول، فإنه لم يعد قادرا على الأخذ بزمام المبادرة في مختلف الحالات الأخرى التي تهدد السلم والأمن الدوليين، كحدوث وباء عالمي أو مجاعة كبري أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إو إقدام دولة كبرى على اتخاذ إجراء أحادي يهدد الاقتصاد العالمي. لذا فقد بات العالم في أمسّ الحاجة إلى مجلس من نوع آخر يجتمع بصفة دورية، سواء على مستوى رؤساء الدول أو وزراء الخارجية أو الوزراء الآخرين المعنيين، لمواجهة كل أنواع التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليين. ولأنه، بصيغته وصلاحياته الراهنة، يبدو كدكتاتور مطلق لا تخضع ممارساته لأي رقابة سياسية أو قضائية، فالمطلوب مجلس يخضع سياسيا لرقابة الجمعية العامة، وقانونيا لرقابة محكمة العدل الدولية التي يجب أن تكون مفوضة، إلى جانب اختصاصاتها القضائية، بالنظر في مدى دستورية القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.
لكن هل القيام بالإصلاحات المطلوبة لتفعيل دور الأمم المتحدة وتجديد شبابها مسألة ممكنة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع؟
أعتقد أن التوافق حول هذه الإصلاحات قد يكون ممكنا من الناحية النظرية على الأقل، خاصة وأن أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لها مصلحة في إقرارها، ومن ثم تستطيع تمريرها في مؤتمر لمراجعة نصوص الميثاق الحالي، لكنه قد يكون مستحيلا من الناحية العملية، لأن دخولها حيز التنفيذ يتطلب تصديق جميع الدول دائمة العضوية عليها، وهو أمر لم يعد سهل المنال في ظل الأوضاع الدولية الحالية، خاصة بعد اندلاع الحرب على الساحة الأوكرانية. لذا يبدو أنه لم يعد هناك من بديل أمام العالم سوى الاختيار بين أمرين: فإما الإبقاء على الأمم المتحدة بحالتها الراهنة، أو إقامة منظمة بديلة. ولأن التاريخ يشير إلى أن حالة النضج التي تسمح بإقامة منظمة عالمية تتولى مسؤولية تحقيق السلم والأمن الدوليين، لم تتوافر إلا في أعقاب الحروب العالمية، حيث لك يكن ممكنا إقامة عُصبة الأمم إلا بعد حرب عالمية أولى والأمم المتحدة إلا بعد حرب عالمية ثانية، يبدو أن العالم يتّجه الآن نحو مأزق يصعب الفكاك منه، خاصة وأن الحرب العالمية الثالثة، إذا اندلعت، فسوف تؤدي حتما إلى فناء البشرية كلها.
فمتى يتوافر للعالم المعاصر قادة يمكنهم العمل من أجل قيام منظمة عالمية جديدة وفاعلة، وهو السبيل الوحيد لتفادي الانتحار الجماعي للبشرية؟
تحرير: فيرجيني مانجين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.