مستقبل صناعة أجبان الإيمنتالر يتوقّف على التدخّل الحكومي
يعتبر جبن الإيمنتالر أيقونة الصادرات السويسرية، ورغم ذلك لا تزال هذه الصناعة تصارع من أجل البقاء. وتدرس الحكومة امكانية فرض نظام الحصص على الإنتاج داخل هذا القطاع لمساعدة صانعي هذا الأجبان والمزوّدين لهم بالالبان حتى تستمرّ هذه الصناعة وتتجاوز مشكلاتها.
القائمون على هذه الصناعة صوّتوا خلال هذا الصيف لإعادة العمل بنظام الحصص بعد أن أدّت الزيادة المفرطة في الإنتاج إلى انهيار الأسعار مما أصبح يهدّد ما تبقى من المنشآت القائمة على صناعة هذا الجبن التقليدي في سويسرا.
وترى الهيئة الممثلة لهذه الصناعة (Emmentaler Switzerland) أنه لن يكون هناك أي جدوى من إعادة العمل بنظام الحصص ما لم يشمل جميع العاملين في هذا القطاع، ولن يكون هذا ممكنا إلا بموافقة الحكومة. وتستكمل وزارة الإقتصاد عملية التشاور في شهر سبتمبر، وينتظر ان تتخذ الحكومة بعدها قرارا بهذا الشأن في شهر اكتوبر القادم.
بدأ انتاج جبن الإيمنتالر المميّز (ويشتهر في الخارج بتسميته الفرنسية الإيمنتال نسبة إلى المنطقة التي ينتج بها) في القرون الوسطى بمنطقة إيمنتال الساحرة والخلابة التابعة لكانتون برن. ويتواصل تصنيعه من طرف عائلات منتجة للألبان تقطن في المناطق السويسرية الناطقة بالألمانية، وكذلك في مصانع كبيرة متخصصة. لكن صانعي هذا الجبن يجدون الآن صعوبة في الإبقاء على ربحية هذا القطاع.
في عام 1990، كان هناك 800 منتج لهذا الصنف من الأجبان في سويسرا. أما الآن، فهناك 149 منتجا فقط. وكذلك تراجع عدد منتجي الألبان المشاركين في صناعة إيمنتالر AOC، المحمية بالعلامة التجارية الاصلية.
أمّا التجار المروّجين لهذا النوع من المنتوج فيطلبون باستمرار المزيد من الكميات منه حتى ولو تجاوز ذلك مقدرتهم على التسويق، مما يؤدي إلى إغراق السوق، وإلى تدهور الأسعار.
وأبلغت فرانزيسكا بورار، مديرة منظمة “إيمنتال سويسرا” swissinfo.ch كيف أن “سعر الكيلو الواحد من جبن الإيمنتالر يبلغ حاليا 5.6 فرنكات، وهو ما لا يكفي لضمان بقاء المنتجين الصغار”.
وتضيف هذه الأخيرة: “لان منتجي الأجبان لا يحصلون إلا على القليل من الأرباح، فهم لا يستطيعون منح منتجي الألبان ما يكفي لتغطية تكاليف الغنتاج. وهناك خطر من ان يقوم المزارعون بصرف منتجاتهم من الحليب إلى جهات اخرى، أو ان يوقفوا الإنتاج مرة واحدة”.
ويسود اعتقاد بان الحد من الإنتاج يؤدي مباشرة إلى ارتفاع الاسعار، وهو ما يعكس القيمة الحقيقية للأجبان وللحليب في الوقت نفسه.
منافسة
المشكلة الاخرى التي يعاني منها هذا القطاع هو ما تشهده السوق السويسرية والدولية من عملية اغراق بسبب الكميات الكبيرة للإنتاج من هذا الجبن بواسطة مصانع آلية كبرى منتشرة في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
ويمكن تصنيع الإيمنتالر من الألبان المعقّمة المنتجة عن طريق الأبقار التي لا تتغذى من خلال علف أخضر مجفف( سيلاج). لأن هذا العلف تنتج عنه بكتيريا في الحليب، غير مسموح بها في الجبن السويسري. كذلك لا يحتوي الجبن السويسري على أي مكوّنات اصطناعية، فكل كميات الحليب المطلوبة لتصنيع جبن الإيمنتالر السويسري تأتي من الأبقار التي تتغذى من العشب والقش فقط.
ويظل التحدي الذي يواجه المنتوج السويسري من هذه المادة هو جعل المستهلكين على بيّنة من الإختلافات بين الأجبان. وتضخّ الهيئة الممثلة لهذا الفرع الصناعي 80% من قيمة الإشتراكات الإلزامية التي تتلقاها من اعضائها في حملات الإشهار والتسويق.
علامة الجودة
حصل جبن إيمنتالر السويسري على علامة الجودة AOC في ديسمبر 2006. وقد وضعت على إحدى جوانب أقراص الجبن التي يتراوح وزنها بين 90 و110 كيلوغرام ملصقة كتب عليها نوع الجبن بشكل واضح للعيان.
وبإمكان منتجي ذلك الجبن أيضا كتابة رمز انتاجهم الفردي على هذه الأقراص. وهذه الملصقة هي ضمانة الجودة، وتساعد على حماية العلامة التجارية من المنتجات المقلّدة. ويقتضي تحقيق هذه الدرجة العالية من الجودة التي تتطلبها علامة AOC ، تضافر جهود المزارعين وصناع الجبن في آن واحد.
يقوم أعضاء جمعية أورشنباخ (Ursenbach) التي تجمع في عضويتها 18 منتجا للألبان، ويرأسها أندرياس بيرنهارد، يوميا بتزويد صانعي هذا الجبن بالحليب المناسب. وقامت swissinfo.ch بزيارة بيرنهارد في مزرعته المثالية، حيث يشق 35 رأسا من الابقار الطريق عبر المراعي الخضراء مترامية الاطراف. ففي ما يختلف هذا الجبن عن بقية الاجبان المحلية، يتساءل هذا الأخير؟. ثم يجيب: “يتوقّف كل شيء على الطريقة التي تربى بها الأبقار، والبيئة التي تعيش فيها، والأعلاف التي تستهلكها”.
وللتحقّق من خلو الألبان العادية من البكتيريا ومن المضادات الحيوية، تجرى عليه اختبارات وتحاليل في المختبر. والالبان الذي يثبت احتوائه لهذيْن العنصريْن لا يمكن اشترائه او استخدامه في صناعة جبن إيمنتالر.
ويشرف على انتاج الأجبان المحلية بأورشنباخ فريتس ليهمان، وشقيقه هانس. وينتج هذان الاخيران أربعة انواع من الأجبان يوميا. وتخضع عملية الإنتاج هذه إلى ضوابط صارمة من قبل المصنّع بعد عملية الإنضاج التي تمتد لثلاثة أشهر. ولقد فازت العام الماضي عائلة ليهمان بجائزة ثانية ضمن مسابقة وطنية نظمتها هيئة “إيمنتالر سويسرا”.، هذا على الرغم من انها لا تزال تواجه مستقبلا غامضا.
ويعتقد فريتس ليهمان أن المشرف على تسويق هذا الجبن مدعو لبذل جهود أكبر للترويج لهذا المنتوج. ويضيف هذا الأخير: “أعتقد أنه بإمكاننا بيع المزيد من جبن إيمنتالر AOC إذا ما بذلت المزيد من الجهود في عملية الترويج. وهذه العملية تحتاج إلى مزيد من الوقت، ومزيد من القوى البشرية، ومن الحرص والإندفاع. في هذه الأيام، السوق مغرقة بالمنتجات. وعليك أن تسجّل حضورك بإستمرار، وتلحّ بان منتوجك هو الافضل في الأسوق”.
أوقفوا الإفراط في الإنتاج
إذا ما تم فعلا اعتماد نظام الحصص، تنوي فرومارت (المنظمة الممثلة لصانعي الأجبان)، انشاء شركة تجارية موحّدة للإشراف على جميع العروض، وتلبية جميع الطلبيات.
وسوف يُطلب من المروّجين للأجبان تقديم طلبياتهم مسبقا وتحديد الكميات التي يرغبون في اقتنائها، كما سيكون على المنتجين تسليم انتاجهم لهذه الشركة، وليس للمروّجين مباشرة. هذا الاجراء من شأنه أن يحدّ من الزيادة الكبرى في كميات الإنتاج، وأن يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار.
لكن جوزيف هارديغار، التاجر الذي يشتري إيمنتالر AOC من أورشنباخ لا يتفق مع كل ما سبق. ويقول: “المشكلة هو أنه لا يمكن تغيير الهياكل الأساسية لهذه الصناعة، وبالتالي ليس هناك أي ضامن على المدى الطويل بان المنتجين سوف يصمدون مع وجود شركة واحدة، ومع فرض نظام الحصص لمدة سنتيْن”.
ويخشى هارديغار أن تكون هذه الشركة مدافعة في المقام الأوّل على مصالح المزارعين والمنتجين، ويضيف: “على المدى القصير، يمكن لنظام الحصص أن يساعد في معالجة مشكلات هذا القطاع، وأن يحد من معضلة الإفراط في الإنتاج، ولكن على المدى المتوسّط والبعيد، يجب أن يترك الامر للسوق لتحقيق التوازن بين العرض والطلب”.
أما فرانسيسكا بورار، فتخشى أن يترك الحبل على الغارب لقوى السوق يجور بعضها على بعض إذا لم توافق الحكومة على التدخّل من اجل فرض نظام الحصص في مختلف المجالات. ويبدو المشهد قاتما. لكن إذا نظرنا إلى الصورة في مجملها، نجد أن جبن إيمونتالر AOC لا يزال الجبن السويسري الاكثر تصديرا إلى الخارج رغم كل ذلك.
خلال الفترة التي كانت الحكومة تدفع فيها إعانات لهذا الفرع الصناعي، كان هناك فائض كبير من انتاج الألبان. وقد استخدمت الكميات الإضافية في انتاج أجبان الإيمنتالر، والتي كانت تصدّر بأثمان منخفضة جدا.
في عام 1999، وعقب الإصلاحات التي أدخلت في القطاع الزراعي، تحوّلت الإعانات التي كانت تقدّم إلى قطاع الأجبان، إلى إعانات مباشرة للمزارعين، كل بحسب حجم مزرعته.
تولت هيئة Emmentaler Switzerland AOC الإشراف على هذا النوع من الأجبان بدلا عن الإتحاد السويسري لمنتجي الأجبان، وقامت بفرض شروط صارمة على عمليات الإنتاج والترويج والتسويق.
بدأ العمل بنظام الحصص سنة 2005 للحد من الفائض الكبير في الإنتاج، لكن ستة منتجين لم يلتزموا بهذا النظام، وقاموا بالترويج لنوع آخر من الإيمنتالر رخيص الثمن، وتحت علامة تجارية جديدة.
انهار نظام الحصص في عام 2011، وانخفضت أسعار الإيمنتالر مما يزيد عن 7 فرنك للكيلوغرام الواحد إلى ما يناهز 5 فرنكات فقط.
الصادرات في عام 1999: 33.689 طن.
الصادرات في عام 2011: 25.256 طن.
عدد المؤسسات والعائلات المنتجة للإيمنتالر سنة 1999: 519 .
عدد المؤسسات والعائلات المنتجة للإيمنتالر سنة 2012: 149.
عدد المؤسسات المنتجة التي توقفت عن الإنتاج في عام 2011: 20.
عدد الضيعات المنتجة للألبان لغرض تصنيع الإيمنتالر: 4.000 ضيعة ومربي
تتطلب صناعة كل قرص من الجبن 1200 لتر من الحليب.
يسكب ذلك الحليب في حوض كبير، ويسخّن تحت نار تزيد عن خمسين درجة إلى أن يتخثّر.
يتم لاحقا سكبه في قوالب دائرية في شكل اقراص، وأمّا السوائل المتبقية، فتعزل جانبا.
يتم وضع ختم وعلامة AOC (علامة الجودة) في أعلى الملصقة الموضوعة على القرص، كما يوضع القرص لاحقا في حوض مملّح لبضعة ايام قبل نقله إلى غرف التخزين المختلفة لينضج ويخمّر لمدّة لا تقل عن أربعة أشهر.
يتم التحكّم في احجام الثقوب من خلال تنويع درجات الحموضة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.