وصفات للتعامل مع أموال الطغاة المُودعة في سويسرا
بعد انقضاء خمس سنوات على الربيع العربي لا تزال مئات الملايين من الفرنكات مُجمَّدة في المصارف السويسرية. مع ذلك، تبقى باسكال بايريسفيل نائبة مدير إدارة القانون الدولي العام في وزارة الخارجية السويسرية واثقة من نجاح الإجراءات المُتعلقة بإعادة هذه الأرصدة المالية. وفي ما يلي حوار مع هذه المسؤولة المطلعة والمحيطة بتفاصيل وخفايا هذا الملف.
باسكال بايريسفيل، أنتِ تعملين لدى الحكومة الفيدرالية كمنسقة لإجراءات التعامل مع أموال الحكام الطغاة التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة، والتي أودِعَت في المؤسسات المالية السويسرية المحلية. كيف يمكن تبرير هذه الجهود مع عدم وجود حل في الأفق لمسألة تجميد مئات الملايين من الفرنكات كما في حالة الربيع العربي حتى بعد انقضاء خمسة أعوام؟
باسكال بايريسفيل: ما يأتي في المقام الأول بالنسبة لنا، ليس قيمة الأصول، ولكن السياق الأوسع. إن من بين أهداف سياستنا الخارجية المُستمدة من الدستور تعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون والحوكمة الرشيدة والتنمية. نحن نتَّبع في حالة إعادة أموال الحكام الطُغاة المُكتسبة بطُرُق غير مشروعة، أو ما يُعرف بـ استرداد الموجودات ثلاثة توجهات رئيسية. الأولى: الحيلولة دون الإفلات من العقاب، والثاني، البُعد التنموي السياسي ذو العناصر الإيجابية والسلبية. سلبية بمعنى ضرورة حماية الساحة المالية من وصول أي أموال غير مشروعة إلى بلدنا – ولاسيما من الدول التي نرتبط معها بمشاريع إنمائية. وإيجابية، أي تقديم الدعم للدول التي تمر بمرحلة انتقالية بكافة إجراءات التعاون الملموسة.
وما هو التوجه الثالث؟
باسكال بايريسفيل: لقد توصلنا لهذه التوجه بمحظ الصدفة ودون قصد مسبق منذ ثلاثين عاماً بالضبط تقريباً، عندما أصدرت الحكومة الفيدرالية خلال مأدبة رسمية لرئيس فنلندا في غرفة مجاورة أول قرار تجميد إداري للأصول بالإستناد إلى الدستور، بسبب إعلامه من قبل أحد المصارف عن وجود أموال قد تكون غير مشروعة. وفي وقت شهدت فيه الساحة المالية ضغوطاً شديدة بسبب إدراة أموال الحكام الطغاة، كان الأمر يتعلَّق بأموال الرئيس الفلبيني المخلوع فرديناند ماركوس. كان علينا أن نحمي سمعة ساحتنا المالية. وقد نجحنا في العقود الثلاثة الأخيرة بتحويل هذه الحالة الطارئة إلى موقف أخلاقي. نحن نحاول ومن خلال إنتهاج ممارسة سياسة فعالة، أن نمنع وصول مثل هذه الأصول إلينا من جهة، ونبذل جهوداً حثيثة لإعادتها لو ظهر وجودها لدينا مع ذلك. إذن الأمر في النهاية يتعلَّق بِدَعم مؤسساتنا المالية.
ما الذي يعنيه هذا بالضبط بالنسبة لدول الربيع العربي؟
“لقد نجحنا في تحويل حالة طارئة إلى موقف أخلاقي”
باسكال بايريسفيل
باسكال بايريسفيل: خلال الثورات العربية، وكما حدث في ميدان الإستقلال في كييف [أوكرانيا] أيضاً، خرج العديد من الأشخاص وللمرة الأولى مُخاطرين بحياتهم للتخلص من الحكام الفاسدين المُتحكمين بمصائرهم. وبطبيعة الحال يُثير مثل هذا التحرك توقعات ضخمة، من ضمنها مسألة إعادة الأموال المُجمَّدة في الخارج. ومع أن هذا يشكل تحدياً كبيراً، لكنه – وبالنظر لما له من قوة رمزية كبيرة – يمثل فرصة أيضاً عندما نستطيع إعادة تلك الأموال بالفعل. وبالرغم من أنَّ هذا لم يكن مُمكنا حتى الآن، وبعد انقضاء خمس سنوات على قيام تلك الثورات، إلّا أنه لا يعني الإفتقار إلى تحرك بهذا الإتجاه. بل على العكس، ففي حالة تونس على وجه الخصوص – وهنا يتعلق الأمر بنحو 60 مليون فرنك تخص نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي – نرى أن التعاون ممتاز.
مع ذلك، كانت هناك انتكاسة في موفى عام 2014 عندما ألغت المحكمة الجنائية الفدرالية محاولة النيابة العامة الهادفة لسداد الجزء الأكبر من هذه الأموال لتونس في وقت مبكر؟
باسكال بايريسفيل: كان الأمر يتعلَّق حينها بمحاولة إعادة تلك الأموال بأسرع طريقة ممكنة وبشكل مماثل للإجراءات التي إتُبعت في عام 2005 لإعادة أموال ساني أباشا التي وصلت قيمتها لـ 700 مليون دولار إلى نيجيريا. ومع أن النجاح لم يحالف هذا الإجراء لكنه كان يستحق المحاولة. ما يهمنا بالدرجة الأولى هو إنهاء البلد الشريك لإجراءاته الجنائية، مما يتيح لنا إعادة هذا الأصول بناءً على أحكام نهائية. وهذا العمل المشترك جيّد بالفعل في حالة تونس.
هل هو أفضل من حالة مصر، حيث ما يزال ما يقرب من 600 مليون فرنك سويسري لنظام مبارك مجمداً في حسابات سويسرية؟
باسكال بايريسفيل: التعاون مع مصر جيّد أيضاً في الواقع. مع ذلك لا يمكن مقارنة التطور السياسي في مصر بذلك الحاصل في تونس. لقد صدرت عدة أحكام بالبراءة في مصر لإشخاص كانوا قد إتهموا بارتكاب جرائم إقتصادية. كما شهدت وزراة العدل تغييرات في عدد من الموظفين على رأس الوزارة. علاوة على ذلك تعرض النائب العام للإغتيال. لقد كلفت كل هذه الأحداث وقتاً ثمينا، لكن المدعي العام الفيدرالي عاود تكثيف الإتصالات بين البلدين مرة أخرى أثناء زيارته للقاهرة في وقت سابق من هذا العام.
في حالة مصر هناك حديث عن محاولات لِعَقد تسويات خارج إطار المحاكم، يحتفظ فيها أصحاب المال الأصليين بجزء من الأصول المجمدة؟
باسكال بايريسفيل: مثل هذه الصفقات تشكل خيارا دائما. الأخبار مُتضاربة حول هذا الموضوع في الصحافة المصرية. لكننا لسنا طرفاً في مثل هذه الصفقات. لقد قمنا بتجميد الأموال لإتاحة إمكانية إجراء دعوى قضائية تنتهي بإعادة هذه الموجودات إلى تلك الدول في النهاية. عندما يصل الأمر إلى تسوية تؤدي إلى وقف الإجراءات الجنائية في بلد ما، ولا تتوفر هناك إرادة سياسية لحل جنائي، فإن الغرض من تجميد الأموال لدينا سوف ينتفي في يوم ما.
أقرَّ البرلمان الفدرالي في ديسمبر الماضي القانون الجديد حول تجميد واسترداد الأصول غير المشروعة للطغاة الأجانب الذين أزيحوا عن السلطة. هل يعني ذلك ظهور حلول جديدة الآن في حالتي مصر وتونس؟
باسكال بايريسفيل: من نتائج القانون الجديد الذي يُتوقع أن يدخل حيّز التنفيذ في الصيف القادم هو ترجمة القوانين الفدرالية في حالة تونس ومصر وأوكرانيا إلى المستوى التشريعي. وهذا يعني إمكانية تطبيق القانون الجديد على هذه الدول فوراً. وعلى الرغم من إطلاق وسائل الإعلام تسمية “قانون مبارك” و”قانون زين العابدين بن علي” على هذا التشريع الجديد، لكن ذلك لن يغير شيئاً من حيث المبدأ بالنسبة للإجراءات نفسها.
هناك خيارات واسعة للتعامل مع مسألة إعادة الأموال المنهوبة لما يعرف بـ”الدول الفاشلة” التي انهار النظام القانوني فيها تماماً، ومع تلك الدول التي لا يمكن تحقيق المساعدة القانونية معها بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان. وهذه النقطة الأخيرة تُربط بمصر في بعض الأحيان. لكننا في الوقت الراهن لا نرى سبباً لتطبيق خيارات المصادرة في هذه الحالة لأن التعاون مع مصر لا يزال يعمل كما في السابق.
وماذا عن الأموال المُجَمَّدة في حالتي ليبيا وسوريا؟
باسكال بايريسفيل: لا يمكن مقارنة الوضع في هاتين الدولتين مع الوضع في تونس، أو في مصر، أو أوكرانيا، لأن الأمر هنا لا يتعلق بالحجز الإداري على هذه الأصول من قبل الحكومة الفيدرالية. إن أموال نظام القذافي السابق ونظام الأسد تخضع للعقوبات التي فرضتها سويسرا بالإستناد إلى قرارات الأمم المتحدة، وتمشياً مع عقوبات الاتحاد الأوروبي. وهنا يتم تطبيق قانون الحَظر الذي تتحمل كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية (SECO) مسؤولية تنفيذه. هناك نحو 90 مليون فرنك سويسري مُجمَّد في حالة ليبيا، كما تصل قيمة الودائع السورية المُجمَّدة إلى 120 مليون فرنك.
رسخت سويسرا سياستها المميزة في التعامل مع أموال الحكام المستبدين على الصعيد الدولي أيضاً ماذا تحقق لها في هذا المجال مؤخراً؟
باسكال بايريسفيل: بدعوة من الفريق العامل لمحاربة الفساد في مجموعة العشرين (G 20) سنحت لنا الفرصة لتقديم القانون الجديد بشأن تجميد واسترداد الأصول المنهوبة في بكين مؤخراً، حيث يتعلَّق الأمر هنا بأول قانون شامل يختص بموضوع استرداد الأصول في جميع أنحاء العالم. وكانت سويسرا قد شاركت منذ عام 2001 في ما يسمى بندوات لوزان الهادفة لوضع إستراتيجية مُنسقة دوليا لإعادة الأصول المنهوبة. وفي الإجتماع الأخير الذي عُقِدَ في نهاية شهر فبراير الماضي، جرى العمل على وضع مبادئ توجيهية لتنفيذ هذا القانون. ويتعلق الأمر هنا بتفويض من الامم المتحدة لإخراج نوع من “دليل العمل” بحلول عام 2017 يتضمن “وصفات” لجميع دول العالم بشأن ماهية الإجراءات التي ينبغي إتخاذها في أي مرحلة من مراحل عملية استرداد الأموال المنهوبة.
* نُشر هذا الحوار في الاصل في صحيفة “نويه لوتسيرن تسايتونغ”رابط خارجي يوم الاحد 6 مارس 2016.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.