ألواح التزلج الآتية من الصحراء
إن شركة "ميديتيك" التونسية والتي كانت مملوكة سابقاً للعلامة التجارية السويسرية "نيديكير" لإنتاج ألواح التزلج، تقوم حالياً بالتعاون مع أكثر من عشرين علامة تجارية. ومنها العلامة التجارية السويسرية "وست" لإنتاج ألواح التزلج.
فجأة توقف سائق التاكسي على حافة الطريق داخل منطقة صناعية تقع على بعد عشرات الكيلومترات خارج العاصمة تونس. “ها هي ميديتيك”، بحسب قوله. وخلفنا، يقع مبنى أزرق من الصفيح، يحيطه سور. وها هو مدير المشروعات رامي الوسلاتي يتقدم لاستقبالنا.
يسرع الرجل الثلاثيني النشط خطواته كي يرينا الورش المختلفة والتي يتم فيها تصميم ألواح التزلج وتركيبها. ومن ثَمَّ يقودنا نحو مكتب السيد علي كوكي، المدير.
“حتى عام 2011 كان هذا المصنع يتبع لشركة “نيديكير”. وفي العام التالي خطرت لنا ـ أنا وشركائي الآخرين ـ فكرة ضمه إلينا مرة أخرى. فالمصنع قائم منذ عام 1993، وقد احتفظنا بأغلب العمال القدامى”، يقول كوكي، أحد الأبطال القدامى في مجال رياضة التزلج على المياه في تونس.
الخبرة الفنية بدون وجود ثلج
هنا يعمل حوالي سبعون عاملاً على الألواح الخشبية، والتي يقترب مظهرها من مظهر ألواح التزلج مع كل خطوة من خطوات العمل. “وبرغم توفر الماكينات لدينا، إلا أن معظم خطوات العمل تتم باليد”، مثما يوضح الوسلاتي. “في البداية كان عملاؤنا ينتابهم بعض الشك، لإن الثلج لا يتساقط أبداً في تونس. إلا أنهم سرعان ما لاحظوا خبرتنا الفنية وعنايتنا الفائقة”.
كما أننا نقوم بصورة منتظمة بإخبار العمال بما يصنعونه هنا. “فكثيراً ما نعرض عليهم مقاطع فيديو حول ألواح التزلج، التي قاموا بصناعتها. ورغم أنهم لم يمارسوا التزلج عليها بأنفسهم أبداً، إلا أنهم يكونون في غاية الفخر برؤية عملهم في التلفاز”، بحسب قول الوسلاتي.
في الأثناء، كنا قد وصلنا إلى جهاز الكبس الذي يعطي للوح التزلج شكله النهائي. “إننا نقوم بإنتاج حوالي ثلاثين ألف قطعة سنوياً. وبرغم من أن 70% من الطلبيات التي ننتجها تخص عملائنا القدامى من شركة “نيديكير”، إلا أننا نستخدم بقية المنتج للتعاون مع العلامات التجارية الأصغر. وبهذا يمكننا معاونة هذه الشركات الصغيرة شيئاً ما”.
من هذه الشركات الصغرى شركة “وست”. وجدير بالذكر أن هذه العلامة التجارية لإنتاج ألواح التزلج والتي تقع في غرب سويسرا، قد نشأت من حلم أربعة أصدقاء: دافيد لامبير، وهو أحد المتزلجين المحترفين على الجليد سابقاً، وميشيل كروبف، وفرديناند موراغليا، وماتيو رويلر. ولدى الأربعة خبرة في العمل مع شركة “موفمنت” لإنتاج مستلزمات التزلج على الجليد وكذلك بالسوق الخاص بهذه الرياضة. وقد شاء القدر أن تقع شركة “موفمنت” على بعد عدة مئات من الأمتار من شركة “ميديتك”. إلا أننا لم نتمكن من زيارتها بسبب أعمال التجديد التي تجري بها حالياً.
مزيد من الإبداع
استطعنا الوصول إلى دافيد لامبير هاتفياً، الذي قال: “نشأت شركتنا من تلك الأحاديث حول الوضع الحالي لألواح التزلج وقلة الابتكار فيها. ورأينا أنه من المؤسف عدم وجود شركة سويسرية أخرى في هذا المجال سوى شركة “نيديكير” آنذاك.
ولقد زادت شركة “وست” الواقعة في غرب سويسرا انتاجها من 120 قطعة في عام 2014، ليرتفع في الأثناء ويربو عن الألف قطعة سنوياً. “درسنا ما حدث في الثلاثين عاماً الأخيرة. وقمنا بإضافة أحدث التقنيات وأقيّم المواد، كي نحصل على منتج ذي جودة عالية. إننا نظل في النهاية سويسريين، أي شديدي الدقة”، يكمل لامبير حديثه. لقد كنا في غاية الطموح في بداية الانتاج”.
وهو على دراية بهذه المفارقة، إذ يقومون بإنتاج أحد مستلزمات الرياضات الشتوية في الصحراء الأفريقية. “إنها دائماً الملاحظة الأولى التي يبديها عملاؤنا من سويسرا الناطقة بالألمانية”، يقول مبتسماً. “نحن نقوم كذلك بإنتاج ألواح تزلج في سويسرا، إلا أن ثمن الواحد منها يبلغ 2000 فرنك بدلاً من 600! فإننا في سويسرا لا نمتلك صناعة لمثل هذه المنتجات، وإنما فقط حرفيين، والذين لا يمكنهم توريد مثل هذه الكميات من الألواح التي نحتاج إليها”، على حد قول لامبير.
المزيد
ألواح تزلج “وست” تحت المجهر
في البداية فكر هؤلاء الرومانديون (من غرب سويسرا) الأربعة في افتتاح مقر للإنتاج في سويسرا، لكن التكاليف كانت باهظة. “لقد كان لدينا تصور عن أربعة حلول، وكانت كلها في أوربا. لكن تونس راقت لنا، وكون أنهم يتحدثون الفرنسية، فإن هذا كان يمثل ميزة أخرى”.
وعلى الرغم من أن لامبير لم يستطع حتى الآن الاكتفاء بمبيعات ألواح التزلج من شركة “وست” في تغطية تكاليف معيشته، إلا أنه راضٍ عن نموها. “هذا العام سنقوم بإنتاج حوالي ألف قطعة. ولكن كي يكون العمل بكامل طاقته، علينا أن نصل بالإنتاج السنوي إلى حوالي خمسة آلاف قطعة. إلا أن هذا ليس هو الهدف في حد ذاته. إننا لسنا في عجلة من أمرنا”.
بناء الثقة
أما بالنسبة لمقر الشركة بسويسرا، فهو يقع في مكتب صغير داخل مسكن لامبير. ويتم تخزين ألواح التزلج مؤقتاً في محل ليفيتاسيون بمارتيني (كانتون فاليه)، وهو مملوك لماتيو رويلر، أحد المؤسسين الأربعة لشركة “وست”.
” كي تقوم بافتتاح شركة عام 2018، فإنك لست بحاجة سوى إلى هاتف وحاسوب. والباقي يمكن القيام به عن بعد”، يقول لامبير. ولوجود علاقة ثقة متنامية مع شركة “ميديتك”، فإن هذا الرجل من أبناء مدينة شاتيل سان دونيه بكانتون فريبورغ، لا يحتاج سوى السفر مرتين أو ثلاثة مرات إلى تونس سنوياً، في الحالات العادية.
إلا أن شهرة شركة “وست” بدأت تزداد على مستوى العالم. ففي الربيع الماضي قام ممثلون عن السفارة السويسرية بتونس بزيارتهم. كما أن منظمة السياحة السويسرية الوطنية “سويس توريزم”دعت شركة “وست” للمشاركة في معرض الرياضات الشتوية العالمي في العاصمة الصينية بكين في سبتمبر المقبل، حيث ستقوم الشركة بتمثيل سويسرا في الجناح المخصص لها بالمعرض. فضلاً عن ذلك فإن مزيد من الرياضيات والرياضيين أصبحوا يستخدمون الألواح التي تنتجها الشركة في المسابقات التي يشاركون بها. ومنهم الرياضية السويسرية إلينا كوينس، حيث تألقت في الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في يناير الماضي بمدينة بيونغشانغ الكورية الجنوبية، مستخدمة أحد ألواح شركة “وست”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.